بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

في ذكرى غزو العراق: أكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل

يوافق التاسع عشر والعشرون من مارس الذكرى العاشرة لبداية الحرب على العراق، وقبل الحرب قال الاشتراكيون وغيرهم من المعارضين للامبريالية الأمريكية بأن الحرب تستند على الأكاذيب ولن تعود على العراق سوى بالموت والمجازر.

كانت هذه إحدى المرات التي يتمنى فيها المرء أن يكون مخطئًا، ولكن واقع تدمير العراق كان أسوأ بشكل كبير مما توقع معظم الناس، فبعد عشرة سنوات لم تبدأ العراق حتى في التعافي.

تعتمد كل الحروب على الأكاذيب؛ سواء كانت تلك الأكاذيب أن الجنود الألمان قد طعنوا الأطفال الرضع واغتصبوا الراهبات في بلجيكا، أو أن الجنود العراقيين قد أخرجوا الأطفال الكويتيين المولودين مبكرًا من الحاضنات. فلا توجد امبراطورية صادقة بشأن خططها للسيطرة على الدول الأخرى، وها هي الأكاذيب التي قاموا بترويجها منذ عشرة أعوام:

الكذبة الأولى: كان الأمر متعلقاً بالتحرير والديمقراطية

سمعنا قبل الحرب تقارير متتالية عن أهوال حكم صدام حسين للعراق، وكانت تلك الأهوال حقيقية؛ فحين كان صدام حليفًا للولايات المتحدة في الثمانينات استخدم أسلحة كيميائية لقمع انتفاضة الأكراد، مما نتج عنه مقتل ستة آلاف شخصًا بالأسلحة التي تم شرائها من حلفاءه في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن بينما كان نظام صدام وحشيًا لم تعقد الولايات المتحدة النية أبدًا لـ”تحرير العراق”.

كان أحد أهداف الولايات المتحدة تأمين سيطرتها على حقول البترول العراقية، وأحد أهدافها الأخرى إنشاء قواعد عسكرية قوية في العراق لفرض القوة في المنطقة، لم يكن أيًا من هذه الأهداف متماشيًا بأي شكلٍ من الأشكال مع عراقٍ ديمقراطية، حيث أن أي ديمقراطية حقيقية ستصر على استخدام ربح البترول لمساعدة السكان، كما ستصر أيضًا على احترام القوات الأجنبية لسيادتها.

تم فضح أكاذيب التحرير بعد أيام من بداية الاحتلال عندما تم إطلاق النيران على مظاهرة سلمية في الفلوجة من قبل القوات الأمريكية مما أسفر عن قتل ما يزيد على عشرة أشخاص، وكانت جريمتهم مطالبة القوات الأمريكية بمغادرة مدرسةٍ كانوا يستخدمونها كقاعدة مؤقتة لكي يستطيع الأطفال العودة إلى حياتهم الطبيعية.

وبعد عام واحد فقط أظهرت صورًا مروعة أن غرف التعذيب القديمة في “أبو غريب” لم يتم إغلاقها بل أصبحت فقط تحت إدراة جديدة، حيث تم تصوير الجنود الأمريكيين وهم يقومون بتنفيذ جرائم لا يمكن وصفها في حق السجناء العراقيين السياسيين الذين جرأوا على المطالبة بالحرية لبلادهم.

الكذبة الثانية: أسلحة الدمار الشامل

لا شك أن هذه كانت أكثر الأكاذيب خزيًا؛ كان صدام حسين طبقًا لجورج بوش يقوم بتشغيل معامل أسلحة كيميائية متنقلة قادرة على تطوير غازات مميتة لينشرها في الغرب إذا لم يتم منعه، وطبقًا للملف السري الذي كان يحب توني بلير الحديث عنه فإن العراق كانت قادرة على إطلاق أسلحة دمار شامل تجاه بريطانيا خلال خمسة وأربعين دقيقة فقط.

كان يتم ترديد هذا الهراء كل ليلة من قبل كل منافذ الإعلام الغربية، ولم يتم العثور على أي دليل يؤيد زعمهم على الإطلاق، وثبت لاحقًا أن ملف بلير خدعة، وربما تعد حقيقة عدم استخدام قوات صدام لأية أسلحة كيميائية للدفاع عن النظام دليلًا قهريًا على عدم امتلاك العراق لها في عام 2003. ويظهر هذا في تناقض حاد مع الاستخدام الواسع لليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض وأسلحة دمار شامل أخرى من قبل القوات الأمريكية المحتلة الغازية، ولا يزال اليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض الذين تم استخدامهم في عام 2004 يتسببون في الإصابة بأمراض السرطان والعيوب الخلقية حتى اليوم.

الكذبة الثالثة: العلاقة بين العراق والحادي عشر من سبتمبر

بمجرد أن بدأت حرب أفغانستان بدأت الصحافة تصنع تلك الروابط المريبة، ولم يظهر أي دليل أيضًا، وقبل أن يتم استهداف العراق بـ”الحرب على الإرهاب” لم يكن لتنظيم القاعدة أي تأثير في العراق على الإطلاق.

الكذبة الرابعة: قواتنا تتجنب قتل المدنيين

تم هدم تلك الأسطورة بفيديو “القتل المباشر” الذي تم تسريبه إلى موقع ويكيليكس، والذي يظهر جنودًا في مروحية حربية يقومون بإطلاق النار على الصحفيين وأي شخص حاول مساعدتهم، وقضى “برادلي مانينج” ثلاثة سنوات في السجن وخضع للتعذيب في حبسٍ انفرادي بسبب زعم تسريبه لهذا الدليل المتضارب مع الأكاذيب التي تم ترويجها عن الحرب.

ظهرت منذ عدة أعوام في مجلة “لانسيت” الطبية البريطانية المرموقة دراسة عن عدد الوفيات التي تسبب بها الاحتلال، باستخدام الأساليب الإحصائية ذاتها التي تم استخدامها لتقدير أعداد الوفيات في حالات إبادة جماعية أخرى (بما في ذلك الإبادة الجماعية في رواندا والحروب في الكونغو)، وخلُصت الدراسة إلى أن الاحتلال قد تسبب في أكثر من ستمائة ألف حالة وفاة، وبما أن عدد سكان العراق يتقارب من عدد سكان استراليا فإن هذا يماثل قتل كل الأشخاص في “كانبيرا” و”داروين” و”ونسيستون”.

نتجت العديد من حالات الوفاة بشكل مباشر عن قنابل ورصاصات قوات الاحتلال وتم اعتبار ضحاياهم مجرد “أضرار تبعية”، مات آخرون نتيجة المقاومة أو نتيجة الحرب الأهلية التي تسبب بها الاحتلال، ومات آخرون بسبب الاحتلال والفوضى الناتجة عنه والتي منعتهم من الحصول على العلاج الطبي والنظافة الأساسية. تم تأكيد أرقام الخسائر البشرية من شركة “اوبينيون” البريطانية للأبحاث والتي قدرت أنه في سبتمبر من عام 2007 كان قد تم قتل أكثر من 2,1مليون نسمة كنتيجة للحرب.

الكذبة الخامسة: معاداة الحرب خيانة لجنود الجيش

كانت أحد الأكاذيب الأكثر فعالية في جعل الناس تذعن للحرب هي فكرة أن معاداة الحرب بعد أن تبدأ يعد خيانة للجنود الاستراليين، خاصةً بعدما بدأ الجنود يموتون في الحرب، بدأت تلك الكذبة في الحقيقة في وقت حرب فييتنام حين روجت هوليوود لزعم أن قدامى المحاربين قد تعرضوا للإهانة من قبل التظاهرات المعادية للحرب، وهو زعم لم تجد الدراسات الأكاديمية لتلك الفترة دليلًا عليه في صحف تلك الحقبة، وكان أقرب ما عثروا عليه لهذا الأمر تقارير بأن المحاربين القدامى المعادين للحرب قد تعرضوا للإهانة من قبل مؤيدين للحرب.

لم يمُت الجنود في العراق من أجل الحرية أو الديمقراطية أو أي مثل أعلى آخر يستحق التأييد، بل تم التضحية بهم كبيادق الشطرنج من قبل آلة حرب وحشية، ومن المروع أن نجعل تعاطفنا معهم يوجههنا نحو دعم آلة الحرب الوحشية التي قتلتهم. يجب سحب القوات الباقية هناك على الفور والاعتذار منهم لاستخدامهم كبيادق ومنحهم كل الدعم الذي يحتاجونه لمساعدتهم على مواجهة أي أذى جسدي أو نفسي عانوا منه هناك.

الكذبة السادسة: علينا أن نبقى لنمنع الفوضى والحرب الأهلية

لم يكن في العراق قبل الحرب أية نزاعات عرقية بين جماعات السنة والشيعة أو المجتمع المسيحي الصغير، برغم أن النظام قد قام بتفضيل السنة والتمييز ضد الشيعة، وكان التزاوج فيما بينهم شائعًا وكانت ضواحي بغداد كلها موطنًا لمزيج من السنة والشيعة.

عندما ازدادت مقاومة الاحتلال في عام 2004 كان الاتحاد بين السنة والشيعة أحد أسباب قوتها الرئيسية، وحاولت قوات الاحتلال منذ البداية كسر هذا الاتحاد، تم استخدام قوات سنّية لمهاجمة مقاتلي المقاومة الشيعة والاحتجاجات الشيعية، وتم إرسال الشيعة المتعاونين مع الاحتلال لمهاجمة السنة. حفّز حصار الفلوجة في نوفمبر 2004 قيام مسيرة ضخمة موحدة للسنة والشيعة وسارت حوالي مائة كيلومترًا من بغداد للتضامن مع الذين يتعرضون للهجوم.

اتخذت قوات الاحتلال اجراءات لكسر تلك الوحدة التي وُوجهت بها، ففي عام 2005 قامت محطة سي إن إن والصحافة الصينية بتوثيق واقعة غير معروفة قامت فيها القوات الخاصة البريطانية بالتنكر في زي متمردين سنيين تم أسرهم على يد الشرطة العراقية، تم وصفهم بكونهم يرتدون ملابس عربية في سيارة مدنية معبأة بالمتفجرات، عندما تم اعتقالهم خارج مسجد شيعي.

قام الجيش البريطاني بالفعل بإطلاق هجمة عسكرية على السجن الذي كان هؤلاء الإرهابيين بداخله، وهرب خلال هذه الهجمة الرجلان التابعان لهم مع العشرات من السجناء الآخرين، وقعت تلك الحادثة قبل أسابيع فقط من قصف مسجد القبة الذهبية في سامراء في فبراير 2006، وكانت هذه الحادثة الأمر المحفز للحرب الأهلية بين السنة والشيعة؛ وهي الحرب التي مزقت العراق منذ ذلك الحين. وبينما لم يظهر دليلًا عاى أن هذا التفجير كان من فعل قوات الاحتلال، إلا أنه يلائم استراتيجية “فرّق تسد” التي كانوا ينتهجونها في هذا الوقت.

منذ أن بدأت قوات الاحتلال الحرب الأهلية كانت العواقب وخيمة، فبينما قام المحتلون بتنفيذ الهجمات الأولية إلا أن الجحيم الذي أطلقوا له العنان قد صنع حياة خاصة به، حيث أصبح الناس يسعون للانتقام ويسعى ضحايا حوادث الانتقام إلى المزيد من الثأر.

لقد خضعت كل ضاحية من ضواحي بغداد للتطهير العرقي وأصبحت ذات طائفة واحدة، تم قتل العديد من الأطباء (على يد السنة بسبب مساعدتهم للشيعة أو العكس) حتى أصبح النظام الصحي العراقي – الذي كان الأفضل في الشرق الأوسط قبل عام 1992 – لا يستطيع التعامل حتى مع الأمراض العادية، ولا مع الجروح الناتجة عن الرصاصات والقنابل.

إن فكرة أن قوات الاحتلال التي تسببت عن عمد في أن تسود تلك المجزرة في البلاد قد تقوم بإصلاح الأمر هي فكرة حقيرة بقدر ما هي ساذجة.

كانت تلك الحرب حربًا إرهابية قائمة على الأكاذيب، يجب أن يتم محاكمة الأفراد الذين قادوا تلك الحرب، بل ويجب الإطاحة بالنظام الرأسمالي الذي يقودنا إلى الحرب تلو الأخرى.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية في 18 مارس 2013 بموقع منظمة البديل الاشتراكي الأسترالية