احتجاجات الجماهير والخداع السياسي في الأردن
ماذا سيستفيد المواطن الأردني من صراع القوى السياسية حول مقاعد مجلس النواب القادم؟ وما معنى تجاهل المطالب الاجتماعية للجماهير الأردنية وانحسارها فقط على مطالب سياسية بعيدة عن واقع الشارع؟ تلك هي الأسئلة التي لم تحاول القوى السياسية المختلفة الإجابة عليها سواء في الحوار الوطني مع الحكومة أو من خلال الالتحام الواضح بحركة الشارع. فمنذ مقتل أحد المتظاهرين واعتقال الكثير بميدان جمال عبد الناصر بالعاصمة الأردنية عمان أواخر شهر مارس الماضي، تتوالى الاحتجاجات الشعبية ضد السياسات العامة في البلاد بل وتطالب بسقوط الحكومة الثانية أيضا.
ما يؤخذ على الحوار الوطني ليس فقط الدخول في متاهات الحكومة التي يترأسها السفير الأردني الأسبق لدى اسرائيل، بل إن ذلك الحوار الذي تحدثت عنه القوى السياسية لم يأت إلا بعد احتجاجات واسعة راح ضحيتها المواطنين بين قتيل وجريح في سبيل تحقيق التغيير الحقيقي الذي يلتمسه المواطن في حياته. أما الحوار فقد استطاع وضع مفارقات لا يتحملها التقسيم الطبقي للمجتمع الأردني من أقلية فاحشة الثراء وأغلبية شعبية يتم استغلالها.
فالحكومة التي دخلت الحوار هي نفسها حكومة رجال الأعمال الذين يمتلكون بأيديهم مقدرات الدولة الاقتصادية، وحتى من هم خارج الحكومة الحالية فقد استفادوا اقتصاديا من وضعهم السياسي السابق وتحت نفس الغطاء الرأسمالي المتعاقب على كل الحكومات (مثل خصخصة قطاع الكهرباء لشركة دبي كابيتال التي يرأس مجلس إدارتها رئيس وزراء سابق). وهو ما يعني أن الحكومة ستمثل حتما قوى شد عكسية تحول دون تنفيذ إصلاحات حقيقية، بل ستقاتل من أجل الحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية في ظل وضعها السياسي الراهن. ولعل ذلك يفسر تهريب الحكومة لأحد رجال الأعمال المتهم بقضايا فساد كبيرة بحجة علاجه بالخارج.
القوى السياسية في المقابل حرصت على انتهاز الأوضاع الاحتجاجية في البلاد لتمرير مطالب لا تخرج عن إطار الخصوصية، وأصبح المعنى المطروح من قتل المحتجين واعتقال الكثير هو اختزال مطالب الشارع بوقف الخصخصة وإنهاء التطبيع مع إسرائيل إلى مجرد تسويات سياسية يمكن أن تمثل الإطار التفاوضي مع الحكومة.
وحتى تلك المطالب السياسية التي ظهرت في شكل توصيات بإجراء التعديلات الدستورية وإيجاد صيغ جديدة لقانوني الأحزاب والانتخابات، تعاملت الحكومة معها برفعها إلى مجلس النواب لمناقشتها ثم تطبيقها بعد إقرارها، وهو ما يمكن اعتباره تزوير آخر في المطالب العامة وتحويل الصراع من حكومة وشعب إلى صراع حكومة وقوى سياسية. فأعضاء المجلس المنوطين بالنظر في التوصيات هم من استطاعوا المرور إلى مقاعده بالرشاوي، وهم أيضا من أبرأوا مؤخرا رئيس الحكومة، البخيت، من اتهامات مؤكدة ضده في توريط البلاد بصفقات مشبوهة وقضايا فساد كبيرة.
كل هذا التحايل من الحكومة والقوى السياسية لن يخرج عن لعبة مصالح هدفها تعويم حدة الصراع الطبقي بالمجتمع الأردني، بل أن ذلك التعويم يعمل لصالح الفئات القليلة من رجال الأعمال والسياسة على حساب الأغلبية من أجل إضعاف المطالب الاجتماعية لشعب قام بالفعل ليتحدى الفقر والبطالة والاستغلال.
وفي مصر، نشهد الآن تغييب متعمد للمطالب الاجتماعية بالتفاف القوى المختلفة حول جدالات سياسية عقيمة، وطرحها على الساحة وكأنها من أهداف الثورة الرئيسية. لكن القاسم المشترك بين مصر والأردن هي قوة الشعوب التي ستخرج قريبا لتعلن لكافة القوى السياسية مطلبها الرئيسي : العدالة الاجتماعية أولا.