لبنان: الطائفية تُقامر.. والمشروع الاجتماعي غائب
طرحت الاشتباكات الطائفية العنيفة التي اندلعت شمال لبنان في الثاني والعشرين والثالث والعشرين من يونيو تساؤلات جوهرية حول مدى الخروج من النفق المظلم الذي يجعل الطائفية التعبير الأساسي عن الصراع السياسي والاجتماعي في هذا البلد. وقد اندلعت الاشتباكات، بين التابعين للطائفة العلوية المقربة من حزب الله، والسلفيين من السنة، في طرابلس كبرى مدن شمال لبنان، مخلفة ورائها الاشتباكات التى اسفرت عن تسعة قتلى وعشرات من المصابين.
وبالرغم من توقف الاشتباكات ونجاح الجيش في السيطرة على المنطقة، واجتماع قادة الطوائف والمذاهب في قصر بعبدا للتشديد على خطوة استخدام السلاح، لكن تكرار مثل تلك الحوادث يظل أمراً شديد الاحتمال. فقد أظهرت الأحداث الأخيرة، التي استخدمت فيها قذائف الهاون والأسلحة الرشاشة بغزارة— أن عملية التسليح قائمة على قدم وساق لدى الطرفين. ولا تقتصر عمليات التسلح تلك على العلويين والسنة، بل أنها تمتد لكافة الطوائف من دروز وموارنة بتياراتهم المختلفة.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن إغفال الدور الخارجي في إشعال النزاع الطائفي. وفيما يتعلق بالنزاع الأخير، أشار المراقبون إلى أهمية الدور السعودي في تأجيجه. فالسعودية تشعر بخطر انحسار دورها في لبنان بعد اتفاق الدوحة الذي وقع في مايو الماضي وأنهى أزمة سياسية استمرت عاماً ونصف العام بين الموالاة والمعارضة. وقد أثر هذا الانحسار على مدى ثقة الأمريكيين في كفاءة الدور السعوي. من ناحية أخرى، يهدد التقارب الفرنسي السوري الأخير نفوذ السعودية في توجيه سياسة المنطقة ولبنان. ومن هنا تأتي أهمية تأجيج النزاع الطائفي لوضع نهاية لحالة الاستقرار النسبي، لإعاقة تنفيذ بنود الاتفاق. والنهج السعودي في تشجيع وتسليح الجماعات السلفية كي تمثل معادلاً لنفوذ حزب الله. وقد طبقت السعودية هذه السياسة في مخيم نهر البارد قبل نحو عام حينما سلحت ومولت الميليشيات السلفية هناك. ويرجح المراقبون تصاعد الاهتمام السعودي بتعزيز الميليشيات السنية، حيث أظهرت تجربة سيطرة حزب الله على بيروت والجبل قبل أشهر قليلة، الخلل الهائل في موازين القوى بين الحزب والقوى الأخرى بما فيها الجيش اللبناني، وهو ما يجعل مسألة تعزيز المليشيات السنية أمراً ملحاً حتى لا تتكرر تلك التجربة في مناطق أخرى.
على صعيد آخر، تشير تطورات الوضع السياسي في لبنان إلى أن خلافات أساسية بين قوى الموالاة والمعارضة، لم يتم حسمها بعد. ولا تقتصر المسألة على الحقائب الوزارية حيث تطالب تيارات في المعارضة بحقائب سيادية، وإنما المسألة الأهم في النظام الانتخابي، حيث أن التوزيع الحالي للدوائر الانتخابية يأتي في صالح قوى الرابع عشر من آذار التي تمثل الحكومة.
وفي ضوء هذه العوامل، يصبح خطر النزاع الطائفي وارداً طوال الوقت، ويصبح أبسط خلاف بين أشخاص ينتمون لطوائف مختلفة، مهدداً باندلاع اشتباكات طائفية عنيفة. غير أن انحسار الصراع الطائفي في لبنان يظل رهناً بتجاوز المطالب الطائفية إلى مطالب اجتماعية أوسع، يمكنها أن تجمع الفقراء من سنة وشيعة ودروز وموارنة، ضد الذين يتسببون في فقرهم، ويجعلونهم وقوداً لمعاركهم. وهنا تأتي مسئولية حزب الله، الذي يحظى بالشعبية الأكبر داخل لبنان، والذي يمثل سلاحه الحماية الأساسية للبنان في مواجهة تهديد أمريكا وإسرائيل وحلفائهما. لكن إحجام الحزب حتى هذه اللحظة عن رفع المطالب الاجتماعية والدفاع بلامساومة عن الحركة العمالية ومصالح الفقراء، يجعل من المستبعد أن يشهد المستقبل القريب انخفاضاً في حدة النزاع الطائفي في لبنان.