قطاع غزة تحت النار
“غيوم الخريف” ترفع صوت المقاومة
تسير عملية غيوم الخريف التي نفذتها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة عموما وفي بيت حانون شمال غزة خصوصا على خطوط شبيهة بما حدث في الحرب الإسرائيلية على لبنان في العديد من الجوانب. بدايةً، فإن الهدف المعلن للعملية، التي استمرت ما يزيد على ستة أيام ومازالت حتى كتابة هذه السطور، (الإسرائيليون أكدوا أنها ستستمر طالما هناك حاجة لذلك!)، وخلفت أكثر من ثمانين قتيلا، هو إيقاف صواريخ القسام الفلسطينية التي تطلق على المستوطنات.
وبالضبط كما كان هدف القضاء على قاعدة صواريخ حزب الله في جنوب لبنان هو الهدف المعلن في تناقض مع نوعية العملية العسكرية وحجمها من قبل، فإن غيوم الخريف، وهي الأكبر من حيث عدد القوات وعدد القتلى وما إلى ذلك، لا تبدو قادرة ولا متناسقة مع هدف إيقاف صواريخ القسام. حيث يجمع العسكريون على أن التكنولوجيا البسيطة لصناعة الصواريخ الفلسطينية تجعل من استخدام القصف أو حتى المهاجمة من بيت لبيت أسلوبا غير فعال في وقفها. بل إن خبراء إسرائيليين –في توازي مع موقف شبيه في الحالة اللبنانية- يؤكدون أنه لا حل لمشكلة الصواريخ الفلسطينية دون حل سياسي.
أيضا كما واجهت القوات الإسرائيلية مقاومة شرسة من مقاتلي حزب الله في الجنوب اللبناني، فإن عمليتهم لم تمر دون مقاومة من المقاتلين الفلسطينيين, وهو الأمر الذي صعب كثيرا من المهمة. وبالطبع يمكن المشابهة أيضا بين حجم التدمير والوحشية التي عمل بهما الجيش الإسرائيلي في العمليتين، إلا أن أهم أوجه الشبه بين لبنان وغيوم الخريف هو العواقب والنتائج السياسية للعمليتين.
في الحالة اللبنانية ورغم الاستعراض الفاشي للقوة الذي قامت به إسرائيل، خرج حزب الله منتصرا من الناحية السياسية قبل العسكرية. روشتة المقاومة أثبتت نجاحا دعم مواقع من دافعوا عنها وأضعف مواقع من قللوا من شأنها سواء من الساسة اللبنانيين أو حتى العرب. في حالة غيوم الخريف، العملية العسكرية جاءت في وقت مازالت فيه بقايا الدماء الفلسطينية بأيدي فلسطينية على الأرض، في وقت يزداد فيه الضغط على حماس وحكومتها وعلى فريق المقاومة من ورائها. وهو ضغط يلعب فيه جناح عباس في فتح دورا هائلا. لكن غيوم الخريف أعطت الفرصة لحماس كصوت للمقاومة أساسا لتعلي صوتها على صوت عباس وأمثاله. وتلقفت حماس الفرصة لكي ترمي الكرة في ملعبها –ملعب المقاومة- بإعلان مشعل ضرورة العودة للرد في العمق الإسرائيلي وبعمل موحد من كافة الفصائل. في هذا الإطار تقلصت مساحة الحركة أمام عباس الذي يلقي بلائمة المجاعة والفوضى على حماس وحكومتها قبل أن يلقيها على إسرائيل. ففي وضع كهذا هل هناك مجال للدفع بأن المشكلة كل المشكلة هي عدم الاعتراف بإسرائيل؟!
الشيء الأخير الذي يمكن أن تتشابه فيه عواقب غيوم الخريف مع حرب لبنان هو الداخل الإسرائيلي. فالعملية أثارت تقززا دوليا –مرة أخرى- بعد صور الضحايا من الأطفال والنساء. وفي المقابل لن تتوقف الصواريخ بل قد تنتهي الهدنة التي أوقفت العمليات داخل إسرائيل. أما الأزمة السياسية في إسرائيل فقد تتعمق مع انضمام الصهيوني المتطرف ليبرمان للحكومة..إذ ما البديل الآن؟ حزبا العمل وكاديما متورطان حتى النخاع في الفشل، بينما بقايا الليكود لا تستطيع حاليا أن تكون مركزاً لبديل لا برامجيا ولا على الأرض. كما أن النقد لسياسة التعامل مع المقاومة يعلو مرة أخرى ليرفع الأزمة السياسية في إسرائيل لذرى جديدة.