فنزويلا والإكوادور.. اليسار يواصل انتصاراته
شهدت الأيام والأسابيع الماضية انتصارات جديدة لليسار ومناهضي الإمبريالية في أمريكا اللاتينية. ففي فنزويلا فاز هوجو تشافيز على منافسه مانويل روزاليس اليميني حليف أمريكا بمدة رئاسية جديدة ليحافظ على حكمه الذي يستمر منذ قدومه للسلطة في 1998. وفي الإكوادور، فاز رافاييل كوريّا اليساري على منافسه ملياردير الموز في انتخابات حامية، سجلت في النهاية نقطة جديدة لليسار في أمريكا اللاتينية. فما الذي يمكن استخلاصه من هذه التطورات؟
فنزويلا
نزلت الجماهير الفنزويلية للشوارع احتفالا بفوز تشافيز بالانتخابات الرئاسية وهو ما يضمن استمرار وتطوير مسيرة الإصلاح والتغيير التي بدأها منذ وصوله الحكم. جاء تشافيز للسلطة في العام 1998 عبر انتخابات رئاسية كان نجاحه فيها ساحقا، بعد أن حاول سابقا الوصول للسلطة بانقلاب عسكري عام 1992 قضى على أثر فشله عامين في السجن. بعد وصوله للسلطة بدأ تشافيز وحزبه في الدفع ببطء فيما أسماه بالثورة البوليفارية- نسبة لسيمون بوليفار الثوري الأمريكي الجنوبي. اشتراكية القرن الواحد والعشرين هو تعبير آخر للتغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي سعى تشافيز ومازال يعمل على انجازها.
ما يفعله الفنزويليون الآن كفيل بإرسال عشرات من الخبراء الاقتصاديين وأنصار السوق إلى حافة الانهيار العصبي. فكل مقدسات الليبرالية الجديدة وسياسات السوق تم إلقاؤها في الزبالة لصالح دور متعاظم للدولة والمجتمع. وجرى في هذا الإطار تأميم العديد من المنشآت وإدارتها مباشرة بواسطة عمالها، واستخدام عائدات الدولة – خاصة من البترول- في التنمية؛ في بناء المدارس والمستشفيات؛ وفي إرسال عشرات الآلاف من طلاب الجامعة والخريجين لمحو أمية الفلاحين في الريف أو حملات الرعاية الصحية. كما تم تكوين مجالس تعاونية في الأحياء والقرى تسعى لتوفير درجة أعلي من المشاركة من فقراء وعمال الشعب الفنزويلي في إدارة شئونهم الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، نجح تشافيز في خلق محور معاد لسياسات الإمبريالية الأمريكية خاصة بعد وصول جورج بوش والمحافظين الجدد للحكم عام 2000. فقد وقف ضد الحرب على أفغانستان والعراق، وهذا الصيف سحب سفيره من إسرائيل احتجاجا على الحرب على لبنان وهو لا يترك فرصة لمهاجمة بوش وسياساته والدعاية ضدها في بلدان أمريكا اللاتينية.
لعب وجود تشافيز في السلطة، ومازال، دورا في تعزيز قوى اليسار ومعسكر معاداة الإمبريالية في أمريكا اللاتينية، فهو صديق وداعم لزعماء يساريين قدماء وصاعدين في المنطقة من كاسترو كوبا ولولا البرازيل، إلى موراليس في بوليفيا وكوريا في الإكوادور.
بعد كل ما سبق فليس مستغربا أن تحاول الإدارة الأمريكية إزاحة تشافيز ودعم معارضيه. ويرى ناعوم تشومسكي الكاتب والمعلق الأمريكي الشهير أنه لولا المقاومة العراقية وتعثر أمريكا في الشرق الأوسط لقامت بالتدخل العسكري المباشر ضد تشافيز. وفي 2002 دعمت الولايات المتحدة انقلابا عسكريا أزاح تشافيز ونصب واحد من بارونات البترول محله. إلا أن انتفاضة جماهير الفقراء في كل المدن الفنزويلية نجحت في هزيمة الانقلاب وإعادة تشافيز للقصر الرئاسي بعد يومين فقط.
تحديات فنزويلا
رغم التغييرات التي تقودها حكومة تشافيز، إلا أن واقع الحياة بالنسبة لغالبية الشعب لم يتغير كثيرا. فهيكل الدولة البيروقراطي مازال في محله، والفساد مازال مستشريا داخله، والمجتمع الفنزويلي مازال رأسماليا بامتياز حيث تتركز الثروة في أيدي حفنة محدودة من الأفراد. ورغم إقرار قانون الإصلاح الزراعي عام 2005 إلا أن حكومة تشافيز مازالت خجلة من الهجوم على مصالح الرأسمالية بشكل جذري على الرغم من سعي الرأسمالية الفنزويلية الدءوب للإطاحة بالحكومة وإبطال كل منجز حققته تلك الحكومة للفقراء.
الإكوادور
رافاييل كوريا الرئيس الجديد الشاب (43 سنة) في الإكوادور هو صديق شخصي لتشافيز. وقد فاز في الانتخابات الأخيرة في مواجهة واحد من أكبر الرأسماليين في الإكوادور. فوز كوريا جاء في الجولة الثانية للانتخابات (الإعادة) بعد أن جاء ثانيا في الجولة الأولى التي لم يحقق فيها أحدا الخمسين في المائة المطلوبة للفوز. جاء فوز كوريا رغم التهديدات المعتادة من دوائر المال والاستثمار والتي حذرت من تأثيرات سلبية على الاقتصاد في حالة فوزه. وبدوره وعد كوريا بوقف التردي في مستوى المعيشة الناتج من اتباع سياسات الليبرالية الجديدة والاقتصاد الحر، وفي هذا السياق أعلن رفضه الدخول في اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية كما أوضح أنه لن يجدد عقد الإيجار للقاعدة الأمريكية الموجودة في الإكوادور.
الصعود والتحديات
فوز تشافيز وكوريا، ومعهم دانييل أورتيجا زعيم حركة الساندنيستا الذي فاز في الانتخابات الرئاسية في نيكاراجوا بعد 16 سنة من حكم اليمين المدعوم أمريكيا، جاء ليؤكد صدق وعمق التوجه اليساري في أمريكا اللاتينية، الفناء الخلفي للدولة الرأسمالية الأكبر في العالم. فمع فنزويلا تنضم الإكوادور ونيكاراجوا إلى نادي اليسار في أمريكا اللاتينية، والذي يضم حتى الآن بوليفيا، وبدرجة ما البرازيل. يلعب هذا الصعود لليسار دورا ملهما للثوريين في العالم بأسره، كما أنه يدعم الصراع الأيديولوجي مع الرأسماليين ومع اليمين. فهؤلاء كانت لهم الغلبة في الـ15 عاما الماضية حتى اعتبر من يتحدث عن بديل لليبرالية الجديدة وسياسات السوق، أو –حاشا لله- الاشتراكية، مجنونا. والآن، وفي المنطقة التي شهدت التطبيق الأول لسياسات البنك الدولي نجد انتصارات المقاومة الأولى ونجد- كما في فنزويلا- ملامح لبدائل تبدأ في التشكل.
إلا أن الصورة ليست وردية تماما، ففي المكسيك وبيرو شهدت الشهور القليلة الماضية أيضا هزيمة لمرشحي اليسار. والحكومات اليسارية تتعرض لضغوط متزايدة من المؤسسات الدولية وأسواق المال والرأسماليين المحليين، بالإضافة للقطاعات الميسورة اقتصاديا من السكان. ولكن الضغوط الأخطر هي القادمة من قلب معسكر اليسار، فمازال هناك داخل هذا المعسكر من يسلم بحتمية الرأسمالية، أو من يعملون جاهدين لتهدئة مخاوف أسواق المال والمستثمرين الأجانب.