بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

حلم الفردوس المفقود في شمال البلطيق

تمثل الدول الاسكندنافية الخمس: السويد، والدانمارك، وفنلندا، والنرويج، وآيسلندا، بالرغم من التباين في عدد السكان، وفي الظروف السياسية، نموذجاً واحداً في تبنيها سياسة اجتماعية واحدة، في التعامل مع الفقر والبطالة والمرض والشيخوخة، بل وتتعدى ذلك إلى توفير الاحتياجات الأساسية، وغير الأساسية، في أحيان كثيرة، لجميع السكان.

تلك الدول، ذات المناخ القاسي، والأرض غير الخصبة، خسرت ربع سكانها، الذين هاجروا إلى «الأرض الجديدة»، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لكنها في الوقت نفسه، بدأت تخرج من ركودها، وشهدت تغيراً في الأنظمة السياسية. كانت الكنيسة تضطلع بدور كبير في مساعدة الأكثر فقرًا، كما فرضت السلطة مساهمات اجتماعية على النخب المحلية. وفي 1907، انعقد المؤتمر الاجتماعي الاسكندنافي الأول. في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، تطور الميزان السياسي، حيث نمت النقابات، وقويت، وأصبحت الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية تشكل التحالفات البرلمانية للأغلبية، في كل من الدانمارك والسويد والنرويج. هكذا تمتعت الدول الاسكندنافية بجو توافُق وتصالُح بين أرباب العمل، وبين العاملين، فكانت هناك مظلة اجتماعية تشمل جميع السكان. كان بإمكان صاحب العمل أن يستغني عن أي عامل أو موظف، في أي وقت، ودون أية قيود أو تبعات، ولا يكترث العامل لذلك، لأنه يضمن أن يجد، وفي أسرع وقت وظيفة، ملائمة، وربما أفضل، وحتى يجدها، فإنه يتمتع بإعانة بطالة جيدة.

بعد الحرب العالمية الثانية، ظهر «الطريق الثالث»، وفيه تقوم الدولة بتحمل أعباء الكثير من الخدمات الاجتماعية للمواطنين. أصبحت الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية على رأس السلطة والتحالفات الحاكمة، لستين عام في السويد ولخمسة وأربعين عامًا في النرويج والدانمارك. كانت الدول الاسكندنافية حتى سبعينيات القرن العشرين وأقرب إلى نموذج «دولة الرفاة» في غرب أوروبا. بعد الأزمة الاقتصادية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، أصبحت بعض الدول الاسكندنافية أقل سخاءً.

لو أخذنا الدانمارك، كنموذج، فإن لكل مولود مكان في دور الحضانة، منذ الشهور الأولى، ثم المدرسة والجامعة، وله الحق في القيام برحلة استكشافية حول العالم، كذلك الخدمات الصحية، ورعاية المسنين. وتعد الدنمارك جنة أرباب العمل، وتُصنف قبل الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، فإن العمال أكثر رضا، فالأجور في ازدياد، حتى العام 2007-2008.

قبل أن تصل أمواج الأزمة الاقتصادية الأخيرة شواطئ البلطيق، كان عدد العاطلين أقل من 1.5% من السكان القادرين على العمل، وكان نصف الإنتاج بهدف التصدير، وفجأة انخفض التصدير بنسبة 20%، وتوالت الإفلاسات الكبرى، وارتفعت وتيرة البطالة، حتى بلغت في بعض القطاعات 27%. الوظيفة الواحدة، في المناطق الريفية، تتلقى ما يقرب من ألف طلب، وارتفع عدد العاطلين، الأقل من 24 عامًا، أربعة أضعاف، ربعهم فقط يتلقى إعانة بطالة، ومن المتوقع، أن يقبل العمال بأجور أقل وشروط عمل أصعب، إلى جانب انخفاض القوة الشرائية بنسبة 2%. في مايو 2009 بلغت نسبة الحجوزات على العقارات المدينة، أعلى رقم منذ عقود. في المقابل تم تقليل مبلغ، ومدة، معاش البطالة، وزيادة القيود للحصول عليه.

تضم الدانمارك ما يزيد عن أربعمائة ألف مهاجر، علاوة على من يحملون الجنسية، من أصول تركية وباكستانية وصومالية. وكانت حادثة الرسوم المسيئة للرسول، إحدى مظاهر العنصرية الفجة، الموجهة ضد هؤلاء ، الذين ينظر إليهم باعتبارهم سبب رئيسي للبطالة، وليس السياسات الاقتصادية، يعاني هؤلاء من التهميش.

هكذا تعصف الأزمة بأوهام كان لها بريق ساحر ذات يوم.