في المغرب : 2014.. عام جديد من التقشف

في منتصف شهر أكتوبر الماضي، صادق مجلس الحكومة المغربية المنعقد برئاسة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران على مشروع قانون المالية لعام 2014 والذي من المنتظر حذو الحكومة حذوه بعد أيام قليلة إثر الموافقة الفعلية لمجلس النواب.
ووفقا لما تم الإعلان عنه في اجتماع المجلس قبيل المصادقة على مشروع القانون، فإنه من المقرر أن يتم اتخاذ العديد من الإجراءات النوعية في إطار تنفيذ المشروع على عدة مستويات منها: الإصلاحات الهيكلية والإصلاح الضريبي، وإعادة التوازن للمالية العمومية نظرا لما تشهده من عجز وهو ما يشمل الترشيد الحكومي للنفقات، ودعم الاستثمارات وتطوير آليات التشغيل، وأخيرا تدعيم آليات التماسك الاجتماعي أو التغطية الصحية وجودة التعليم ومحاربة الفقر.
وبحسب وزير الاقتصاد والمالية فإنه من المتوقع أن تحقق المغرب معدل نمو العام المقبل بما يقارب 4.2 % في مشروع وصفه أنه: “محطة أساسية في تفعيل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، وهو بالمناسبة ما يعادل ضعف النمو للعام الحالي.
لكن وفي ظل تفاقم الأزمات الاجتماعية وظهورها بوضوح على السطح المغربي هذا العام وفي بلد لم ينفصل أبدا عن الانتفاضات الشعبية بالمنطقة المحيطة، فإن التعاطي مع مشروع الحكومة للموازنة المالية عن العام المقبل يضع تحديا واضحا أمام السلطات وخاصة مع تصاعد الحراك الاجتماعي هو الآخر على عدة مستويات. فهل الصورة النهائية لمشروع القانون قادرة على تلبية مطالب الشعب؟
في العام الحالي ارتفع معدل التضخم لما يقارب 2% طال ارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية عامة والغذائية خاصة، حيث ارتفعت أسعار الفاكهة 10% وكذلك ارتفعت تكاليف التعليم بما يزيد عن 6 %، وزيادة بأسعار الطاقة بعد زيادتها العام الماضي بمقدار 27% بل وضمن سلسلة وصفتها الحكومة ب”الإصلاحات”!. كما وافقت الحكومة على إثر ذلك بتحرير أسعار كثير من السلع الأساسية وتعديل معاشات التقاعد والضرائب.
وفي مشروع الموزانة للعام الجديد سنجد استخدام نفس الألفاظ حول “الإصلاحات الهيكلية” التي تثير مزيد من الشكوك حول مآلها لنفس طريق إصلاحات العام الماضي، وهو بالمناسبة ذلك المصطلح الذي استخدمه صندوق النقد الدولي، منتصف العام الحالي، في تقرير إحدى لجانه حول تقييم الاقتصاد المغربي وقدرته على تسديد قروض المنحة المالية المقدرة ب 6 ميار دولار عن العام الماضي. وسنجد أن “الإصلاحات الهيكلية” لم تنفصل أبدا عن شروط صندوق النقد بتخفيض العجز في الميزانية عبر التخفيض في الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة في ظل تفاقم العجز بشكل واضح خلال العامين الماضيين.
ووفقا لسليم نعمان، الكاتب بموقع المناضل – ة، فإن “تعديلات المعارضين لم تغير من الجوهر الإجمالي للمشروع شيئا.. لقد تمت برمجة زيادة في الضريبة على القيمة المضافة (الضريبة الاستهلاكية) وتوسيع نطاقها، ومواصلة خفض الضريبة على الشركات، وتحاشي فرض الضريبة على الثروة والرأسمال، ليستفيد رجال الأعمال والأغنياء كثيرا مما تسميه الحكومة إصلاحا”. وهي ذلك المضمون التقشفي الذي يؤدي إلى إفقار واسع وغلاء أسعار مطرد مع تزايد الإخلال بالعجز المالي.
ولتوضيح واقعية الصورة، فإن قانون الموازنة الجديد يضع في المقام الأول تقليص عجز الموازنة خلال 2014 إلى 4.9 % بتقليل الدعم لصندوق “المقاصة”، وهو صندوق دعم المواد الاستهلاكية الأساسية، في نفس الوقت الذي يسعى فيه إلى زيادة الضرائب على المواطنين وفتح الأسواق لنهب رجال الأعمال وبتسيهلات ضريبية على أرباحهم كان من الممكن استخدامها لسد عجز الموازنة. وفي المقام الثاني فقد رصد المشروع حوالي نصف الموازنة لمشاريع استثمارية تستهدف إنعاش الاستثمار بالشراكة مع القطاع الخاص التي تعمل لصالح الحيتان من الرأسماليين دون ضمان حل للمشاكل الاجتماعية المتصاعدة وفي ظل عجز القطاع الخاص الساعي وراء الربح في تلبية متطلبات الشعب.
مشكلة البطالة مثلا التي تفاقمت العام الحالي لتصل إلى 10% لا تعكس فقط عدم قدرة الدولة على توفير فرص عمل، لكن عجزها أيضا على تنفيذ سياسة واضحة لحل تلك المشكلة على المدى القريب وارتهانها إلى تشابكات القطاع الخاص الذي استفحل بالخصخصة وتوابعها من منافسة عشوائية واقتراض من البنوك ثم الضغط على العمال أكثر وتشريدهم، ليصبح ما يقارب من 27% هي نسبة الوظائف المفقودة إلى فرص الوظائف المستحدثة للعام الحالي.
ووفقا للاعتبارين السابقين فإن المشورع المالي الجديد تم في إطار توصية البنك الدولي، على إثر قرض مالي تلقته الحكومة المغربية العام الماضي، بضغوط من أجل حذف الاستثمارات العمومية وهو ما يعني تقليل إنفاق الدولة على المرافق والخدمات بكافة أنواعها الصحية والتعليمية، مما يعكس كذب الإدعاءات الحكومية حول تدعيم آليات التماسك الاجتماعي في ظل التمسك بسياسات تخدم مصالح الأقلية ضد المصالح الشعبية العريضة.