فظائع الهجمات الأمريكية في أفغانستان
* تم نشر المقال لأول مرة في 15 مارس 2012 بجريدة العامل الاشتراكي الإلكترونية الأمريكية، تصدرها منظمة الاشتراكيين الأمميين بالولايات المتحدة.
عندما ذُبح 16 أفغاني مدني، في منتصف ليل 10 مارس الجاري، بواسطة جندي أمريكي، كان ذلك دليلاً على وحشية الحرب على أفغانستان والتي استمرت أكثر من 10 سنوات إلى الآن. هذا الكابوس الأخير أظهر للأفغان مدى بربرية آلة الحرب الأمريكية سواء من الأفعال الفردية كجندي مسلح بأحدث الأسلحة، أو من خلال تكتيكات البنتاجون مثل القصف بصواريخ من طائرات بلا طيار، إلخ.
وكعادته، عبّر باراك أوباما عن أسفه الشديد عما بدر من العسكرية الأمريكية قائلاً: "إن الولايات المتحدة تأخذ هذا الفعل على محمل الجد كما لو كان مواطنيها وأطفالها هم من قُتلوا.. إن هذا الفعل لا يعبر أبداً عن الولايات المتحدة ولا عن العسكرية الأمريكية". ولكن بعد حرب دامت لأكثر من عقد من الزمان فإذا كان المواطنين الأفغان قد تعلموا شيئاً من هذه الحرب فسيكون أن هذا هو أسلوب العسكرية الأمريكية وآلة الحرب.
أما المزاعم التي تقول أن الحرب على الأفغان كانت بغرض تحرريهم من الاستبداد السياسي وتحرير النساء وإعادة بناء الدولة، فقد أثبتت خلوها من أي منطق وأي واقع منذ زمن طويل. وها هي المذبحة الأخيرة جاءت لتؤكد ذلك؛ فهي تثبت أن الحرب لم تكن إلا وبالاً وخراباً على المواطن الأفغاني الذي لم يلق أي مساعدة لأن الحرب لم تكن في صالحه منذ البداية. كان الغرض من الحرب هو خدمة أمن الولايات المتحدة وخدمة مصالحها الاستعمارية في المنطقة. أما الطريقة الوحيدة لإنهاء مسلسل القتل الذي ترتكبه الإمبريالية في جنوب أفغانستان، هو إنهاء الاحتلال الأمريكي نفسه.
————–
وطبقا للتقارير، فقد كشف مصدر، رفض ذكر اسمه، في ليلة 11 من مارس أن الرقيب "بيلامي" قد غادر المعسكر الذي يبعد 20 ميلا عن مدينة قندهار. سار الجندي بيلامي نحو الجنوب إلى بلدة "بالاندي" حيث دخل أحد المنازل وبدأ الجيران يسمعون دوي طلقات نارية وانفجارات، وكان الجندي وقتها قد قتل النساء والأطفال وطعنهم قبل أن يشعل النار في جثثهم. ذكرت التقارير أيضاً أن الجندي عدل طريقه وسار شمالاً إلى بلدة أخرى حيث كرر فعلته وهاجم منزلين آخرين. وفي النهاية عاد إلى القاعدة ليسلم نفسه.
المحصلة أن ستة عشر مدنياً أعزل تم قتلهم علماً بأن تسعة منهم كانوا أطفالا، كما أصيب عدد آخر من المدنيين بجروح. وكعادتها تسائلت وسائل الإعلام العالمية في لهجات تملؤها الدهشة عن كيفية حدوث مثل هذه الجريمة المروعة من قبل جندي أمريكي، كما ادعت أن الجندي مضطرب عقلياً. وعلى الرغم من ذلك إلا أن التفاصيل كانت مثيرة حول ذلك الجندي، حيث أنه محارب منذ 11 عام وقد قام بثلاث جولات في العراق قبل جولته الحالية في أفغانستان. وبالإضافة إلى ذلك، أشار أحد التقارير إلى احتمالية معاناة الجندي من إصابة عقلية كان قد تعرض لها في جولته الأخيرة في العراق.
تحدث أحد أقارب الضحايا لوكالة MSNBC قائلاً: "لا يوجد أي من عناصر من طالبان هنا.. لم يكن هناك أي معارك تدور في الجوار.. لا نعلم لماذا فعل هذا الجندي فعلته.. إما أنه كان مخمورا أو أنه يستمتع بقتل المدنيين الأبرياء". وبغض النظر عما دفع الجندي لفعل هذا فقد تعاملت وسائل الإعلام مع الحدث على أنه حدث استثنائي لا يعبر عن وحشية العسكرية الأمريكية، والتي رأينا أنها صارت أحد معالم الحرب على العراق وأفغانستان.
فعلى سبيل المثال، شارك 12 جندي أمريكي في عام 2009 في قتل ثلاث مدنيين أفغان، أربعة فقط من الـ 12 جندي تمت إدانتهم بالفعل في محاكمة عسكرية، والرتبة الأعلى فيهم كان الرقيب ووصف كالفين جيبس الذي قطع أصابع من الجثث واحتفظ بهم.
هذه هي حقيقة الحرب في أفغانستان: انعدام آدمية الأفغان في عيون محرريهم المزعومين. في أوائل عام 2010، قدم الجنرال ستانلي ماكريستال، الجنرال السابق والمسئول عن العمليات العسكرية الأفغانية، تقييما صريحا على نحو غير معهود من الاحتلال:
"لقد أطلقنا النار علي عدد كبير من الناس وقتلنا منهم الكثيرين، وعلى حد علمي، لم يُثبت أي تهديد حقيقي يستدعي ذلك".
—————-
الواقعة المروعة الأخيرة تأتي في أعقاب غيرها من الحوادث التي يتعرض لها الأفغان علي يد العنصرية والوحشية من جانب الجنود الأمريكيين. ففي الشهر الماضي، أدى حرق المصاحف من قبل عدد من أفراد الجيش الأميركي إلى اندلاع احتجاجات غاضبة في أفغانستان، مما أدى إلى زيادة في الوفيات بين جنود الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وفي يناير الماضي، تم إطلاق شريط فيديو يُظهر جنوداً من مشاة البحرية الأمريكية أثناء تبولهم على جثث العديد من الأفغان.
بل لقد وصلت كراهية القوات المحتلة لمرحلة جديدة أكثر وقاحة؛ فبعد الاستماع إلى وزير الدفاع، ليون بانيتا، سنجد أنه يصور الولايات المتحدة في موقف الضحية. وكما صرح بنفسه فـ"لقد مررنا بأحداث عصيبة خلال الأسابيع الماضية في أفغانستان.. ويبدو أنه يتم اختبارنا كل يوم تقريبا ولكن الحقيقة هي أن الأفغان هم من يتم اختبارهم كل يوم تقريبا على مدار العشر سنوات الفائتة عن طريق التفجيرات ووحشية العسكرية الأمريكية". ناهيك عن فساد حكومة قد وضعها المحتل بنفسه.
يوجد حالياً 91,000 جندي في أفغانستان، وتحاول إدارة أوباما تقليص العدد إلى 68,000 بنهاية العام الحالي في محاولة لإنهاء الاحتلال بحلول عام 2014. ولكن حتى مع انتهاء الحرب، ستظل قيادات الولايات المتحدة في أفغانستان لسنوات مقبلة كنقطة تمركز استعمارية هامة. ولا عجب إذاً عندما أدان أوباما المذبحة بينما حذر في الوقت نفسه من الخروج السريع للولايات المتحدة من أفغانستان، قائلا: "هذا المنطق يقلب الحقيقة رأسا على عقب.. منذ البداية قبل 10 سنوات، وقد تحدث قادة الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء حول أفغانستان بأنها حرب جيدة وأن هدفها هو تحرير الشعب الأفغاني من وحشية طالبان". بدلا من ذلك، شنت الولايات المتحدة نفسها أكثر من هجوم وحشي تم فيهم ذبح المدنيين الأفغان وارتكاب انتهاكات بالغة ضد حقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، فإن حكومة الرئيس الأفغاني حميد قرضاي مثبتة في السلطة من قبل الولايات المتحدة، ويترأس قرضاي نظاما فاسدا تماما حيث التعدي بشكل صريح على حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك معاملة النساء.
إن نفاق أوباما وإدارته ليس عليه غبار، وربما يدين الرئيس الحائزعلى جائزة نوبل للسلام المجزرة الأخيرة، لكنه يعتقد على ما يبدو أن إسقاط القنابل على المدنيين العزل بواسطة طائرات بدون طيار -وهي ممارسة معتادة للجيش الأميركي- هو أفضل على نحو ما من إطلاق النار عليهم.