14 نوفمبر:
الإضراب العام يجتاح أوروبا

شهد يوم 14 نوفمبر إضراب الملايين من العمال في جميع أنحاء أوروبا لم يسبق له مثيل في التحدي والتضامن، شارك فيه أربعون نقابة عبر 23 بلداً، حيث شُلت إسبانيا والبرتغال تماماً بينما شهدت اليونان وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا ومالطة وقبرص وبلدان أخرى العديد من الاحتجاجات والإضرابات عن العمل. كان قد دعا اتحاد نقابات العمال الأوروبي لهذا التحرك الشامل ضد إجراءات التقشف التي دمرت حياة الملايين عبر أوروبا منذ بداية الأزمة الاقتصادية في 2008.
إن هذا الإضراب هو رأس الجبل الجليدي للمقاومة التي تجتاح أوروبا، ففي الشهر الماضي شارك ما يصل إلي مليون شخص في المظاهرات بإسبانيا وقام الآلاف بمحاصرة الكونجرس الإسباني تحت شعار “إحتلوا الكونجرس”، وفي البرتغال تظاهر آلاف الطلاب والنقابيون يوم 15 أكتوبر خارج البرلمان ضد مشروع ميزانية عام 2013، كما شارك عشرات الآلاف في مظاهرات ضد التقشف في روما، وفي اليونان قام ما يزيد عن المئة ألف شخص بمحاصرة مبنى البرلمان يوم 7 نوفمبر بعد يومين من الإضراب.
وفي 14 نوفمبر، خلت السكك الحديدية والمطارات والمتاجر والمصانع من الناس في حين امتلأت مراكز المدينة بالمتظاهرين واللافتات ووحدات الاتحادات في عرض صارخ لإمكانية العمال في قيادة تحدي حقيقي للتقشف، لقد أضرب ما يزيد عن 50 % من عمال القطاع العام في البرتغال واندلعت الاحتجاجات في 39 مدينة، وتحولت المظاهرات إلي اشتباكات حول البرلمان في لشبونة حيث كان يناقش النواب تخفيضات الموازنة في 2013 وقامت الشرطة بمهاجمة الحشود باستخدام الهراوات.
انطلقت الإضرابات في إسبانيا مع حلول منتصف الليل، وقدرت النقابات نسبة المشاركة بين القوى العاملة في الصناعات الرئيسية بحوالي 76 %، حيث انضم مئات الآلاف لمسيرات عبر البلاد ولإحتجاجات أصغر استمرت لبعد منتصف الليل. وفي صباح يوم 14 طوقت ثلاث طبقات من الأسوار وشرطة مكافحة الشغب مبني الكونجرس في مدريد.. يا له من مثال واضح على صحة الديمقراطية الأوروبية! بينما قاد سائقي سيارات الأجرة من خلال الحشود ملوحين بأعلام الاتحاد ومزمرين بأبواق سياراتهم في حين لم يشاركوا رسمياً في الإضراب.
“لقد كان أكثر الإضرابات شمولية على مستوى البشرية، فالمحلات التي ظلت مفتوحة كانت تغلق بمجرد مرور المسيرة أمامهم” على حد تعبير أحد شهود العيان. إن كل بنوك إسبانيا وأجهزة الصرف الآلي التي كانت مغطاه من قبل برسومات الجرافيتي والملصقات ببساطة قد أضيف إليها طبقة أخرى بعد أحداث 14 نوفمبر، أما في أستيورياس فقد سدت الحواجز المشتعلة الشوارع الرئيسية والتقاطعات في مشاهد تذكر بإضراب عمال المناجم الملهم الذي استغرق شهراً في وقت سابق من هذا العام.
في إيطاليا، عقد عمال أكبر اتحاد للنقابات إضراباً استمر أربع ساعات واحتل المتظاهرون الشوارع من تورينو إلي باليرمو مما أدي إلي توقف الرحلات الجوية والقطارات، كما احتُل برج بيزا وقام المتظاهرون بتزيينه بلافتة مكتوب عليها “إنهضوا. لن ندفع ثمن أزمتكم”، واندلعت الفوضي في روما وتدفق الغضب إلي حروب الشوارع مع فرق مكافحة الشغب الإيطالية صاحبة السمعة السيئة التي هاجمت جميع المتظاهرين في أنحاء البلاد بالغاز المسيل للدموع والهراوات. “إنه يوم صحوة أوروبا – من روما إلي مدريد لأثينا” على حد قول ماريو نوبيل، أحد الطلاب المشاركين في المظاهرة خارج مكتب رئيس الوزراء ماريو مونتي، كما قدم مراسل الجارديان التقرير التالي:
“كان الطلاب في الخطوط الأمامية في مسيرات صاخبة وعنيفة في بعض الأحيان ضد إجراءات التقشف، احتل المتظاهرون خطوط السكك الحديدية في بيرشيا ونابولي، وتم غلق مداخل ميناء العبارات في جنوة، وشهدت تورينو وتريستا وباليرمو إحتجاجات أيضاً، كما في بادوا حيث اصيب شرطيان خلال الإشتباكات، بينما سار 10 آلاف شخص في بولونيا، وفي بيزا علق المتظاهرون اللافتات أعلى برج بيزا المائل، ووقعت اشتباكات في مدينة ميلانو بينما رفع المتظاهرون في مدينة فينيسيا راية “أنتم تصنعون الأموال من ديوننا” على أحد البنوك.
التقشف
تتزايد الميول ضد رئيس الوزراء ماريو مونتي بينما يضرب نظام التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية في البلاد بفأس التقشف، فقد تم زيادة سن التقاعد وتخفيض المعاشات التقاعدية بشدة. وصلت البطالة رقماً قياسياً خلال عشر سنوات مع 36 % على الأقل من الشباب عاطلين عن العمل، وقد تنبأ المحللون بأن القادم هو الأسوأ.
في إسبانيا والبرتغال تم تخفيض أجور موظفي الخدمة العامة بنسبة تصل إلي 20 % وتم خفض الحد الأدني للأجور في اليونان إلي النصف، مما يعادل 5 يورو في الساعة، تهدد تخفيضات الموازنة في اليونان نصف المستشفيات بالإغلاق، والملايين في إسبانيا غير قادرين على دفع تكاليف الأدوية الأساسية، وتم إغلاق وخصخصة مئات المستشفيات، وتتم تخفيضات التعليم والخدمات الحيوية في سياق متصل مع سرعة زيادة البطالة في بلدان كاليونان وإسبانيا حيث نسبة البطالة 25% وأكثر من 50% بين الشباب.
إن الشيء الذي لم تتمكن تلك الأرقام من التقاطه هو اليأس المطلق لكثير من الناس في أوروبا، الشئ الذي جعل الإضرابات والاحتجاجات عبر القارة أكثر مرارة على نحو متزايد، فمنذ بداية الأزمة تضاعفت معدلات الانتحار في اليونان، وامتدت ملاجئ المشردين لأكبر مما تتحمل سعتها كما يتم التخلي عن مئات الأطفال وتعريضهم للتبني لأن أسرهم أصبحت غير قادرة على ضمان معيشتهم.
تمثل أزمة السكن النقطة المحورية للغضب والبؤس في إسبانيا، فمبعدل يومي يتم طرد أكثر من 500 شخص من منازلهم بالرغم من أن ربع المنازل في البلاد شاغرة، إن شعار “التقشف يقتل” الذي حملته لافتات عديدة في مظاهرات 14 نوفمبر هو حقيقة مؤرقة، ففي الشهر الماضي انتحر شخصان على وشك مواجهة الإخلاء والتشرد، أعقبت حالات الانتحار تلك إحتجاجات جماهيرية وواصلت حركة الإيندجنادوس ضد الإخلاء تحركاتها في محاصرة ومكافحة عمليات الإخلاء من جميع أنحاء البلاد، وقد تفاقمت سخافة أزمة السكن الإسبانية بحصول بانكيا، البنك المسئول عن 80 % من عمليات الإخلاء على 19 مليار دولار ضمن خطة الإنقاذ من الحكومة في وقت سابق من هذا العام.
لقد أفسح اليأس مجالاً للغضب في الإضراب العام الأوروبي في 14 نوفمبر، وهذه خطوة في الإتجاه الصحيح، الإتجاه الوحيد للخروج من مأزق الأزمة الحالية، فقد قام الملايين الذين أوقفوا القارة في مساراتها بفرض البديل في تضامن وقوة لم يسبق لها مثيل، وعلى حد تعبير أحد متظاهري لشبونة “إنها نهضة شعوب العالم، نستطيع أن نفعلها معاً”.
* المقال باللغة الإنجليزية من موقع منظمة البديل الاشتراكي بأستراليا