الهجمة الإسرائيلية على غزة وحقيقة المساعي التركية
أثار دخول تركيا على خط الأحداث عقب إشعال إسرائيل الموقف في غزة الكثير من علامات الاستفهام. فقد كان مفهوما أن زيارة “إيهود أولمرت” لتركيا قبيل بدء العمليات جاءت من باب الترضية الإسرائيلية المسبقة لتركيا، وتثبيتا لوضعية العلاقات المتميزة بين الطرفين “التي لن تتأثر سلبا بما ستقدم عليه إسرائيل لاحقا”.
وفي المقابل، كان مفهوما الغرض من زيارة “تسيبي ليفني” للقاهرة قبيل بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية بيومين، من زاوية إطلاقها لرسائل الإنذار والتهديد الإسرائيلية من القاهرة قلب العروبة، وهي تقف بجانب وزير خارجية مصر، دون أن يبدي الأخير استهجانه للهجة الوعيد، أو حتى اندهاشه لإطلاق ضيفته لها من القاهرة، تلك الرسائل الموجهة بالأساس إلى “حماس” وقوى المقاومة الفلسطينية والعربية، وللخط السياسي المقاوم المتبلور لدى جمهور الشارع العربي بشكلٍ عام، بما يحمله ذلك الإطلاق لتلك الرسالة الإسرائيلية الواضحة والإستفزازية من معان، لعل من أبرزها أن إسرائيل أصبحت القوة السياسية الرئيسية في المنطقة، وأن زيارة ليفني إنما جاءت لضمان ولاء الموقف المصري إزاء ما ستقدم عليه إسرائيل من خطوات عنيفة ضد فلسطينيي غزة بعد أقل من يومين من تلك الزيارة.
ولكن ما كان ملتبسا ويثير علامات الاستفهام هو دخول تركيا بعد تفجر الأحداث كوسيط بين الطرفين المتصادمين على رقعة غزة الجغرافية والسياسية: الطرف الذي تمثل مصالحه وتحظى بتأييده ودعمه إسرائيل (إسرائيل نفسها وحليفتها أمريكا ودول “الاعتدال” العربي)، والطرف الذي تمثل مصالحه وتحظى بتأييده حماس (قوى المقاومة الفلسطينية والعربية وجمهور الشارع الفلسطيني والعربي المعادي لخط التسوية السلمية مع إسرائيل).
تاريخ أسود
فمن المعلوم أن السياسة الرسمية التركية، منذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن، وعلى مدار ما يزيد عن خمسة وخمسين عاما، لا تتوافق مع مصالح الشعوب العربية من عدة جوانب: مثلا الخلاف المستعر لعقود بين سوريا وتركيا بخصوص الحدود والمياه والنزاع على لواء الإسكندرونة (حطاي)، والذي لم تتم تنحيته مؤقتا باتفاق الطرفين سوى في السنوات الثلاث الأخيرة فقط.
ثم أن تركيا كانت من أوائل دول العالم التي اعترفت بدولة إسرائيل (في 28/3/1949) قبل أن تجف الدماء العربية النازفة في حرب 1948. وهي كذلك انضمت عام 1952 لحلف الأطلسي وفتحت 26 منشأة عسكرية أمريكية على الأراضي التركية، وذلك كرد فعل لتغير الأوضاع في مصر عقب حركة الضباط الأحرار في العام نفسه. ثم انضمت عام 1955 لـ”حلف بغداد” المعادي لنزعة الاستقلال المتنامية لدى الشعوب العربية آنذاك. ووقعت اتفاق صيانة الطائرات العسكرية التركية في ورش جيش الدفاع الإسرائيلي في 1956، وتلا ذلك تأييدها للعدوان الثلاثي على مصر الذي لعبت فيه إسرائيل دورا رئيسيا.
ليس هذا فقط، بل إن تركيا صوتت في الأمم المتحدة ضد استقلال الجزائر 1957، في تناقض مع مصالح ورغبات الشعب العربي في التحرر. وهي أيضا وفرت للقوات الأمريكية كل نواحي الدعم والمساندة إبان التدخل الأمريكي في لبنان عام 1958 متحدية مشاعر الغضب الجماهيري العربية وقتها، ما حولها إلى قاعدة رئيسية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
أما إبان الحرب العراقية الإيرانية، سبتمبر 1980/ أغسطس 1988، تلك الحرب التي استنزفت طاقات شعوب البلدين بلا طائل، فقد وقعت تركيا اتفاقا سريا مع إسرائيل، تم بموجبه تزويد إيران الخميني الإسلامية بالأسلحة الإسرائيلية عبر تركيا، مقابل هجرة اليهود الإيرانيين لإسرائيل، عبر تركيا أيضا.
وإبان العدوان الإسرائيلي على لبنان في 4/6/1982 تعاونت تركيا وإسرائيل في مواجهة ما أسمياه بالإرهاب. فتعاونت أجهزة مخابرات الطرفين في برامج استخباراتية مشتركة أدى فيها كلٌ الخدمات للآخر، فاستفادت تركيا من المعلومات التي حصلت عليها من إسرائيل حول الحركات الكردية والأرمنية والتركية المعارضة الناشطة آنذاك في الساحة اللبنانية، متوافقة ومتحالفة مع حركة التحرر الوطني الفلسطيني والجبهة الوطنية التقدمية اللبنانية، في مقابل ما قدمته تركيا لإسرائيل من معلومات استخباراتية مماثلة عن النشاط الفدائي الفلسطيني.
تُوج ذلك كله بالإعلان في مارس 1996 عن اتفاق شراكة وحلف عسكري إسرائيلي/ تركي، تناول كل نواحي العلاقات العسكرية على كافة المستويات بين الطرفين، من صفقات سلاح إسرائيلية إلى تركيا، إلى صيانة معدات وطائرات عسكرية وخلافه، إلى تبادل خبرات ومعلومات وتعاون على المستوى الاستخباراتي العسكري والتقني ، وما إلى ذلك من مختلف المجالات العسكرية التي ضخت للاقتصاد الإسرائيلي ما يزيد عن عشرين مليار دولار خلال السنوات الخمس التالية للاتفاق المذكور.
وفي مقابل التعاون التركي مع إسرائيل، على خلفية اتفاق الشراكة العسكرية، وبغية التقارب وتوثيق العلاقات الإسرائيلية مع تركيا، قدمت إسرائيل خدمتها الأساسية للحكم التركي، بضلوعها في التخطيط والترتيب والتنفيذ لمؤامرة اعتقال القائد والزعيم الكردي “عبد الله أوجلان”، بتدبير مؤامرة طويلة انتهت باختطافه من نيروبي في 15 فبراير/ شباط 1999 وتسليمه لتركيا، حيث نفذت تلك المؤامرة المخابرات الإسرائيلية (الموساد) بالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية ومشاركة العديد من الأجهزة الاستخباراتية والجهات الأمنية والدبلوماسية العربية والأوروبية الصديقة لإسرائيل.
وهناك كذلك الدور النشط الذي لعبته تركيا على مدار أكثر من سنتين للتقريب بين سوريا وإسرائيل، بإدارة مباحثات سرية بين الطرفين بهدف استدراج الحكم السوري لجوقة دول “الاعتدال” العربي الخاضعة للإرادة السياسية الإسرائيلية، وأيضا تغافل الحكم التركي لكل المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني طوال سنوات ما بعد الانتفاضة الثانية، التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني بين شهيد وجريح، فضلا عن غض الطرف عن العدوان الوحشي الإسرائيلي الأسود على الشعب اللبناني في 2006.
ألاعيب تركية
بعد استعراض الموقف التركي من القضايا العربية الذي يفضح بجلاء التوجه الثابت والمتصاعد للتعاون مع إسرائيل، يثور سؤال حول محددات الموقف التركي المتشدد ضد اسرائيل حيال الأزمة الأخيرة. فقد اعتبر “رجب طيب أردوغان” أن الاعتداء الإسرائيلي الجاري على غزة يمثل “إهانة للدولة التركية”، ليس لارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، وليس لأنه مصادرة إسرائيلية لحرية اختيار الشعب الفلسطيني لقيادته السياسية وخطه السياسي المقاوم والمستقل، وإنما لأن إيهود أولمرت “استغـَـفـَّـلَ” أردوغان، بعد أن قطع له وعدا خلال زيارته الأخيرة لتركيا، ستة أيام قبل بدء الضربة الإسرائيلية لقطاع غزة، بالتعاطي مع رؤية “أردوغان” المقترحة بدخول تركيا كوسيط بين حماس وإسرائيل ودراستها مع مجلس الوزراء الإسرائيلي. فما هي محددات الموقف التركي حيال الأحداث الملتهبة في غزة حاليا؟
طموح تركيا إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مع إدراكها بأن ذلك لن يتحقق إلا عبر البوابة الإسرائيلية، خاصةً بعد اتخاذ الاتحاد الأوروبي قرارا في 8/12/2008 بتعزيز علاقته مع إسرائيل، دفع تركيا للعب دورا يخدم في محصلته النهائية المصالح الإسرائيلية في الأزمة الأخيرة في غزة، وإن كان مغلفا بالنوايا الطيبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
فقد تلقـفـت تركيا زيارة “أحمد أبو الغيط” لأنقرة عقب بداية الحملة الإسرائيلية بدهشة. حيث قدمت مصر لتركيا خدمةً غير متوقعة بدفعها للمشاركة في إدارة الأحداث الجارية بالمنطقة دون طلب من تركيا ذاتها. وكأن مصر قد تنازلت عن الدور المأمول منها عربيا كقيادة إقليمية وقدمته لتركيا طواعيةً. وسرعان ما طورت تركيا دهشتها إلى فعلٍ مباشر. فسارع أردوغان بمباشرة جولته في المنطقة، حيث لم يحمل مبادرة تركية خاصة لحل الأزمة الأخيرة، وإنما حمل تصور دول الاعتدال العربية في المنطقة (المؤيدة للتهدئة مع إسرائيل وعقد اتفاقات المصالحة معها)، ذلك التصور الذي يحقق الأهداف الإسرائيلية في النهاية، والذي ارتكز على مقترحات وزير الخارجية المصري بـ(وقف “طرفي” الصراع لإطلاق النار، وعودة “الطرفين” للتهدئة، وفتح المعابر بين غزة وإسرائيل، مقابل رفع الحصار).
إلا أن أردوغان طوَّر المقترح الثالث إلى (فتح جميع المعابر، بما فيها معبر رفح، مع عرض نزول قوات تركية لتنفيذ ذلك، إن لزم الأمر!) على أمل أن تقبل حماس ومصر بهذا التعديل الذي يحل الخلاف بين الطرفين فيما يتعلق بهذه النقطة.
مثلت زيارة “أحمد أبو الغيط” وزير الخارجية المصري لتركيا إعلانا بعدم قدرة الدبلوماسية المصرية على مواصلة وساطتها بين المقاومة المسلحة الفلسطينية باعتبارها قوة تحررية وقوة الاحتلال الإسرائيلية، بل وترشيحا مصريا لتركيا وتزكيةً لها لخلافة مصر للقيام بهذا الدور، خاصةً وأن السياسة التركية مرتبطة عضويا بإسرائيل، وطموحات الطرفين في المنطقة مشتركة استراتيجيا وتخدم التوجهات السياسية لدول “الاعتدال” العربية. وهو ما منح فرصة ذهبية لانطلاق المساعي الدبلوماسية التركية في المنطقة لدى كافة الأطراف، سواء محور “الاعتدال” العربي، أو محور “الممانعة”، بما يضمن نشاطا سياسيا تركيا في قلب المنطقة وتوسيعا لتواجدها السياسي الذي تطمح لتنميته في مواجهة نمو التواجد الإيراني المتزايد في العراق والمنطقة بأسرها، خاصة مع تحالفها مع الحكم السوري ودعمها لقوى المقاومة اللبنانية، ذلك الأداء السياسي الذي بات يتضرر منه محور “الاعتدال” العربي على الملأ وبلا مواربة، ويؤرق كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فضلا عن تركيا ذاتها.
مثلت زيارة أردوغان للمنطقة ابتداءً بدمشق صمام أمان هام بالنسبة لتركيا لمنع انهيار الوساطة التركية بين إسرائيل وسوريا إثر الهجوم الإسرائيلي العنيف على “حماس” حليف سوريا، ووصول تلك الوساطة إلى نقطة اللا عودة، بسبب دعم سوريا لـ”حماس” في الوقت الذي تحتفظ فيه تركيا بعلاقة مميزة مع إسرائيل. فقد بادر أردوغان بنفسه، مستبقا بذلك الموقف السوري، بإعلان وقف وساطته في المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب كرد فعل للعدوان الإسرائيلي على غزة، معقبا على ذلك بزيارته لدمشق كأول محطة له في المنطقة، الأمر الذي يضمن استمرار الصلة الوثيقة بين تركيا وسوريا. وفي الوقت نفسه فإن العلاقات التركية الإسرائيلية لن تتأثر سلبا بتلك التصريحات التركية النارية ليقين تل أبيب برسوخ علاقتها الاستراتيجية بأنقرة، فضلا عن أن الموقف التركي إنما ينطلق من قاعدة تحقيق مصالح دول “الاعتدال” في المنطقة، ولن يقطع أشواطا في اتجاه محور “الممانعة” لتحالف ذلك المحور مسبقا مع إيران وهو ما يناقض الطموحات التركية في المنطقة، الأمر الذي يضمن لتركيا إمكانية إعادة تفعيل وساطتها بين دمشق وتل أبيب مستقبلا بسلاسة ودون حساسية من جانب دمشق حيال أنقره، وذلك حين تهدأ الأمور ويصبح الظرف السياسي مواتيا لإستكمال تلك المساعي.
حسابات داخلية
عقب اندلاع الهجمة الإسرائيلية في 27/12/2008، شهدت عدد من المدن الكردية الواقعة ضمن النطاق السياسي للدولة التركية (باطمان وغيرها) تظاهرات احتجاجية منددة بوحشية العدوان الاسرائيلي، تبعتها تظاهرات في إستانبول وأنقرة والعديد من المدن التركية أكدت على نفس الموقف التضامني الشعبي مع جماهير غزة في محنتهم. وهذا أمر لم يغفله أردوغان، فأطلق تصريحاته المنددة بالعدوان الإسرائيلي تلبية لمطالب الشارع التركي. ثم انطلق في جولته المكوكية في المنطقة العربية مغازلا مشاعر الناخبين الكردي والتركي ومستجيبا لرغبته باعتباره “يهب” لوقف نزيف الدم الفلسطيني وإنهاء العدوان الإسرائيلي، آملا في حشد الأصوات الانتخابية في الانتخابات البلدية في مارس/ آذار 2009 لصالح حزبه (حزب العدالة والتنمية)، التي يزاحمه عليها عدوه الأول “حزب العمال الكردستاني” المتحالف مع “حزب المجتمع الديمقراطي”، حيث يحظى تحالفهما بثقل كبير في المناطق الكردية بشرق ووسط وجنوب تركيا، بل وفي بعض الدوائر الانتخابية في أنقرة وإستانبول نفسيهما، حيث يشكل هذا التحالف تهديدا حقيقيا لأردوغان، علاوة على المنافسة الشرسة بين “حزب العدالة والتنمية” والأحزاب القومية التركية التقليدية المدعومة من الجيش والدوائر القضائية في غرب تركيا.
فاقد الشيء
وأخيرا، علينا أن نؤكد أن “فاقد الشيء لا يعطيه”! ونحن هنا نعني تركيا المداهنة الفاقدة أي احترام لحقوق الشعوب في التحرر.
فقد أعلن “حزب العمال الكردستاني” في 7/12/2008 تجميد عملياته العسكرية في المناطق الكردية شرق تركيا لمدة تسعة أيام، هي فترة عيد الأضحى، أسوة بمبادرة مماثلة اتخذها الحزب نفسه في عيد الفطر الماضي، في محاولة منه لإتاحة فرصة لتنشيط الحلول السلمية للمشكلة الكردية في تركيا، تلك الحلول التي لم يكف ذلك الحزب عن الدعوة لها منذ سنوات لإنهاء المظالم التي يعانيها الأكراد من تعسف الحكومات التركية المتعاقبة بخصوص حقوقه القومية والثقافية والتاريخية. فما كان من الجيش التركي، وبدعم ومساندة غير محدودة من الحكومة التركية برئاسة “أردوغان/ جول”، إلا أن واصل قصف المناطق الكردية شرق ووسط تركيا بالمدفعية والطيران (الإف 16 والكوبرا)، موقعا خسائر فادحة بالمدنيين والقرويين الأكراد، فحطم مدارسهم ومساجدهم ودورهم، وقضى على مواشيهم وأغنامهم، وأشعل النار في غاباتهم، غير عابيء بآلام هؤلاء البسطاء ولا بحقوقهم الإنسانية، وبنفس النهج البربري الذي تمارسه إسرائيل ضد أهالي غزة في حملتها الأخيرة.
واستمرت عمليات الجيش التركي دون توقف، وبتعاون وتنسيق مع قصفٍ مماثل من الجانب الإيراني على نفس المناطق بدعوى محاربة ما يطلق عليه الطرفان: إرهاب “حزب العمال الكردستاني”، والحزب المقرب منه في شرق كردستان “حزب الحياة الحرة” (البيجاك)، مع تجاهل تام لإعلان قوات “حزب العمال” وقف عملياتها. ومن اللافت أن تتواجد بعثة عسكرية إسرائيلية في مدينة “باطمان” منذ أكثر من عام تشارك بخبرتها العسكرية في تنسيق هذه الحملة العسكرية التركية على المناطق الكردية، التي يتواجد فيها “حزب العمال الكردستاني” بدعوى التعاون مع الحكومة التركية ضد الإرهاب، مع إمداد إسرائيل لتركيا بطائرات (إف 16 وكوبرا وهيرون) والتعاون مع الجيش التركي في تشغيل وتوجيه تلك الطائرات لمهاجمة المناطق الكردية التي يشكل “حزب العمال الكردستاني” القوة السياسية الأولى فيها.
هذا الموقف يتماثل بكل دقة مع ما تمارسه القوات الإسرائيلية مع أهالي قطاع غزة، وبالأساليب نفسها، والوحشية ذاتها، وتحت نفس الادعاءات. ولا عجب في هذا، فكلا النظامين (التركي والإسرائيلي) تحكمه نفس المعايير والتوجهات العنصرية المعادية لحقوق الشعوب. إلا أن المثير للدهشة هو ما صرح به “رجب طيب أردوغان” في مؤتمرٍ صحفي أعقب لقاءه بالقيادة المصرية في شرم الشيخ. حيث قال إن بلاده ستحاول وقف العدوان على غزة من خلال عضويتها المؤقتة في مجلس الأمن. وجدد أردوغان دعوة بلاده إلى وقف فوري لإطلاق النار، مؤكدا أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي مظالم تتم ممارستها في المنطقة. ويثور هنا سؤال يؤرق ضمير كل حر ومنصف: ألا تقع كردستان في “المنطقة”؟ ألا يمثل قصف الجيش التركي حاليا للقرويين الكرد وتحطيم حياتهم “مظالم”؟، ألا يجدر “بالطيب أردوغان” إيقاف المجازر التركية ضد الشعب الكردي قبل أن يحاول وقف مجازر أصدقائه الإسرائيليين بحق الشعب العربي في غزة، كي تكتسب مساعيه مصداقية حقيقية أمام شعوب المنطقة؟ حقا إن “فاقد الشيء لا يعطيه” والازدواجية السياسية هي انتهازية لا تنطلي على أحد!