بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

دول الممانعة

عين على فلسطين وأخرى على أمريكا

أسفرت تطورات العام الماضي في منطقة الشرق الأوسط، والتي كان أهمها العدوان الإسرائيلي على غزة في الأيام الأخيرة من العام، عن تصاعد الحديث عن دور معسكر الممانعة، بقيادة إيران وسوريا وقطر، في مقابل معكسر الاعتدال بقيادة مصر والسعودية والأردن. فخلال الأسابيع الثلاثة للعدوان، وما بعدها وصلت حدة الصراع بين المعسكرين إلى أقصاه. ففي حين حمل النظام المصري المقاومة المسئولية عن العدوان، وسعى بالتعاون مع السعودية إلى إفشال عقد قمة عربية، وطرح مبادرة نالت ترحيب إسرائيل، اتخذ معسكر الممانعة موقف التأييد الكامل للمقاومة، وتبني عقد المؤتمرات الداعمة للمقاومة بقيادة حماس. وأهدافها، وحساباتها، والتي تجعل من غير الممكن اعتبارها حليفاً يعتمد عليه للنهاية في مواجهة الاستعمار، وهو ما يؤكد أن الشعوب وحدها، وليست الأنظمة، هي من يمكن أن يقدم الدعم النهائي وغير المشروط للمقاومة.

ظلت إيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية قبل ثلاثين عاماً على قمة قائمة الدول التي تعبيرها أمريكا معادية لها. وخلال التسعينيات، عقب حرب الخليج الثانية، تبنت الولايات المتحدة ما عرف بسياسة الاحتواء المزدوج التي تقوم على السعي لمحاصرة العراق وإيران معاً.

وكان رد الفعل المقابل الذي اتخذته إيران هو السعي لتعزيز قدرتها العسكرية، وتطوير القدرات البشرية عبر الاهتمام بالصحة والتعليم— ومن الجدير بالملاحظة أن إيران استطاعت في نحو ربع قرن تحقيق هدف محو الأمية، في حين فشل النظام المصري في تحقيق هذه الهدف في ستين عاماً. وعلى الصعيد الإقليمي، تبنت طهران عدداً من السياسات الهادفة إلى تعزيز دورها الإقليمي. فقد عملت على مساعدة الحركات الإسلامية في المنطقة، وتبنت موقفاً داعماً لحركات المقاومة، حيث كانت ومازالت المصدر الأساسي للمال والسلاح المقدم إلى حزب الله. وفي نفس الوقت، شكلت إيران مع سوريا تحالفاً، بدأ كتحالف في مواجهة نظام البعث العراقي، ثم استمر في العقود التالية في مواجهة التحديات التي تقابل البلدين.

وفي نفس السياق جرى تطوير البرنامج النووي الإيراني، الذي وجدت دول الخليج فيه تهديداً خطيراً لها، واعتبرت أمريكا وإسرائيل ان السماح لإيران باستكمال هذا البرنامج سيؤدي إلى تغيير جوهري في موازين القوى في المنطقة. وفي ظل هذه التطورات اعتبر بوش إيران واحدة من دول محور الشر، وصدرت ثلاثة قرارات من مجلس الأمن –بإيعاز وتأييد من أمريكا—تفرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.

تعد قطر نموذجاً مدهشاً للدولة الصغيرة التي استطاعت أن تحصل على مكانة هائلة. فقد استقلت قطر عام 1971، ولا يزيد عدد سكانها عن 800 ألف نصفهم من الوافدين. وفي عام 1995، استطاع حمد بن خليفة آل ثان الإطاحة بوالده. ومنذ ذلك الحين، استطاع حمد أن يجعل من بلده دولة ذات وزن في المحيط الإقليمي. فمن جهة، تستضيف قطر أكبر قاعدتين أمريكيتين في الخليج هما العيديد والسيلية، واللتان انطلقت منهما آله الحرب الأمريكية على العراق. وفي نفس الوقت، تقيم قطر علاقات تجارية واقتصادية مع إسرائيل.

لكن على صعيد آخر، تسعى قطر إلى لعب مؤثر على الصعيدين الشعبي والرسمي معاً. فعلى الصعيد الشعبي، استطاعت قناة الجزيرة، خلال نحو عقد من الزمن اثبات أنها أكثر القنوات تعبيراً عن توجهات الشارع العربي، خاصة في اللحظات الحاسمة، ، مثل الانتفاضة الفلسطينية، والغزو الأمريكي للعراق، والعدوان على لبنان، والعدوان الأخير على غزة. وفي نفس الوقت، شنت هجوماً عنيفاً على أقطاب معسكر الاعتدال، وعلى رأسهم مصر، وبدرجة أقل السعودية. ومن ناحية أخرى، حرصت السياسة القطرية على لعب دور في الأزمات العربية، فقامت باستضافة الفرقاء اللبنانيين وتم التوصل إلى اتفاق الدوحة الذي أنهي حالة الجمود في الوضع السياسية اللبناني. واستضافت مؤخراً الفصائل المقاتلة في درافور بهدف التوصل إلى تسوية للنزاع في الإقليم. وخلال العدوان على غزة، حاولت تنظيم قمة عربية، وعندما فشلت في جمع النصاب القانوني— بفعل الدور المصري والسعودي—قامت باستضافة قمة ضمت المؤيدين للشعب الفلسطيني من المنطقة وخارجها.كذلك تناقضات قطر انتقلت بدورها إلى قناة الجزيرة، فالقناة التي عرفت بالرقي المهني تراجعت مهنيتها في تغطية فعاليات التضامن مع غزة بالتركيز المبالغ فيه بكل حركة تقوم بها الشيخة موزة!

ظلت سوريا حليفاً تقليدياً للاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة. وأثناء حرب الخليج الثانية، تحسنت العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة، حيث كانت سوريا أحدى القوات المشاركة في قوات التحالف الدولي التي حاربت صدام حسين. لكن هذا التحسن كان بمثابة شهر عسل قصير حيث عادت العلاقات للتدهور بفعل السياسة الإقليمية لسوريا، وبشكل خاص التحالف مع إيران والدور السوري في لبنان. وتمثل سوريا مع إيران مصدر الدعم الأساسي لحزب الله.

إذا ما قورن بالنظام الإيراني، يبدو النظام السوري في حالة أكثر ضعفاً وأقل قدرة على مواجهة العزلة الدولية. ولا يرتبط ذلك فحسب بصغر حجم سوريا وقدرتها مقارنة بطهران، ولكن أيضاً بطبيعة نظام الحكم في سوريا. قالنظام الإيراني أياً كانت عيوبة، إلا أنه يقوم على الانتخاب الحر، ومن ثم يستند الرئيس على شرعية الانتخاب. أما في سوريا، فالقمع هو الوسيلة الوحيدة التي تحفظ وجود النظام، ومن ثم يمثل هدف البقاء في الحكم المحدد الرئيسي لسلوك النظام السوري. وفي ظل هذا الوضع، سعى بشار الأسد إلى اتخاذ سياسة برجماتية، وإرسال إشارات على حسن النوايا. ففي نفس الوقت الذي يدعم حزب الله ويستضيف قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، انخرط الأسد في تعاون أمني واستخباراتي مع أمريكا، مما قلل عدد المتسللين من الحدود السورية إلى العراق بشكل كبير.وعقب تولي أوباما الحكم، بعث الأسد برسالة تهنئة إلى الرئيس الجديد، وأصدر التصريحات المرحبة بقرار أوباما بإغلاق معسكر جوانتانامو. وفي نفس الوقت، قام وفدان من الكونجرس بزيارة سوريا، ألتقوا خلالها ببشار الأسد، حيث ركزت المناقشات على علاقة سوريا بحماس وحزب الله والتعاون السوري الإيراني. ويعتقد بعض المراقبين أن أمريكا قد تعيد سفيرها إلى دمشق –والذي كانت سحبته بعد اغتيال الحريري—قريباً.