حوار مع بشير السباعي
حول كتاب “مسألة فلسطين” لهنري لورنس

يصدر هذا الشهر ضمن إطار المشروع القومي للترجمة الجزء السادس من كتاب هنري لورنس المعنون بـ “مسألة فلسطين” مترجما إلي العربية، وبهذه المناسبة أجرت «الاشتراكي» المقابلة التالية مع بشير السباعي مترجم هذا الكتاب.
هنرى لورنس اهتم بأسباب تحول الغرب الرأسمالي عن قيم التنوير و حقوق الآنسان، بداية من هو هنرى لورنس؟
هو مؤرخ فرنسي متخصص في التاريخ الحديث، والمعاصر للعالم العربي، وصاحب العديد من المؤلفات التي ركزت علي مختلف أشكال اندماج المنطقة العربية في العالم الحديث، الذي هيمنت علية الرأسمالية الغربية.
عمل هنري لورانس أستاذا للتاريخ بجامعة السويون، ثم بالمعهد القومي للغات والحضارات الشرقية بباريس، وتولي بعد ذلك إدارة مركز دراسات وبحوث الشرق الأوسط المعاصر ببيروت، وكان إلي وقت غير بعيد مشرفا بالمعهد القومي للبحث العلمي بباريس، وهو الآن أستاذ كرسي التاريخ المعاصر للعالم العربي بالكوليج دوفرانس، وهو الموقع الذي سبق بأن شغله باحثون فرنسيون مرموقون، أهمهم جاك بيرك، وهو متزوج من الكاتبة اللبنانية الفرنسية السيدة مها بقليني، التي سبق لها أن ترجمت إلي الفرنسية عمل نجيب محفوظ “ ليالي ألف ليلة”.
ما هو منهج لورنس في الكتابة التاريخية؟
من المعروف أن جنس الكتابة التاريخية علي اختلاف منهجها هو المروية أو السردية الواقعية التي تتعامل مع الظواهر التاريخية من زاوية تطورها الزماني الخطي، وهذا التعريف ينطبق علي عمل جميع مدارس الكتابة التاريخية ، وطبيعي أنه ينطبق على المدرسة، التي ينتمي إليها لورانس، والتي تنبع منهج الوصف التوثيقي، الذي يشكل المدخل الذي لا غني عنه لأي جهد تحليلي أو تنظيرى تال، ويجمع الرجل في أعماله بين الوصف التوثيقي والتحليل، وغالبا ما يكون التحليل مضمرا ومائلاً في بنية الوصف التوثيقي الذي يقوم به، فتلك البنية بطبيعة الحال تستند إلي رؤية ما و منطق ما، كامن في المجهود الوصفي. وفي جميع الأحوال فإن الإشكالية العامة التي تؤرق لورانس تظل مائلة في معظم كتاباته.
وما هي هذه الإشكالية العامة؟
الرجل مهموم بمحاولة فهم السبب أو الأسباب الكامنة وراء تحول الغرب الرأسمالي إلي التنكر لمبادئ التنوير وحقوق الآنسان والشعوب في تعامله مع العالم العربي . وما يظهر بوضوح منذ كتابته المبكرة، فالمسئول عن هذا التحول، من وجهة نظر لورانس، هو المصالح الآنانية للبورجوازيات الغربية، وهي مصالح تكمن وراء الآنحطاط الترميدوري ثم البونابرتي للثورة الفرنسية، والحملة الفرنسية علي مصر لحظة مهمة فيها، وهو ما أوضحه لورانس منذ عام 1989 في كتاباته عن هذه الحملة، والذي صدر بالفرنسية بمناسبة الذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية، وإن كان قد كتب في الأصل كأطروحة لنيل دكتوراه الدولة. وقد ترجمنا هذا الكتاب في عام 1995 إلي العربية، وقد فاز عمل لورانس هذا بإعجاب وتقدير مؤرخين مهمين كأندية ريمون وبيتر جران.
كيف تظهر رؤية لورانس هذه في عمله الأخير حول مسألة فلسطين؟
في هذا العمل نجد أنفسنا أمام مروية بانورامية، تتناول أشكال دخول الإمبريالية الغربية في الصراع علي المنطقة العربية ذات الأهمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية في إطار صراع هذه الإمبريالية علي السيطرة علي العالم، وطبيعي أن هذه المروية تشتمل، بشكل لا مفر منه، علي تنازل أشكال استجابة العالم الغربي للحداثة الأوربية، وردود أفعاله علي التوسع الاستعماري، وهو ما يقود لا محالة إلي تناول ظهور الحركات والتيارات القومية في هذا العالم العربي، الذي يحتل ضفافا ً مهمة للبحر المتوسط، وطرق ومواصلات بحرية وبرية مهمة، ناهيك عما يتمتع به من ثروات بترولية أساساً، وحضارات مكانية مترامية الأطراف.
وإذا كان يجري تناول مصائر المسألة اليهودية في أوربا الشرقية والغربية وملابسات ظهور الحركة الصهيونية، فإن هذا التناول إنما يتم ضمن إطار تحليل تناقضات الدول العظمي الداخلية وصراعاتها من اجل الهيمنة الخارجية ومن هذه الزاوية، يعد عمل لورانس كاشفا لتناقضات عصرنا وأزمته الخطيرة فهذا العمل ليس وصفا توثيقيا لتاريخ فلسطين الحديث، بل هو وصف توثيقي لـ “مسألة فلسطين” وهي مسألة مطروحة منذ فجر القرن التاسع عشر ولا تزال مطروحة إلي يومنا هذا، كما أنها لا تخص فلسطين وحدها بل تتجاوز حدودها إلي عالم أوسع منها، وهو ما يشهد عليه، مثلا أن هذه المسألة أصبحت “مسألة مصرية “ علي جانب كبير من الأهمية منذ حرب عام ،1948 وأنها قد صاغت إلي حد بعيد تاريخ مصر في الشطر الثاني من القرن الماضي ولا تزال محورية في صياغة هذا التاريخ إلي الآن.
ما هو الإطار الزمني لمعالجة لورنس لـ”مسألة فلسطين”؟
تبدأ هذه المعالجة من حملة بونابرت علي بلاد الشام في عام 1799 إلي اللحظة الحاضرة، وقد وصل لورنس بهذه المعالجة فيما صدر من مجلدات العمل إلي الرابع من يونيو / حزيران 1967 وهو عاكف حاليا علي كتابة مجلد جديد يتناول الفترة الممتدة من حرب يونيو / حزيران 1967 إلى عام 1982، عام الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ومن المرجح أن يصدر هذا المجلد الجديد بالفرنسية في أواخر عام 2010.
بما يتميز كتاب مسألة فلسطين عن غيره من الكتابات التي تناولت نفس الموضوع؟
بلا شك نحن إزاء تسجيل توثيقي دقيق لمختلف مراحل تطور الصراع علي فلسطين منذ أواخر القرن الثامن عشر إلي الآن ، ومثل هذا التسجيل التوثيقي لا نجده في أي عمل آخر بأي لغة. وقد أعتمد لورانس علي وفره من الوثائق التي لم يسبق الاعتماد عليها، كما أن الرجل قد قام بتركيب نقدي لمعظم الأدبيات الصادرة حول الموضوع، وهو مجهود لم يسبقه إليه أحد من المؤرخين من قبل.
هل يمكن اعتبار لورنس مستشرقا يعمل لخدمة أهداف عملية؟
ما يحرك عمل لورنس هو “حب المعرفة “، وهو ما يفسر دأب الرجل علي محاولة تكوين صورة موضوعيه عما حدث بالفعل، ويفعل الرجل ذلك ضمن إطار تمسكه بمبادئ حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، وهي مبادئ يعترف لورانس بأن الغرب الإمبريالي، قد خانها في تعامله مع “المسألة اليهودية” في الغرب، كما في تعامله مع “ مسألة فلسطين “ في الشرق، ثم إن الرجل يسلط الضوء علي دور مختلف الدول العظمي، وبينهما فرنسا ، في دعم المشروع الصهيوني وإذا كان هناك من هدف عملي وراء كتابه الضخم، فلا شك أنه يتمثل في المساعدة علي إيجاد حل عادل لمسألة فلسطين وهو حل يبدو في رأيه بعيد المنال، بالنظر إلي موازين القوي في العالم.