خدام لكل العصور
فجأة، وبعد قضائه نحو أربعين عاما في خدمة نظام البعث، اكتشف عبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري، أن النظام السوري فسد وتعفن وأصبح غير قادر على البقاء، وأن هذا النظام طغا وبغى في لبنان. ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل دعا خدام الشعب السوري إلى القيام بانتفاضة للإطاحة بديكتاتورية بشار الأسد.
وإذا نظرنا إلى السيرة الذاتية لعبد الحليم خدام، نجد أنه ظل طوال ماضيه السياسي خادماً مخلصاً لنظام البعث الدموي الاستبدادي. وخدام من مواليد مدينة بانياس الساحلية السورية في عام 1930. درس الحقوق في جامعة دمشق والتحق بحزب البعث قبل أن ينهي تعليمه الجامعي. وفي تلك الأثناء أصبح صديقاً لحافظ الأسد الذي كان طياراً في القوات الجوية. وفي مارس 1963 أصبح خدام محافظاً لحماة التي شهدت آنذاك انتفاضة مسلحة للإخوان المسلمين، فشل خدام في احتوائها بالطرق السلمية وتم قصف المدينة ونقل هو إلى محافظة قنيطرة في مرتفعات الجولان وما لبث أن فر منها مع الاحتلال الإسرائيلي في الخامس من يونيو 1967. وفي عام 1968 عين محافظاً لدمشق لفترة قصيرة، ثم أصبح وزيراً للاقتصاد في مايو من 1969. وفي نوفمبر من العام التالي، عندما تولى السلطة حافظ الأسد، تم تعيين خدام وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس الوزراء. وفي عام 1984، اصبح خدام نائباً لرئيس الجمهورية وظل في هذا المنصب حتى مؤتمر حزب البعث الذي عقد في مايو من العام الماضي، وذلك مروراً بفترة تولى خلالها رئاسية الجمهورية لمدة 42 يوماً بعد وفاة حافظ الأسد وحتى توريث الحكم لبشار. ومن الملفت أن خدام لم تصدر عنه خلال السنوات الأربعين في خدمة النظام أية انتقادات أو خلافات مع رموز هذا النظام. وعندما كان وزيراً للخارجية حينما تم تدمير حماة في عام 1980 للقضاء على الإخوان المسلمين، كان الرجل يجلس في الصفوف الأمامية إلى جانب حافظ الأسد على حد قول أحد المعلقين. كما لعب خدام دوراً أساسياً في لبنان منذ منتصف الثمانينيات، وكان طرفاً مهما في التوصل إلى اتفاق الطائف. كما كانت له اليد الطولى في وقف حالة الانفتاح السياسي بعد تولي بشار الأسد الحكم، وذلك حينما قام بإغلاق المنتديات السياسية بحجة أنه لا يمكن السماح بأن تتحول سوريا إلى جزائر أخرى.
فإذا كانت هذه سيرة حياة الرجل، يصبح من السهل إدراك أن ما فعله لا يمكن أن يخرج عن محاولة تقديم نفسه بديلاً لنظام بشار الأسد الذي أصبحت عزلته تزداد يوما بعد يوم منذ أن جرى اغتيال رفيق الحريري. فالعديد من الدول الكبرى، على رأسها أمريكا وفرنسا، لم تعد راغبة في بقاء نظام بشار الأسد. ولولا الوضع المخزي في العراق، لكان من المرجح أن تقدم أمريكا على خوض حرب أخرى في المنطقة تنهي بها هذا النظام. لكن الوضع في العراق من جهة، والخوف من عدم وجود بديل مريح بالنسبة للأمريكيين في سوريا نتيجة كون الإخوان المسلمين هم قوة المعارضة الأكبر هناك، ومن ثم البديل الأرجح لهذا النظام في حالة سقوطه، جعل هناك نوع من المأزق يتعلق بكيف يمكن التخلص من نظام بشار الأسد، دون خسائر أو بأقل خسائر ممكنة. لذلك، فقد قام الرجل بهذه الخطوة، من جهة لكي يضمن النجاة بنفسه في حالة الإطاحة بالنظام، ومن جهة أخرى، لكي يطرح نفسه كبديل لتغيير النظام من الداخل. غير أن هذه المقامرة غير مضمونة النجاح، لأن ارتباط خدام بالنظام لكل هذه السنوات، يفقده أية مصداقية، في نظر كافة الأطراف بمن فيها من يريدون إسقاط هذا النظام، وهو ما يبدو من الحذر الذي اتخذته الدول الغربية تجاه حملاته الأخيرة ضد النظام السوري. لكن ما يمكن قوله هنا هو أن هذا الحدث سوف يجري تكراره المرات والمرات طالما ظل الحكام العرب الظالمون والفاسدون جاثمون على أنفاس شعوبهم مستخدمين أمثال هذا الخدام كمعاونين لهم في ارتكاب جرائمهم.