بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

الأنظمة العربية ما بعد الحرب

دول «الاعتدال» تخوض معركة تصفية المقاومة بالإعمار

تشير التطورات على الساحة الفلسطينية إلى أن وقف إطلاق النار الذي أعلنه الكيان الصهيوني، في 18 يناير الماضي، من جانب واحد، لم يكن إيذاناً بنهاية العدوان، وإنما بنهاية معركة وبدء معركة جديدة ضد المقاومة الفلسطينية، هي معركة إعادة الأعمار. فإذا كان العدوان، الذي استمر ثلاثة أسابيع، وخلف أكثر من 6000 فلسطيني بين قتيل وجريح، لم ينجح في تأليب الشعب الفلسطيني على المقاومة، فإن إسرائيل وأمريكا وعدد من العواصم العربية تهدف إلى استخدام عملية إعادة الأعمار في الضغط على المقاومة حتى تتخلى عن الثوابت، التي تتمسك بها، وإلا لن يتم إعادة الأعمار.

تنبع خطورة الوضع في غزة، بالنظر إلى حجم الدمار الذي أحدثه العدوان، حيث دمر أكثر من 20 ألف منزل، بين تدمير جزئي وكلي، إضافة إلى أكثر من 200 مصنع، و العديد من المدارس، والمباني الحكومي، وشبكات المرافق. كما أن العدوان الإسرائيلي جعل أكثر من 50 ألفاً فلسطيني بلا سقف، يظلهم في برد الشتاء، هكذا توقفت كافة مظاهر الحياة في القطاع. ومازالت تجربة حزب الله عقب العدوان على لبنان في يوليو 6002 ماثلة في أذهان الإسرائيليين. فعلى عكس التوقعات الإسرائيلية، أدت الحرب على لبنان إلى تعزيز وضع حزب الله، حينما نجح في بناء، ما دمرته الحرب، وفي إعادة أعمار الجنوب، ومن ثم خرج حزب الله، من المعركة، أكثر شعبية جماهيرياً، وأكثر تأثيراً في النظام السياسي اللبناني.

أشارت تصريحات المسئولين الإسرائيليين بعد العدوان الأخير إلى أهمية مسألة إعادة الأعمار، حيث صرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، بعد إعلان وقف إطلاق النار، بأن أحد المعايير الأساسية لنجاح الحرب على غزة هو منع حكومة حماس من لعب إي دور، في عملية إعادة الأعمار، وإلا فإن حماس سوف تستمر في السيطرة على القطاع لفترة طويلة قادمة. لذلك تم تجاهل مقترحات حماس بشأن إعادة أعمار القطاع. فعقب انتهاء العدوان، اقترح رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، تشكيل لجنة عربية فلسطينية للإشراف على إعادة الأعمار، وأكد أن “حماس لن تقوم بالتدخل في مشروعات إعادة الأعمار، التي تقوم بها الهيئات التابعة للأمم المتحدة العاملة في القطاع”. غير أن السلطة الفلسطينية ودول الاعتدال وعلى رأسها مصر، والمانحون الدوليون، رفضوا هذا الاقتراح. وأعلنت السلطة الفلسطينية أن حكومة حماس “غير شرعية” – رغم أن محمود عباس قد انتهت فترة ولايته رسمياً في 8 يناير الماضي— ورغم أن الشرعية الحقيقية يجب النظر إليها في إطار التفاف الشعب الفلسطيني لخيار المقاومة. ومن جانبه، أكد معسكر الاعتدال ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية، كشرط لبدء العملية. أما الأطراف المانحة، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، فقد أكدوا أنهم لا يعترفون بحكومة حماس، وليسوا على استعداد للتعامل معها إلى أن تعترف بإسرائيل، و تقبل الاتفاقات، التي وقعتها السلطة الفلسطينية في السابق، وأن تنبذ “العنف”. وفي هذا السياق دعا الرئيس الفرنسي مؤخراً إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، يرتكز على تثبيت الهدنة، ووقف تهريب الأسلحة، والتخلي عن المقاومة.

تعد مشكلة إعادة الأعمار أكثر تعقيداً من مجرد جلب الأموال اللازمة للأعمار، حيث أن ما يسمى “دول الممانعة” لديها استعداد قوى للمساهمة، ودائماً ما تتوفر طرق لتهريب هذه الأموال عبر الأنفاق. ولكن المأزق الحقيقي يتمثل في كيفية إدخال مواد البناء إلى القطاع. ذلك أنه كما هو معروف، توجد ستة معابر تتحكم فيها إسرائيل، ومعبر واحد يتحكم فيه النظام المصري. وسترفض إسرائيل إدخال مواد البناء عبر معابرها. كما أن مصر حتى هذه اللحظة، مازالت تقبل فقد إدخال المساعدات الطبية، دون المساعدات الغذائية.

عكست مسألة إعادة الأعمار، خلال الأيام الماضية، حدة التنافس بين ما يسمى معسكري “الاعتدال” و”الممانعة”، فقد طرح النظام المصري تنظيم مؤتمر للدول المانحة في بداية مارس القادم، حتى يكون الفلسطينيون قد توصلوا إلى اتفاق حسب قول أحمد أبو الغيط. وفي المقابل، قام مشعل بزيارة لإيران، حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني أن بلاده تتشاور مع دول إسلامية وغير إسلامية بشأن عقد مؤتمر لإعادة الأعمار.

أصبح من الواضح أن كلا الطرفين يريد تعزيز المكاسب، التي حصل عليها في الحرب، فمعسكر “الاعتدال” يرى أنه يجب البناء على ما تحقق من تدمير للقطاع للضغط على المقاومة وحصارها، بهدف تحييد “الخطر الإسلامي” المتجسد في “الإمارة الإسلامية” في قطاع غزة، حسب زعمهم، وبهدف تأكيد ولاء هذا المعسكر للإدارة الأمريكية الجديدة، التي لم تفصح بعد عن نواياها تجاه منطقة الشرق الأوسط، وموقفها تجاه حلفاء الولايات الأمريكية التقليدين، من الحكام المستبدين في المنطقة. وفي هذا الإطار يمكن فهم النشاط الحثيث مؤخراً لتدمير الأنفاق، وكذلك الاستعانة بخبراء دوليين لتعزيز هذه العملية، وتركيب كاميرات للمراقبة حدود القطاع مع مصر.

سعت مصر إلى تعليق عملية الأعمار بأمر “المصالحة الوطنية”. ومازالت تسعى مصر إلى الضغط على حماس، من أجل قبول اتفاق “مصالحة وطنية”، لا يُقر حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، و يحقق لإسرائيل ما عجزت عن تحقيقه عن طريق الحرب. هذا الاتفاق، الذي تسعى مصر إلى إنجازه، لا يتضمن إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين لدى السلطة الوطنية في الضفة الغربية، ولا وقف التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل. أما فيما يتعلق باتفاق التهدئة لا تتضمن المقترحات المصرية فتح كافة المعابر فوراً والسماح بدخول كافة مواد الإغاثة إلى القطاع.

في المقابل، يسعى “معسكر الممانعة”، الذي تقوده طهران، ويضم سوريا وقطر وأخرين، إلى تعزيز مكاسبه من الحرب، خاصة في ظل التأييد الشعبي، الذي كسبه هذا المعسكر، في المنطقة، بسبب موقفه المؤيد للمقاومة، ومن ثم تعزيز نفوذه في المنطقة، وتقوية موقفه في التفاعل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، فمثلاً يمكن أن يستفيد النظام السوري، في أي تفاوض مع إسرائيل، مما حققته المقاومة، باعتباره داعم للمقاومة، وبالتالي يتفاوض من موقع قوة. لكن في كل الأحوال، وبالرغم من أهمية الدور الذي يقوم به هذا المعسكر حالياً، إلا أنه لا يمكن التعويل عليه كمدافع أصيل عن حق المقاومة، لأنه في النهاية تحكمه مصالحه الذاتية، التي تتقاطع أحياناً مع فصائل المقاومة، لكن إذا تعارضت المصالح الذاتية لتلك الأنظمة في منعطف ما مع دعم للمقاومة، لن يتردد في التضحية بها.

إن المقاومة تواجه الآن لحظة لا تقل خطورة عن وقت العدوان، حيث إن أعداءها لن يترددوا في استكمال ما قامت به إسرائيل من عدوان عبر التشريد والتجويع. ولاشك أن تبني حماس لنهج ديمقراطي في التعامل مع المختلفين سياسياً معها، داخل القطاع، سوف يعزز من قدرتها على الصمود. كما أن تطور الأوضاع في الضفة الغربية، في حالة تصاعد المعارضة لقمع وفساد السلطة، لا شك سوف تعزز من وضع المقاومة. لكن تحرك الشعوب العربية في مواجهة الحصار والتجويع، الذي يمارسه الكيان الصهيوني وحلفاؤها، سيكون له الدور الأهم في استمرار المقاومة.