بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أفغانستان: المستنقع الجديد للإمبريالية الأمريكية

الحرب في أفغانستان كما تصورها وسائل الإعلام الغربية، وعلى عكس الحرب في العراق، هي حرب موجهة ضد نظام طالبان، ذلك النظام الإسلامي الرجعي المتطرف، ذلك النظام الذي يهدم الآثار بدعوى أنها أصنام، ويقهر النساء ويقتلهن بدعوى مخالفتهن لقواعد الدين، ويفرض حكم رجعي متشدد من تراث العصور الوسطى ضد الشعب الأفغاني.

من هذا المنظور تدافع الإمبريالية ووسائل إعلامها عن تلك الحرب النبيلة وهدفها السامي، ألا وهو “تحرير” الشعب الأفغاني من قبضة هذا النظام المتعصب ومد مشاعل التنوير والحضارة إليه.

و هكذا وبين مطرقة الإمبريالية وسندان المقاومة المتمثلة في طالبان، اتخذ الكثيرون موقفا محايدا بين الطرفين وامتنعوا عن التورط في مساندة الإمبريالية وجيوشها في تلك الحرب، وامتنعوا أيضا عن التورط في الوقوف وراء قوى متطرفة ويمينية مثل نظام طالبان، وكان الطريق الآمن لهؤلاء هو الادعاء أنهم يقفون مع الشعب الأفغاني ويثقون في قدرته على إفراز البديل المعتدل والقادر على طرد ودحر الإثنين معا، الإمبريالية ونظام طالبان.

لكن الواقع لا يعترف بالتخيلات ولا بالأماني، وهذا البديل التخيلي غير موجود حتى الآن على أرض الواقع ولا تظهر في الأفق أي من الإمكانيات المادية اللازمة لتوافره.

أما الحديث عن أن الاحتلال يحاول زرع الديمقراطية في أفغانستان وإحداث طفرة في التنمية والاستقرار فهو محض هراء. فقد أكدت الانتخابات الأخيرة أن حكومة كارزاي العميلة متورطة حتى النخاع في التزوير واستخدام علاقاتها بأمراء الحرب لكسب الانتخابات بالقوة. وقد ظهر بما لا يدعو للشك مدى تورط تلك الحكومة في الفساد وتجارة الأفيون، وذلك كله تحت رعاية قوات الاحتلال.

كما أن الكثير من المناطق الأفغانية لا تقع تحت سيطرة الحكومة الموالية للاحتلال والمنَصبة من قبله، ولم تتمكن تلك الحكومة من إجراء الانتخابات فيها، خاصة بعد تأثير التهديدات الأفغانية من قبل حركة طالبان وحلفائها بالقيام بأعمال عنف في تلك المناطق وغيرها من المناطق الأفغانية.

وأيا ما تكن النتائج التي ستتمخض عنها الانتخابات الرئاسية والمحلية الأفغانية التي دارت وسط تردٍ سياسي وأمني واضح في بلاد لا تزال تحت الاحتلال الأمريكي منذ ثمان سنوات، فإن الانتخابات كانت اختبارا هاما يُظهر فشل الاحتلال في تحقيق أي نصر ملموس على المقاومة.

أما دعاوى التعمير والتحضر لإنقاذ البلد التي طالما رفعتها القوات الغازية، فلا نكاد نجد لها أثرا بعد مرور ما يزيد على الثمان سنوات من الاحتلال، ولعل استطلاعات الرأي تكشف لنا ذلك بصورة أوضح، حيث كشفت أن نحو 60% من الأمريكيين يعارضون الحرب في أفغانستان مقابل 54% في يوليو، و 46% في أبريل، واعتبر 62% ممن شملهم الاستطلاع الذي أجرته شبكة بي بي سي الإخبارية الأمريكية أن الولايات المتحدة ليست بصدد تحقيق انتصار في الحرب الدائرة منذ 8 سنوات في أفغانستان مقابل 64% في فبراير 2009، من جهة أخرى قال 49% من الأمريكيين أنهم يؤيدون سياسة الرئيس بارك أوباما تجاه أفغانستان وذلك مقابل 67% قبل 5 أشهر.

تعتبر أفغانستان خامس أفقر بلد في العالم، حيث يعيش 42% من السكان بأقل من 14 دولاراً في الشهر، وتعيش أغلبية الشعب الأفغاني في القرى والجبال والصحاري المحيطة بها، بينما تعيش القلة فقط في المدن الرئيسية، وتسود حالة من التدهور الحاد في الظروف المعيشية والخدمات الأولية حتى في المدن الرئيسية، ويعيش معظم الشعب على حد الكفاف وتحيق أخطار المجاعة بالمناطق الفقيرة بشكل دائم، ويعاني أكثر من 70% من الأفغان من سوء التغذية.

ولم يأتِ الاحتلال أيا كانت شعاراته إلا بمزيد من الفقر والدمار وانهيار الخدمات والبنية التحتية.

في ظل هذا الوضع الصعب لشعب يكاد يكون بأكمله على حافة المجاعة، تزداد المقاومة للاحتلال الأمريكي يوما بعد يوم، وتزداد أيضا على الجانب الآخر المجازر الأمريكية التي تستهدف المدنيين بالهجمات الجوية يوما بعد يوم أيضا.

فبعد البدايات الأولى السهلة للاحتلال والسقوط السريع لنظام طلبان، ازداد بعد ذلك عجز القوات الإمبريالية على إحراز الانتصار النهائي، وازداد الانغماس في المستنقع الأفغاني، والآن تزداد خسائر قوات الاحتلال يوما بعد يوم ويزداد الرفض من الشعب الأفغاني للاحتلال يوما بعد يوم.

ويكفي مطالعة الصحف اليومية لمعرفة أسباب التغير المستمر والمتزايد في استطلاعات الرأي، فبعد العجز المتزايد للقوات البرية وتصاعد وتيرة العمليات المسلحة لطالبان، لجأت قوات التحالف لاستراتيجية استخدام الهجمات الجوية الذكية التي أدت إلى تزايد أعداد الضحايا من المدنين الأبرياء، وآخرها على سبيل المثال 90 قتيل في غارة للحلف الأطلنطي منذ يومين.

مثل هذه الهجمات البربرية، إضافة إلى تدني مستوى معيشة أغلب الشعب واختفاء أوهام المساعدات والخدمات المقدمة من قوات التحالف، هي السبب الأساسي في تزايد الرفض بين أفراد الشعب الأفغاني للاحتلال وانضمام الكثير منهم لأعمال المقاومة المسلحة.

وأمام ما يجري من تزايد ضحايا الحرب من الجنود الأمريكيين، قررت الحركات المناهضة للحرب الإعداد لحملة تتحدى فيها السياسة الأمريكية تجاه أفغانستان، ومن المقرر أن تنظم هذه الحركات العديد من التظاهرات والحركات الاحتجاجية في أكتوبر القادم الذي يواكب مرور 8 سنوات على بدء الهجوم الأمريكى على أفغانستان، ومع المزيد من الدعم الذي يقدمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما للحرب على أفغانستان وإعلانه إرسال المزيد من القوات الى هناك، وعدم وجود نية لديه للانسحاب في المدى المنظور وترك الساحة لطالبان.

وهنا يجب التأكيد أن المقاومة المسلحة للاحتلال الأجنبي الموجودة حاليا تحت اسم ما يطلق عليه طالبان، كما تحرص دائما وسائل الإعلام الأجنبي على التنويه، ليست تكوين واحد مركزي ومتجانس كما كان الأمر منذ 8 سنوات، وبالطبع ليست كل التفاصيل واضحة، لكن الحقائق المتزايده تشير إلى أن تكوين طالبان الحالي يختلف كليا عن تكوين ذلك النظام الذي حكم أفغانستان منذ أكثر من 8 أعوام، خاصة مع تواتر المعلومات عن تزايد انضمام العديد من قبائل البشتون إلى جانب المقاومة.

الآن يمثل الاحتلال الأجنبي لأفغانستان مصدرا للموت والدمار والفقر أمام أغلبية الشعب الأفغاني، ويمثل حجر عثرة أمام التطور الطبيعي والمأمول لقوى وطبقات الشعب الأفغاني، ومن الطبيعي في هذه الظروف أن يزداد التأييد الشعبي للمقاومة أيا كانت شعاراتها، وهو أمر يؤكده تزايد وتيرة الهجمات الموجعة التي تقوم بها المقاومة ضد قوات الاحتلال.

ومن هنا يمكن أن نقول أن موقفنا هو الرفض التام والنهائي لاحتلال قوات التحالف لأفغانستان، ودعمنا النقدي غير المشروط لكل القوى التي تحارب هذا الوجود، حتى وإن كان بعضها أو حتى كلها يحمل رايات إسلامية يمينية، وذلك حتى يتم التحرير النهائي لهذا البلد المنكوب، فأية هزيمة جديدة للإمبريالية الأمريكية ستعطي دفعة قوية لكافة قوى المقاومة في منطقتنا، سواء ضد الاحتلال الأمريكي أو الصهيوني، وستُضعف من قدرة تلك الإمبريالية وحلفائها على الدخول في مغامرات استعمارية جديدة.