بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

هل يعود عباس إلى غزة فوق الدبابات الإسرائيلية؟

ارتفعت أصوات كثيرة -عربية وفلسطينية- خلال الحرب الصهيونية الهمجية على قطاع غزة لتحمل المقاومة الفلسطينية، خاصة حماس، مسئولية ما يتعرض له القطاع من تدمير وحصار، مرتكزة بشكل أساسي على الحجة التي يروج لها العدو الصهيوني من استمرار حماس وغيرها من الفصائل في استخدام الخيار العسكري وتعريض أمن إسرائيل للخطر كأحد الأدوات الرئيسية للمقاومة واسترجاع الحق الفلسطيني، والدخول في نزاع مع الفصائل الأخرى – فتح بالأساس – التي ألقت البندقية منذ زمن واتبعت النهج التفاوضي كخير استراتيجي!، الأمر الذي يؤثر – من وجهة نظر هذه الأصوات – على وحدة الصف الفلسطيني والقدرة على مواصلة النضال!

هذا المنطق ينطلق في جوهره من الفكرة التي روجت لها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة فتح مدعومة من الأنظمة العربية في بداية التسعينات مع اتفاقيات أسلو، والتي تقول أن زمن الكفاح المسلح والنضال ضد الكيان الصهيوني العنصري قد انتهت، وآن الأوان للاعتراف بإسرائيل والجلوس على طاولة المفاوضات كوسيلة وحيدة لاستعادة الحقوق الفلسطينية، وكانت هذه الفكرة وراء ظهور المسخ المسمى السلطة الفلسطينية التي ورث محمود عباس عرشها بعد وفاة عرفات.

فتح وحماس

على مدار ما يقرب من 15 عاما لعقت فيها السلطة وفتح أحذية الإدارات الأمريكية والحكومات الإسرائيلية المتتابعة، كانت محصلة حلقة المفاوضات المفرغة صفر على مستوى الحقوق الفلسطينية، لكن ملايين الدولارات التي تحولت لثروات شخصية لعرفات ورجاله وفي مقدمتهم عباس، وبعض المباني الفخمة التي تحاصرها إسرائيل في الضفة، كمقار للسلطة، في الوقت الذي لم تتحسن فيه أوضاع الفلسطينيين البسطاء الذين يعانون من القهر المزدوج تحت وطأة الاحتلال تارة وعضة الفقر تارة أخرى.

طوال هذه السنوات كان نفوذ فتح والسلطة يخفت تدريجيا في الشارع الفلسطيني لصالح قوى أخرى أكثر راديكالية ترفض النهج الفتحاوي الاستسلامي، وترى في إسرائيل عدوا يغتصب وطنها ويحتاج إلى قوة مقاومة تردعه وترهقه بكل الوسائل وفي مقدمتها العمل المسلح، هذا التطور عبر عن نفسه بقوة مع اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000 والتي بات واضحا من خلالها ميلاد قوى مقاومة جديدة في مقدمتها حركة حماس، والتي قادت الانتفاضة على مدار أربع سنوات أثبتت خلالها هراء كل ادعاءات السلطة وأتباع الإمبريالية حول عدم جدوى الكفاح المسلح، حيث خاضت حربا شرسة وعلى درجة عالية من الفداء والبسالة قدمت خلالها تضحيات أقل ما يقال عنها أنها عظيمة، أسفرت عن إجبار إسرائيل على الفرار مذعورة من غزة عام 2005.

خلق انتصار المقاومة ازدواج للسلطة في غزة شبه المحررة، ففي أول انتخابات بعد الانسحاب الإسرائيلي نجحت حماس في السيطرة على مجالس البلديات، وفازت بأغلبية في المجلس التشريعي، من ثم شكلت الحكومة، في الوقت الذي احتفظت فيه حركة فتح برئاسة السلطة، فأصبح يعمل على الأرض منهجين متنافرين تماما، أحدهما مقاوم لا يعترف بإسرائيل (حكومة حماس)، والآخر مهادن وضد المقاومة (سلطة فتح)، هذا التناقض كان وراء التناحر الذي ظل يتصاعد تدريجيا ودار في جوهره حول محاولات محمود عباس الضغط على حماس لتغيير استراتيجيتها وميثاقها الذي يرفض الاعتراف بإسرائيل ويعتمد العمل المسلح في أولويات كفاحها، وما يترتب على ذلك من حل حماس لأجهزتها العسكرية ودمجها في أجهزة السلطة الأمنية، كمقدمة لدخول منظمة التحرير والانخراط في العملية التفاوضية، كانت هذه الطلبات في حقيقتها هي الشروط الإسرائيلية الأمريكية المطلوب من عباس إنجازها لاستمرار المفاوضات ومن ثم استمرار دعم السلطة وتدفق أموال المساعدات والمنح عليها.

السلطة والحصار

تصدت حماس لهذه الضغوط بقوة، حتى بلغت مداها، وبات وجود المقاومة نفسه مهددا، بعد أن اتخذت ضغوط عباس شكل خطوات عملية استهدفت الجناح المسلح لحماس، حتى انفجر الوضع بالمواجهة المسلحة بين الجانبين في يونيو 2007 وسيطرت حماس على غزة وهرب فريق السلطة إلى رام الله بالضفة الغربية، ومنذ ذلك الحين شددت إسرائيل الحصار على القطاع بمساعدة نظام مبارك الذي انصاع لأوامر إغلاق معبر رفح بشكل تام، وأصبحت غزة قاب قوسين أو أدنى من مجاعة محققة، أكثر من مليون ونصف فلسطيني هم سكان القطاع مهددون بالموت جوعا نتيجة نقص الوقود والغذاء والمياه وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، في نفس الوقت الذي تنهال فيه ملايين الدولارات من أوروبا وأمريكا والدول العربية إلى خزائن السلطة في رام الله، حتى يستطيع أبو مازن مواصلة مسيرة المفاوضات ويقطع البلاد ذهابا ومجيئا يتوسل ويقبل الأيادي لكي توافق إسرائيل على التوقف عن مصادرة أراضي الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال والتفاوض حول الوضع النهائي!.

في الوقت الذي كانت غزة تخوض فيه معركة الصمود ضد التجويع والحصار، كانت مسيرة الضغط على حماس للاستسلام مستمرة، والمساومة هذه المرة كانت فك الحصار مقابل عودة الأوضاع إلى ما قبل يونيو 2007 أي عودة فتح إلى غزة، بالإضافة إلى وقف حماس لإطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، وتخليها عن الحكومة وإجراء انتخابات جديدة، وقاد هذه المسيرة بشكل أساسي نظام مبارك بالمشاركة مع سلطة فتح فيما أطلق عليه مبادرات الحوار الوطني الفلسطيني.

عندما أيقنت إسرائيل من فشل حلفاؤها، سواء نظام مبارك أو سلطة فتح، في الضغط على حماس و أن الأخيرة لن تتزحزح عن موقفها المقاوم، قررت حسم الأمر بالتدخل العسكري المباشر، وكانت الحجة هذه المرة هي انتهاء التهدئة مع الفصائل في ديسمبر الماضي والممتدة منذ ستة أشهر، وصبيحة لقاء وزيرة الخارجية الإسرائيلية مع مبارك في القاهرة بدأت الآلة العسكرية الإسرائيلية الهمجية في دك غزة بغاراتها الجوية لمدة ثماني أيام متواصلة، فسقط مئات القتلى وآلاف الجرحى، وفى اليوم التاسع بدء الهجوم البري على قطاع غزة.

وبينما تخوض المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها معركة باسلة ضد البربرية الإسرائيلية، تترقب فتح ومنظمة التحرير وسلطتها الموقف عن كسب، فأمل عباس الوحيد في استعادة غزة إلى سلطته الكسيحة هو انتصار إسرائيل على المقاومة، عندئذ وفقط يمكنه دخول القطاع فوق إحدى الدبابات الإسرائيلية ليعلن خطأ نظرية حماس في المقاومة وصحة نظريته في الاستسلام.

إن الأصوات التي تلقي باللوم على المقاومة فيما يتعرض له قطاع غزة من مذبحة تداري تحت شعارات العقلانية والواقعية وجها قبيحا يُحقر ويعادي كفاح الجماهير الفلسطينية بل والعربية لأكثر من نصف قرن ضد العنصرية الصهيونية، وجها لا يصلح للرد عليه سوى حذاء منتظر الزيدي.