هجمات إسرائيل الإرهابية على غزة

بلغت حصيلة ضحايا القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي يوم الخميس (7 أبريل) على قطاع غزة إلى 5 شهداء وما يزيد عن 40 مصاب. هذا وقد كان إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي، قد أصدر تعليماته إلى قيادة الجيش بالرد بسرعة على إصابة حافلة الركاب يوم الخميس أثناء سيرها في منطقة شاعر هينغف، بالنقب الغربي الموازي لقطاع غزة بقذيفة أطلقها فلسطينيون من القطاع مما أسفر عن إصابة تلميذ وسائق الحافلة. مأزق إسرائيل والهروب إلى الأمام للوهلة الأولى، تبدو هذه الهجمات الشرسة وكأنها مجرد رد فعل انتقامي من جانب إسرائيل على العملية الفلسطينية السابق ذكرها. لكن الأمر لا يتعلق بالرد على هذه العملية فحسب، ففي الأول من أبريل الجاري، كان ثلاثة من أعضاء حماس قد لقوا حتفهم جراء ضربة جوية إسرائيلية استهدفت السيارة التي كانوا يستقلونها قرب خان يونس، وجاء هذا الحادث بعد أقل من 10 أيام على الغارات الجوية الإسرائيلية على شرق مدينة غزة مما أسفر عن استشهاد أربعة من حركة الجهاد الإسلامي. تبدو إسرائيل في الحقيقة وكأنها تجد في الحرب على غزة وسيلة للهروب من أزمة عميقة تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. فمن ناحية أولى، تثير الموجة الثورية التي تجتاح المنطقة العربية مخاوف عديدة لدى المؤسسة السياسية الإسرائيلية؛ فحصار غزة لم يكن ممكناً دون تعاون الديكتاتور مبارك الذي أسقطته الثورة في مصر، كما أن الثورة التي تهز اليوم النظام في سوريا تحمل قدراً كبيراً من الشكوك حول النظام الذي سيصل إلى الحكم. ومن ناحية أخرى، تواجه إسرائيل اليوم ضغوطاً متزايدة على المستوى الدولي؛ فالحملات الدولية ضد الكيان الصهيونية أصبحت اليوم تشهد انتعاشاً لم يكن مسبوقاً من قبل. فهناك اليوم المزيد من النشطاء والطلاب والمثقفين والفنانين عبر العالم يطلقون الحملات للضغط من أجل مقاطعة إسرائيل اقتصادياً (من خلال مقاطعة البضائع وسحب الاستثمارات) وثقافياً (من خلال قطع العلاقات المؤسسات الأكاديمية والثقافية الإسرائيلية). وهناك أيضاً الأسطول الدولي الذي يتكون من 20 سفينة تحمل المئات من النشطاء من 24 بلداً والتي تستعد للإبحار في أواخر مايو المقبل في محاولة لكسر الحصار عن غزة، وسيكون توقيت الإبحار متزامناً مع الهجوم التي قد شنته قوات الكوماندوز الإسرائيلية على “قافلة الحرية” في العام الماضي عندما كانت متجهة إلى غزة. أما على الصعيد الفلسطيني، فقد شهدت الأراضي الفلسطينية احتجاجات ضخمة في 15 مارس السابق، حيث تدفق الشباب الفلسطيني للمطالبة بوحدة وطنية بين حماس وفتح في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. وما يزيد من قلق المؤسسة السياسية الإسرائيلية هو ما صرح به محمود عباس نفسه في نهاية مارس، بأنه “مستعد للتخلي عن 470 مليون دولار من المساعدات المالية السنوية التي يتلقاها من الولايات المتحدة، في سبيل الوحدة مع حماس”. إذن فمأزق إسرائيل اليوم ليس هيناً، والتخوفات السائدة لدى المسئولين الإسرائيليين من العزلة في المستقبل القريب نتيجة أنظمة جديدة محتملة غير مضمون ولائها لهم في المنطقة العربية وحملات دولية لا تهدأ في مواجهة الكيان الصهيوني وضغط شعبي فلسطيني من أجل الوحدة بين حماس وفتح، تلك التخوفات ليست وهماً بل أمراً واقعاً يهدد سيطرة الكيان الصهيوني ونفوذه. وبالتالي فإن إسرائيل تبدو اليوم مدفوعة بتلك المخاوف تحاول الهروب منها إلى الأمام من خلال شن حملتها الإرهابية على قطاع غزة. المجلس العسكري يغض البصر !! أما على الجانب المصري، فبالرغم من سقوط الديكتاتور المصري حسني مبارك، والذي كان شريكاً أساسياً في حصار غزة وتجويع أهلها تنفيذاً للمخطط الصهيوني/الأمريكي، إلا أن العلاقات المصرية/ الإسرائيلية لا تزال كما كانت دون مساس. فصحيح أن معبر رفح مفتوح “جزئياً” لأعداد قليلة من المسافرين لكنه لا يسمح بمرور السلع والغذاء والدواء، كما يضطر بعض الفلسطينيين للعودة كل يوم إلى غزة. وعلاوة على ذلك فإن القرار الذي اتخذته الحكومة السابقة بعدم السماح لأهل غزة بالدخول إلى مصر عبر مطار القاهرة لا يزال سارياً. يبدو أن المجلس العسكري وحكوماته المتعاقبة (شفيق وشرف)، كما أنهم لا يرغبون في محاكمة الفاسدين من أبناء مبارك أو إجراء المزيد من الإصلاحات السياسية، فهم لا يرغبون أيضاً في تغيير مسار العلاقة مع الكيان الصهيوني أو حتى المساس بها. وفور تولي المجلس العسكري مهام الرئاسة بعد سقوط مبارك، أعلن المجلس أن مصر ستواصل احترام ومراعاة معاهدة السلام مع إسرائيل. وهذا ما جاء وفقاً لتقرير أعده موقع عنيان مركازي الإخباري الإسرائيلي، في فبراير السابق، حيث أن “الجيش المصري لا ينوي تغيير الوضع الراهن بين تل أبيب والقاهرة. بل على العكس، فمن الممكن أن يتزايد التعاون بين الجانبين طالما ظل باراك وزيراً للدفاع”. وجدير بالذكر أن مصادر أمنية في سيناء قد أفادت الخميس الماضي (7 أبريل)، بسقوط قذيفتين إسرائيليتين داخل الأراضي المصرية في الهجوم الأخير لطائرات الـF16 على قطاع غزة، مما أدى إلى تعرض بعض المنازل الموجودة في رفح المصرية للتهدمات، إلا أن المجلس العسكري لم يحرك ساكناً حتى كتابة هذا المقال. وبالرغم من أن قادة الجيش يتغنون في وسائل الإعلام بالجهود العظيمة طوال العقود السابقة في الدفاع عن الوطن وحماية حدوده، إلا أن صمت المجلس العسكري – متوازياً مع تصريحاته المتتالية حول التمسك باتفاقية كامب ديفيد وتصدير الغاز- قد أسقط ورقة التوت الأخيرة تلك لتنكشف عوراته أمام كل من يتمسك اليوم بقليل من الثقة فيه. وفي الفترة المقبلة ستنكشف مواقف قادة الجيش سريعاً في حال استمرار إسرائيل في حربها على غزة. وفي كل الأحوال فإن المجلس العسكري ليس مهتماً الآن بفتح معبر رفح أو مساندة الفلسطينيين الفارين من الاعتداءات الإرهابية الإسرائيلية، بل أن ما يشغل قادة الجيش هو تقليص مكتسبات الثورة من خلال سن القوانين المعادية لها وقمع الموجة العارمة من الاحتجاجات العمالية والاجتماعية التي تستكملها.. وليس خافياً على أحد أن الطريق لمساندة الفلسطينيين اليوم تتحدد ملامحه على ما ستؤول إليه الثورة المصرية وعلى قدرتها على الاستمرار، لكن يبدو أن المجلس العسكري سيقف دائماً عقبة في هذا الطريق.