بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أفغانستان مقبرة الغزاة

لا يمكن للمرء إلا أن يندهش من الأحداث المتتالية والمتسارعة، في أفغانستان، في الشهور الماضية. فأولاً هناك التصاعد الناجح للمقاومة، وقدرتها على تنفيذ ضربات موجعة لقوات الاحتلال، ففي شهر أكتوبر وحده أسقطت المقاومة ما لا يقل عن أربعة طائرات حربية أمريكية، وتمكنت من قتل العشرات من الجنود الأمريكيين (تجاوز العدد منذ بدء الاحتلال 1000 قتيلاً)، هذا إلى جانب تمكنها من السيطرة على أكثر من نصف الأراضي الأفغانية. وثانياً هناك حالة استثنائية من الفشل والارتباك في إدارة أوباما للحرب. ففي دعايته الانتخابية وخطبه المختلفة ظل أوباما يؤكد أن الحرب في أفغانستان هي الحرب الخيرة على عكس العراق، وأن النصر فيها هو هدف إستراتيجي لا يمكن التراجع عنه، لكن أمام الخسائر المتتالية للقوات الأمريكية، وأمام مطالبة جنرالات الجيش بإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، وضع إدارة أوباما في مأزق رهيب. فالانسحاب من أفغانستان سيعتبر من قبل المقاومة الأفغانية، ومن قبل اليمين الأمريكي هزيمة نكراء لأوباما، ولأهداف الاستراتيجية الأمريكية، ولكن تصعيد الحرب وإرسال عشرات الآلاف من القوات الأمريكية هو مغامرة يمكن أن تؤدي إلى هزيمة أكثر فداحة. فالمقاومة الأفغانية أثبتت جدارة استثنائية في حرب العصابات والجبال، ولن يؤدي التصعيد ضدها إلا لمزيد من القتلى الأمريكيين، وتصاعد الغضب الشعبي الأفغاني ضد الاحتلال. وقد حاول أوباما وجنرالاته إتباع تكتيك الضربات الجوية العنيفة ضد معاقل الطالبان، ولكن هذه الضربات تقتل العشرات من المدنيين وتزيد من شعبية المقاومة، وكراهية المحتل، هذا إلى جانب أنها لا تجدي مع مقاتلين يحتمون في الجبال. وقد أضطر أوباما في نهاية الأمر الرضوخ لمطالب جنرالاته والقرار بإرسال ثلاثون ألف جندي أمريكي إضافي إلى أفغانستان، وهكذا انتهت إلى الأبد أسطورة أوباما كرجل سلام، وظهر على حقيقته كرئيس حرب وعدوان، مثله مثل سابقه بوش.

أما التطور الثالث وهو أقرب للكوميديا منها للسياسة، فكان انتخابات الرئاسة الأفغانية. فكلنا نتذكر الدعاية الأمريكية وقت الغزو حول استبداد ووحشية حكم الطالبان، وضرورة الإطاحة بهم من أجل تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان الخ. ولكن نظام كارزاي، الذي وضعه الاحتلال في الحكم في كابول، زور الانتخابات، بشكل مفضوح وشبه علني، هذا إلى جانب كونه مثالاً في الفساد والاستبداد، فأغنى رجل في أفغانستان اليوم هو أخ لكارزاي حقق ثروات هائلة من تجارة المخدرات والسلاح.

ولعل التطور الأخير الذي يجب الإشارة إليه هو انتقال الحرب الأفغانية إلى باكستان. فالحكومة هناك وبإشراف أمريكي مباشر تقوم بحرب همجية على طالبان باكستان، وهم امتداد طبيعي لطالبان أفغانستان. وكان الهدف الأمريكي هو محاولة تطويق المقاومة الأفغانية من خلال غلق المنفذ الباكستاني. وقد أمر أوباما، بضربات جوية قاسية في باكستان قتلت المئات من المدنيين. ولكن النتيجة لم تكن التطويق، بل تحول المعركة إلى حرب أهلية في باكستان، تهدد بإسقاط النظام الباكستاني الحليف الأهم للأمريكان في المنطقة.

بالطبع سيقول الكثيرين أن طالبان، سواء الأفغانية أو الباكستانية هم قوى رجعية وهمجية معادية للديمقراطية، بل أنهم صنيعة الأمريكان والنظام الباكستاني في الثمانينات. وكل ذلك صحيح إلى حد بعيد، ولكن يجب الوضع في الاعتبار أن المقاومة الأفغانية لم تعد تقتصر على الطالبان، بل تحالفاً قبلياً واسعاً يريد التخلص من الاحتلال. والأمر الأهم بالنسبة لليسار هو أن كل هزيمة وفشل للاستعمار الأمريكي هو دفعة للمقاومة في كل مكان من العراق لفلسطين ولبنان. وكل إضعاف لنظام عميل مثل كارزاي هو إضعاف للأنظمة المتحالفة مع الإمبريالية في مصر والسعودية وغيرهما. بالتأكيد علينا أن ننتقد ونفضح ممارسات طالبان الرجعية، ولكن هل يعقل ليساري معادي للإمبريالية أن يقف على الحياد بين القوات الغازية لأكبر وأقوى جيش في العالم ومقاومة شعب فقير بلا إمكانيات، مثل الشعب الأفغاني، لمجرد أن مقاومة ذلك الشعب تتخذ شكلاً دينياً؟ أليس من واجبنا أن نؤيد تلك المقاومة وهي تسقط الطائرات الأمريكية واحدة تلو الأخرى؟