بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

من أجل الخروج من المستنقع العراقي

هل تغير الإمبريالية الأمريكية سياستها في الشرق الأوسط؟

في منعطف جديد على الساحة السياسية العالمية، يتصاعد الحديث حول إمكانية قيام تعاون ما بين الإدارة الأمريكية وحليفتها بريطانيا، وما بين أعدائهم في الإقليم، سوريا وإيران. في هذا السياق، وفي دلالة واضحة على جدية المساعي جاءت أول زيارة لمسؤول سوري، وزير الخارجية وليد المعلم، إلى العراق منذ الإطاحة بنظام صدام حسين في إبريل 2003. هذه الزيارة التي أثمرت عن عودة العلاقات الدبلوماسية ما بين البلدين بعد فترة انقطاع دامت 25 سنة، فضلا عن إطلاق الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، المعروف بخطاباته المناهضة للإمبريالية، لدعوة بعقد اجتماع قمة مع مثيليه، العراقي جلال طالباني والسوري بشار الأسد، لبحث سبل تحقيق الأمن في العراق.

أزمة الإدارة الأمريكية

بالرغم من تصريحات بوش التي تحاول التقليل من وقع اقتراح حليفه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير حول تفعيل الشق الدبلوماسي مع عناصر من “محور الشر” – أو”الهلال الشيعي” – فيما يخص تحقيق استقرار أكبر في العراق، فضلا عن تصريحات جيمس بيكر، رئيس اللجنة المفوضة من وزارة الدفاع الأمريكية بدراسة الخيارات الأمريكية بالعراق، التي تصب بنفس الاتجاه، إلا أن وضع بوش ومن ورائه المحافظين الجدد حرج بدرجة لا تسمح لهم بأخذ مواقف قطعية.

على صعيد أولي، جاءت نتيجة انتخابات التجديد النصفي في 7 نوفمبر الماضي لتثبت فشل سياسات الإدارة الأمريكية في العراق: دعمت 56% من أصوات الناخبين إما الانسحاب الكامل أو الجزئي للقوات الأمريكية من العراق بينما أقر 41% من المصوتين للحزب الديمقراطي بأن العامل الرئيسي وراء اختيارهم يرجع للأزمة الأمريكية في العراق. جدير بالذكر، أن الحزب الديمقراطي لم يحصل على أغلبية كالتي حصل عليها بالانتخابات الأخيرة منذ 12 سنة.

على صعيد آخر، تتضح حدة الأزمة التي يواجهها بوش في قبوله لاستقالة دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي ومهندس الحرب الأمريكية على العراق لمدة تتجاوز الثلاث سنوات، وترشيحه لروبرت جيتس للمنصب. جيتس، الرجل الذي احتل مناصب قيادية في حكومتي رونالد ريجين وبوش الأب بالثمانينات وأوائل التسعينات، دافع عن فتح باب الحوار مع إيران بصفته عضو بفريق دراسة العراق الذي ينتظر أن يسلم تقريره إلى بوش ما بعد أجازة عيد الميلاد في 25 ديسمبر الجاري. تجدر الاشارة إلى أن جريدة “الواشنطن بوست” قد اعتبرت ترشيح جيتس لهذا المنصب “نصرا للأسرة القديمة” في مواجهة المحافظين الجدد. فقد حذر جيمس بيكر وروبرت جيتس وآخرون من المسئولين بإدارة بوش الأب من عواقب احتلال العراق في عامي 2002 و2003.

ما سبق ذكره لا يعني انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق، فالمصالح في الشرق الأوسط لا تزال على درجة من الأهمية لا تسمح بخيار من هذا النوع إلا في الظروف القصوى. لكن يعني أن الإدارة الأمريكية – وعلى رأسها الكونجرس- تعيد حساباتها وتعمل على تعديل استراتيجيتها في المنطقة. ففي حوار لهنري كسينجر، وزير الخارجية الأمريكية في وقت حرب فيتنام، مع قناة البي بي سي قال، “إذا كنت تسأل عن انتصار عسكري، بمعنى تأسيس حكومة عراقية قادرة على السيطرة على جميع أرجاء البلاد .. والسيطرة على العنف الطائفي، أنا لا أرى أن هذا ممكن”.

التناقض السوري

حرص وزير الخارجية السوري وليد المعلم أثناء قيامه بزيارة نادرة على المستوى الرسمي العربي إلى العراق منذ احتلاله على التأكيد على أن مجيئه لا يستهدف إرضاء القوى الأجنبية وعلى ثبات الموقف السوري حول ضرورة رحيل القوات الأمريكية من أرض الرافدين.

هذا وقد أفادت جريدة ” نيويورك تايمز” في عددها الصادر بتاريخ 11 نوفمبر بأن المعلم التقي بوزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر. كما كشفت جريدة “فايننشال تايمز” عن أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قام بمحاولة دبلوماسية مع سورية لإبعادها عن ما أسمته الجريدة “التيار الراديكالي” الذي صارت تمثله مع إيران وحزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين. هذا وقد قام نايجل شينوولد، مستشار بلير للشؤون الخارجية، بحسب نفس الجريدة بزيارة إلى سوريا لبدء مباحثات مع بشار الأسد.

بالعودة إلى زيارة المعلم إلى العراق، وفي مؤتمر صحفي جمعه بوزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أكد المعلم على موقف سوريا المناهض لما أطلق عليه “الإرهاب” وأضاف: ” نحن ندعم الحكومة المنتخبة والوفاق الوطني .. نحن ندعم وحدة العراق ونعتقد أن الجدول الزمني بإنسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق ستقلل من العنف”. تجدر الإشارة هنا إلى موقف زيباري، كجزء من حكومة المالكي، المتبني لمجمل الشكاوى الأمريكية التي تدعي مساندة إيران وسوريا للمسلحين بالعراق. من جانبه صرح زيباري بأن زيارة المعلم تعتبر اختبارا لنوايا كافة الدول العربية في مساندة العراق الواقع تحت هيمنة الشيعة والمدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية. وأضاف، ” أمن واستقرار العراق أمر يخص سوريا ودول الجوار.. من المهم أن يساندوا حكومتنا وأن يحاربوا الإرهاب”.

وفي نفس الوقت أدلى المتحدث باسم الحكومة العراقية بتصريحات تفيد بقيام مسؤولين بالضغط على المعلم لمنع مقاتلي القاعدة من عبور الحدود ووقف تمويل المجموعات البعثية المناصرة لحزب البعث والتوقف عن توفير الملاذ لأنصاره السابقين.

على الصعيد الإيراني

كانت جريدة ” إندبندينت” البريطانية قد أشارت في مقال تحليلي إلى أن قدرة سوريا على تحقيق مساعي الإدارة الأمريكية بخصوص العراق محدودة وبأن القدرة التمويلية والتسليحية والتدريبية لمقاتلي العراق تعتمد على إيران بالدرجة الأولى. في هذا السياق، هدد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير كلا من سوريا وإيران بضرورة تقديم المساعدة وإلا سيكون عليهم تحمل تبعات “العزلة التامة”. هذا وقد صرح مسؤول بارز بوزارة الخارجية الأمريكية بأن “واشنطن مستعدة لمناقشة الدور الإيراني في العراق من حيث المبدأ”.

لكن نتيجة للنفوذ الإقليمي الكبير الذي تتمتع به إيران، خاصة ما بعد الإطاحة بنظام طالبان السني في أفغانستان ونظام صدام حسين البعثي في العراق، ومع صعود الشيعة إلى سدة الحكم هناك، لا يزال نوع الدور الذي يمكن لإيران أن تلعبه شديد الغموض.

كل تلك المعوقات تستثني واقع مساعي النظام الإيراني الحثيثة في اتجاه بناء دولة ضاربة في المنطقة، الأمر الذي يتجلى في مشروعه النووي وكل الزخم المصاحب له، من قرارات أمم متحدة من جانب وخطابات حماسية من أحمدي نجاد من جانب آخر. هنا تجدر الإشارة إلى قيام الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بالتوقيع على اتفاقية تختم خمس سنوات من سعي روسيا الحثيث للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. الأمر الذي يشير إلى محاولة بوش الضغط على روسيا لمساعدتهم مع إيران. فروسيا، إحدى الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، طالما دافعت عن إجراءات أقل صرامة حيال إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات فيما يخص مشروع إيران النووي. فبحسب توني سنو، الناطق باسم البيت الأبيض، يرى بوش أنه أحرز تقدما في إقناع الرئيس الروسي بوتن بدعم قرار حاسم للأمم المتحدة بناء على تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المشروع النووي لإيران.

في هذا السياق، أصر أحمدي نجاد في خطاب ألقاه في مظاهرة بغرب إيران مؤخراً على الحق النووي لإيران. وقال، “بمشيئة الله سنقيم احتفالا نوويا قبل نهاية هذا العام”، دون أن يعطي تفاصيل. جدير بالذكر أن السنة الإيرانية تنتهي في مارس 2007.

على مستوى آخر، قام البرلمان الإيراني في الأسبوع الماضي بالتصويت على قانون يلزم بأخذ بصمات أي مواطن أمريكي يدخل إلى الجمهورية الإسلامية، وذلك ردا على الإجراءات المتعسفة المفروضة على الإيرانيين عند دخولهم الولايات المتحدة الأمريكية. جاءت نتيجة التصويت 135 صوتا ضد 26، على الرغم من موقف الرئيس محمود أحمدي نجاد الرافض للقرار لأن، على حد قوله، “إيران ليس لديها أي شيء ضد الأمريكيين”.

أما الدعوة التي أطلقها أحمدي نجاد مؤخرا فجاءت على خلفية رسالة بعثها في وقت سابق إلى رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي مفادها أن إيران على أتم الاستعداد للتحاور مع إيطاليا لبحث سبل السلام في العراق وأفغانستان والشرق الأوسط. تجدر الإشارة هنا إلى أن مجئ حكومة برودي إلى السلطة جاء في مواجهة سياسات رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني الموالية تماما لكافة سياسات الإدارة الأمريكية.

بالطبع لا تزال اتهامات بوش وبلير لكلا من سوريا وإيران مستمرة، خاصة ما بعد ما تشهده لبنان من أحداث نتيجة لاغتيال وزير الصناعة بيير الجميل. لكن الأسئلة المطروحة تظل: هل تستطيع الإدارة الأمريكية وحكومة بلير احتواء الوضع في الشرق الأوسط دون تعاون سوري – إيراني؟ أليس ما نشهده اليوم من تراجع للسياسة الأمريكية مؤشر على فشلها في تطبيق مشروعها التوسعي والأحادي الجانب، ذلك المشروع الذي أطلق عليه “مشروع القرن الأمريكي الجديد؟