بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

هل ستشن الولايات المتحدة اﻷمريكية الحرب على إيران؟

 

* تم نشر المقال لأول مرة في 7 مارس 2011 بجريدة العامل الاشتراكي الإلكترونية الأمريكية، تصدرها منظمة الاشتراكيين الأمميين بالولايات المتحدة

 

 

 سواء تصاعدت التهديدات بالحرب التى يقوم بها المسئولون الإسرائيليون واﻷمريكيون لتصل إلى حرب أم لا، فإن الدولتين قامتا بالفعل بأعمال حربية ضد ايران. يتفق الخبراء العسكريون والمخابراتيون فى الولايات المتحدة وأوروبا وحتى فى إسرائيل على أن الحكومة الإيرانية لا تمتلك أسلحة نووية. وأنه ليس لديها برنامج لتصنيع أسلحة نووية كما أنها لم تتخذ حتى قرار بخصوص البدء فى برنامج من هذا النوع فى المستقبل. إلا أن القادة فى الحكومات اﻷمريكية والإسرائيلية يضغطون لتوقيع عقوبات شديدة القسوة ويهددون بالحرب على إيران بسبب … برنامجها للأسلحة النووية.  وقد تكون الاختلاقات غير الواقعية والنفاق مدعاة للضحك إذا لم يكن خطر حرب مدمرة فى الشرق اﻷوسط ماثلا وشديد الخطورة. وكما يكتب الناشط المعادى للحرب فيليس بينيس: قد يكون من المغرى التفكير بأن هذه المرة ستكون كسابقاتها من المرات التى ُنفذت فيها أعمال حرب ضد إيران. إلا أن هذه المرة يوجد مخاطر جديدة كبيرة. الربيع العربى، وضع إسرائيل، التغير فى توازنات القوى الاقليمية والعالمية وكذلك الحملات الانتخابية المحلية. كل ما سبق يمثل خطرا أكبر لهذه الحملة الهيستيرية على إيران أكثر مما كان الأمر من 5 أو 6 سنوات مضت.  يمكنك أن تفتح أية قناة أرضية أو فضائية على البرامج الإخبارية لترى عينة من تلك الهستيريا. فالصحافيون والمعلقون يتحدثون كأن أسلحة إيران النووية تمثل خطرا وشيكا. إلا أنه منذ عام 2007، فإن كل تقرير من هيئة الطاقة الدولية وكذلك تقارير المخابرات التى تجمعها وكالات الجاسوسية الأمريكية تؤكد أن إيران قد تخلت عن برنامجها فى 2003، فى وقت كان لا يزال أمامها عدة سنوات لبناء سلاح نووى. وأنها لم تقم بأى فعل تجاه إعادة البرنامج منذ هذا العقد هذا ويعد أداء ايران على النقيض الصارخ لإسرائيل وهى الدولة الوحيدة فى الشرق الوسط التى لديها بالفعل سلاح نووى. إلا أنك لن تسمع تلويحا بالرعب الجامح بخصوص ذلك فى الإعلام الرسمى. فالصقور فى اسرائيل والولايات المتحدة يريدون شن الحرب. وعلى الجانب الآخر، فإن الموقف "المعتدل الذى يمثله الرئيس باراك أوباما يرى أن توجيه ضربة جوية قد يكون سابقا على أوانه، إلا أنه يرى أنه من المناسب تماما تطبيق مجموعة من العقوبات الدولية الأكثر ضررا منذ تلك التى تم استخدامها ضد العراق، بعد حرب الخليج اﻷولى، بكلفة وصلت إلى موت أكثر من نصف مليون طفل عراقى تحت سن الخامسة. وحيث أنه لا يوجد دليل قاطع على أن إيران تقوم ببناء أسلحة نووية، أو أنها تخطط لذلك، فان الواقع الكريه هو أن الولايات المتحدة وحلفائها يقومون بتطبيق عقوبات جماعية على الشعب الايرانى لأن الحكومة ترفض إيقاف برنامج نووى مدنى. وقد يحذر أوباما من "التلويح" بخصوص الحرب إلا أن الولايات المتحدة اﻷمريكية، كما يشير المعلق جوان كول، فى حالة "عقوبات كاملة، حرب ناعمة".   المواجهة الجديدة للغرب مع إيران يقودها اتجاه التصعيد للقيادات السياسية التى تتصارع لتبدو "قوية" فى مواجهة التهديد النووى المفترض من جانب إيران وكذلك يقودها صراع القوى المتغير فى منطقة ضعف فيها التأثير الامبريالي الأمريكي من خلال التراجع العسكري و كذلك اتساع الربيع العربى خلال العام الماضى. لا يجب على أحد التقليل من إمكانية أن تؤدى تلك المواجهة الى مواجهة عسكرية مباشرة بما تحمله من نتائج شديدة الوطأة للشعب الايرانى وللمنطقة وللعالم كله. وقد تزامن الخطاب المتصاعد ضد إيران مع زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع، وهو الرمز السياسى الدولى اﻷكثر ارتباطا بالحملة الداعية للحرب مع إيران. ووفقا لبعض التغطيات الاعلامية، فإن قطاعات من المؤسسة العسكرية والسياسية الاسرائيلية قلقة من تبعات توجيه ضربة جوية الى ايران. الا أن نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك متحمسون. فقد إدعى رئيس الموساد السابق مائير داجان بأنه وآخرون من كبار المسئولين وقفوا فى طريق محاولة نتنياهو وباراك إصدار أوامر بتوجيه ضربات جوية فى 2010. وقد قامت إسرائيل بالضغط على الولايات المتحدة لعدة سنوات بخصوص إيران، منافستها الرئيسية فى المنطقة. إلا أن التسارع الحالى يرجع أيضا الى الظروف المتغيرة فى الشرق الأوسط. فقد أدى انسحاب الولايات المتحدة من العراق العام الماضى الى ترك الحكومة العراقية فى أيدي أحزاب موالية لإيران. بالإضافة إلى أن الثورة المصرية نجحت فى الانقلاب على أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل ضمن الأنظمة العربية. هذا ولا يعتبر الشيعة المحافظون الذين يتحكمون فى الحكومة الايرانية أصدقاء للثورات العربية. هم يقومون بقمع الحركات المطالبة بالديموقراطية داخل إيران، كما أن أقرب حليف لهم فى المنطقة هو نظام بشار اﻷسد السورى الذى يقود حرب أهلية لقمع انتفاضة شعبية. إلا أن رحيل مبارك واضطرار الولايات المتحدة الى الرحيل من العراق يجعل إيران فى وضع أقوى اليوم.  إذا أراد نتنياهو وباراك المناورة لجعل الولايات المتحدة اﻷمريكية تدعم الضربات الاستباقية العسكرية ضد ايران فلديه شركاء أمريكيون من الحزب الجمهورى لديهم الرغبة، وخاصة ضمن الرجعيين الذين تقدموا للترشيح لانتخابات الرئاسة.  هؤلاء المتعصبون سيقولون أى شئ، حتى لو كان مشوها أو عنصريا لتلطيخ باراك أوباما. وهكذا صرح نيوت جينجريتش أن الحكومة الإيرانية "تستخف بعقولنا". وهذى ميت رومنيى ردا على سؤال طفل فى الحادية عشر قائلا : " إذا تم إعادة انتخاب باراك أوباما، فإن إيران ستحصل على سلاح نووى". إلا أن التهديدات بالحرب قد تخطت حدود الأحزاب حيث أن لا أحد من نواب الكونجرس يريد أن يظهر بمظهر ناعم بخصوص "التهديد النووى". وهكذا فإنه فى منتصف فبراير، قدم 32 سيناتور من الحزبين اقتراحا لمجلس الشيوخ "يحث رئيس الجمهورية على التأكيد على عدم قبول تطوير أسلحة نووية إيرانية ومعارضة أى سياسة تعتمد على الاحتواء كوسيلة فى مواجهة التهديد النووى الإيرانى".وقد كان ذلك تكرارا لما حدث فى ديسمبر، بعد إعلان تقرير آخر للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى أكد أنه لا يوجد دليل على وجود أسلحة نووية إيرانية منذ عام 2003. إلا أن الإعلام المضلل قام بنقل العكس، وقام أعضاء الكونجرس من الحزبين بدعم قانون يطبق عقوبات جديدة على إيران. وقد عارض البيت اﻷبيض هذه الخطوة فى البداية إلا أن أوباما تراجع وقام بتوقيع القانون قبل نهاية العام.وقد كان ذلك دليلا على اﻷداء المزدوج لإدارة أوباما ومؤشر على من هو الطرف الذى سينجح فى مساعيه حين يتعين أخذ القرار. وحيث أن الإدارة هى المسئولة فى حالة القيام بعمل عسكرى ضد إيران، فإنها تعكس تردد السياسة الخارجية وخاصة المؤسسة العسكرية بخصوص تصعيد "الحرب الناعمة". فمازال البنتاجون يدفع ثمن احتلال العراق الذى تم تبريره بمزاعم خاطئة عن أسلحة دمار شامل. وحتى بعد الانسحاب من العراق، فان المؤسسة العسكرية واقعة تحت ضغط، فى حين أن المسؤلين بالإدارة والبنتاجون يتحدثون عن ضرورة توسيع العمليات للتجهيز لصراعات فى آسيا. وهكذا، فإن أوباما قد صرح خلال اجتماع اللجنة اﻷمريكية الاسرائيلية للشئون العامة فى العاصمة واشنطن هذا الأسبوع أنه "هناك حديث كثير عن الحرب لضمان أمن إسرائيل وأمن أمريكا والسلام والأمن فى العالم. الآن، لا يوجد وقت للمبالغة » إلا أن أوباما استكمل بالفعل كلمته بالمبالغة عن المدى الذى يمكن الوصول إليه لمواجهة إيران. "لدى سياسة لمنع إيران من الحصول على السلاح النووى. وكما أوضحت العديد من المرات خلال فترة رئاستى، فاننى لن أتوانى عن استعمال القوة حين يكون من الضرورى حماية الولايات المتحدة ومصالحه". ويشير خطاب أوباما الى أن الولايات المتحدة اﻷمريكية قد تقوم بالحرب على إيران حتى إذا كان المسئولون والمحللون الذين ينصحونهم لا يرون أن خيار الحرب هو الأفضل فى هذه اللحظة. قد يرغب الرئيس فى إعطاء الفرصة "للعقوبات أن تأتى بنتائج" إلا أن أحداث متعددة قد تدفع الولايات المتحدة فى اتجاه الانضمام إلى الحرب على إيران، أو البدء فى حرب. فإلى جانب الضربات الجوية، تعتمد السياسة الإسرائيلية على استفزاز رد الفعل من جانب الحكومة الإيرانية وهو الأمر الذى قد يعطى غطاء لتصعيد العمليات العدائية. وقد كان ذلك هو الهدف من اغتيال العلماء المرتبطين بالبرنامج النووى الايرانى وذلك بالإضافة الى حملة تخريب أوسع وأكثر دموية. بالإضافة إلى ذلك ، يتبقى التهديد الاسرائيلى بشن حرب، حتى بدون موافقة الولايات المتحدة اﻷمريكية. وقد صرح وزير الدفاع ليون بانيتا للواشنطن بوست فى فبراير أنه يظن أن الفترة المتوقعة لقيام إسرائيل بشن هجوم على إيران قد يكون بين أبريل الى يونيو. وتتنبأ بعض التقارير الصحفية أن الهجوم قد يحدث غالبا فى سبتمبر أو أكتوبر، قبل الانتخابات الرئاسية بقليل. وفى كل الأحوال، فان إدارة أوباما ستكون تحت ضغط سياسي شديد لتوجيه القوات الأمريكية فى صراع عسكرى جديد فى الشرق الأوسط. والى كل من يظن أن أوباما لن يتراجع أمام الخطاب الهستيرى للجمهوريين عن ضرورة الوقوف إلى جانب إسرائيل، يجب العودة إلى مواقفه فى السنوات الثلاث الأخيرة. ويفتقد تنبؤ الإعلام بخصوص قيام إسرائيل بشن ضربة جوية من جانب واحد أو قيام الولايات المتحدة بالدخول فى صراع عسكرى الى حقيقة مهمة وهى أن الحكومتين شريكتين فعليا فى أعمال حربية ضد إيران. فمن ناحية، فإن اغتيال العلماء الإيرانيين هو نتيجة لعملية مخابراتية شاركت فيها اسرائيل ومن الممكن أن تكون شاركت فيها الولايات المتحدة. تنفى الحكومتان رسميا أية علاقة بما حدث. إلا أن المسئولين الإسرائيليين تفاعلوا مع الإعلان عن الاغتيالات الإرهابية بحالة من الانتصار التى لم يستطيعوا إخفائها، الأمر الذى اعتبره الصحفيون اعترافا ضمنيا بالدور الذى لعبوه. ثم أن هنالك الحرب الاقتصادية التى تشن على إيران. فالعقوبات الجديدة التى أقرها أوباما كقانون فى نهاية العام الماضى تهدف إلى التأثير على النظام المالى الإيرانى. وقد وضعت ضغوط إضافية على عملة البلاد التى انهارت قيمتها. ويعد قرار الإتحاد اﻷوروبى والذى إتخذ فى يناير بخصوص فرض حظر على استيراد البترول الايرانى أكثر ضررا. وفى السابق ، فإن ايطاليا وأسبانيا (أكبر عملاء إيران فى أوروبا) تمكنتا من مقاومة الضغوط الأمريكية على أوروبا للانضمام إلى العقوبات على إيران. إلا أن أزمة الديون التى تتعرض لها تلك الدول، والانهيار الاقتصادي العام لأوروبا ساهموا فى مساندة أوروبا لتلك العقوبات الأخيرة. فقد أدت العقوبات المفروضة إلى انهيار أعمق للوضع الاقتصادي المتهاوى بالفعل. فوفقا لجوان كول، فان إيران بدأت تواجه صعوبات فى استيراد القمح من أوكرانيا والهند وهو ما أدى الى أزمة فى الغذاء وارتفاع الأسعار. ويحذر كول من أن خطر العقوبات هو أنه "قد يؤدى الى وفاة الآلاف من البشر إذا أدى الى نقص فى المواد الغذائية". وقد يصبح ذلك الأمر مألوفا لمن يتذكر عقوبات الإبادة التى تم فرضها على العراق بعد حرب الخليج فى 1991 من خلال الأمم المتحدة تحت ضغوط أمريكية. وقد تم منع عدد كبير من المواد عن العراق بسبب "استخدام عسكرى" مفترض من ضمنها مواد كيماوية و معدات ضرورية لبناء أنظمة صرف مثلا. وقد تلى ذلك تفشى الكوليرا والتيفود.  فقد أثرت العقوبات على العراقيين العاديين فى المقام الأول ولم يتأثر أو بالكاد صدام حسين والنظام العراقى الذين هم المستهدفون المفترضون من تلك العقوبات. وكما يكتب ناعوم شومسكى فى إن زيس تايمز فان "العقوبات على العراق دمرت الشعب العراقى وأعطت القوة لصدام حسين، بإنقاذه غالبا من مصير الطغاة الذين تدعمهم الولايات المتحدة الاميريكية والبريطانية". وسيكون ذلك هو الحال فى ايران. فالنظام المحافظ نجا من انتفاضة 2009 لحركة التحرك الأخضر بالهجوم الشرس عليها. إلا أن المتشددين نجحوا فى بناء بعض الدعم الشعبى من جديد جزئيا بسبب زعمهم الوقوف كمدافعين عن اﻷمة فى مواجهة الهجوم الامبريالى. هذه العقوبات ستسمح للنظام بتحويل اللوم الخاص بالأزمة الاقتصادية بعيدا عن برنامج الخصخصة والتقشف الذى تقوم الحكومة بتنفيذه. وفى النهاية، ستستمر التوترات فى التصاعد. ومن اﻷكيد أن التهديدات بالحرب ستستمر أيضا، بغض النظر عن مدى وضوح فكرة أن "التهديد النووى" ليس تهديدا على الإطلاق. وذلك حيث أن الامبريالية الأمريكية عازمة على التحكم فى الشرق الأوسط للسيطرة على تدفق أهم سلعة فى العالم وهى البترول من الخليج العربى. ويعنى ذلك بالضرورة نزاعات أكثر مع إيران. تحاول الولايات المتحدة اﻷمريكية التعافى من هزائم فى المنطقة: من خسارة الديكتاتوريون الذين كانت تدعمهم فى مصر وتونس، إلى فشلها فى العراق وانسحاب قوات الجيش الامريكى مما ساهم فى ازدياد تأثير إيران. ستضطر واشنطن إلى اتخاذ وضع أكثر عدوانية فى مواجهة إيران، بغض النظر عن موقف إدارة أوباما من طلبات شن ضربة عسكرية.  ولا يعنى خطاب الغرب والعقوبات المتصاعدة أنها فى سبيل إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية وتأمين العالم. بل على العكس. فإنها ستجعل الحرب والمعاناة أكثر احتمالية وليس أقل.