بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الحركات الاجتماعية في فرنسا اليوم

الانتصار الذي حققته الحركة الاجتماعية في فرنسا مؤخرا بسحب الحكومة مشروع “عقد العمل الأول” كان الأول من نوعه منذ عد سنوات. تنظر دينا حشمت إلى نجاحات وإخفاقات هذه الحركة في السنوات الأخيرة، ملقية الضوء على طبيعة الهجمة الليبرالية الجديدة وأشكال التصدي لها.

فرنسا بلد الإضرابات

ليس شعبنا هو الوحيد الذي ينتابه هذا الشعور بالقلق إزاء حركة الخصخصة المتسارعة يوماً بعد يوم. فإذا كان هذا الشعور يشمل جميع شعوب الأرض تقريباً ـ باستثناء شعوب قليلة مثل الشعب الفنزويلي ـ فإنه يشمل أيضاً شعباً مثل الفرنسيين، بالرغم من أن النظام الاجتماعي الفرنسي قد يبدو لنا كواحد من أكثر النظم حفاظاً على حقوق العاملين والمواطنين بشكل عام، وبالرغم من المقاومة التي يقوم بها هذا الشعب في مواجهة سياسات الليبرالية الجديدة، والتي كانت آخر محطاتها حركة الاجتجاج ضد قانون عقد العمل الأول.

وليس هذا القانون في الحقيقة إلا تتويجاً لعدد من القوانين هدفها توسيع رقعة العمل المؤقت وغير المستقر، وإدخال تعديلات جذرية على تنظيم العمل نفسه، حتى في القطاعات التي تحظى باستقرار نسبي. فعلى سبيل المثال، قدمت حكومة جوسبان “اليسارية” القانون الخاص بالعمل 35 ساعة في الأسبوع، باعتباره سيشكل خطوة مهمة في مواجهة البطالة، ولكنه يسمح بحساب ساعات العمل المطلوبة على أساس شهري أو سنوي وليس يومي، مما يؤدي إلى مرونة شديدة في مواعيد العمل وإخضاع إيقاع حياة العامل كلها لاحتياجات السوق وليس حسب عقد عمل متفق عليه مسبقاً. وبالطبع فإن الشباب هم أول القطاعات المستهدفة في هذه العملية. وكانت من أولى محاولات الهجوم عليهم في 1994، هي السعي لفرض “عقد الدخول في الحياة المهنية”، الذي كانت فكرته فرض حد أدنى للمرتب مختلف (أقل طبعاً) للشباب بحجة مواجهة البطالة. ولكن حكومة بلادور اليمينية اضطرت آنذاك إلى التراجع في مواجهة حركة الإضرابات والمظاهرات الواسعة.

وكل هذه الخطط في مجال العمل ترتبط في الحقيقة ارتباطاً وثيقاً بـ “الإصلاحات” العديدة التي يحاولون إدخالها في مجال التعليم، بدءاً من سنة 1986، حيث حاولت الحكومة تحويل نظام التعليم العالي من نظام قومي إلى نظام إقليمي مفتت يرسي الفرق بين الجامعات بهدف إقامة نظام تعليم عالٍ على مستويين، أحدهما جيد والآخر منخفض المستوى وذلك إضافة إلى رفع رسوم الجامعة. لكن رغم أن هذا المشروع قد تم وقفه بعد قيام الجامعات بتنظيم إضراب عام ومظاهرات عنيفة، لقي فيها الطالب مالك أوسيكين حتفه، فإن ذلك لم يمنع الحكومة من محاولة تمرير العديد من المشاريع أو القوانين التي تصب في نفس الاتجاه، أي تفتيت نظام التعليم الجامعي من أجل إخضاعه لاحتياجات السوق، بل وحتى لاحتياجات تلك الشركة الكبيرة الموجودة في هذا الإقليم أو ذاك. ومن ثم فإن برامج وتخصصات هذه الجامعة أو تلك أصبحت تُحدد وفقاً لاحتياجات الشركات التي توجد في نفس الإقليم، وهو ما جعل الطلبة لا يحصلون على تعليم يفيدهم بشكل عام في المجتمع، ولكن على تعليم متخصص جداً في مجال معين فقط.

لكن يبقى الهجوم الأكثر شراسة هو ذلك المتعلق بخصخصة القطاع العام. وكانت البداية عبر خصخصة قطاع الاتصالات، فرانس تليكوم، وقطاع الغاز والكهرباء، وإغلاق 6000 مكتب بريد، ثم بالطبع الهجوم على التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي. فهكذا تطبق الطبقة الحاكمة الفرنسية سياسة “إجماع واشنطن” وهي بمثابة وصفة الليبراليين الجدد التي أقرت في بداية التسعينيات.

الانقسام والعنصرية

يقترن هذا الهجوم بهجوم أيديولوجي شرس أساسه النظر لكل المكتسبات التي حصلت عليها الطبقة العاملة خلال أكثر من قرن من النضال على أنها “ترف” لا بد من “التضحية” به من أجل خلق فرص عمل للشباب والعاطلين. فالموظفون في القطاع العام، هم حسب هذا الخطاب، “محظوظو” هذا العصر، فهم كسالى لأنهم لا يعيشون تحت تهديد الفصل اليومي الذي يعيشه القطاع الخاص*. ويستهدف هذا الخطاب ـ وهو ليس إلا حيلة من حيل البرجوازية القديمة ـ خلق الانقسام بين عمال القطاع العام والقطاع الخاص، وبين العاملين والعاطلين، وبين النساء والرجال. وأخيراً وليس آخراً، لأن هذا من أهم مرتكزات الخطاب الإيديولوجي حالياً، بين “فرنسيين” ومهاجرين. فالعنصرية هي سمة مشتركة لأغلب الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية، من اليمين المتطرف إلى اليسار الحكومي، مروراً بأحزاب اليمين الجمهوري. وهذه العنصرية ليست موجهة فقط ضد المهاجرين من الجيل الأول، ولكن أيضاً ـ وربما أساساً ـ ضد شباب الجيل الثاني والثالث الذين يعيشون في جيتوهات ضواحي المدن الكبيرة.

وفي هذا الإطار حاول ساركوزي، في أوج انشغال الرأي العام بقضية قانون عقد العمل الأول، تمرير قانون جديد حول الهجرة، هدفه هو قصر الهجرة على القطاعات “المفيدة اقتصادياً” فقط. ولكن الأحداث أظهرت مرة أخرى أن أجواء الحركة الاجتماعية تجعل من الأسهل التصدي لكافة مستويات الخطاب العنصري. فقد نُظمت مظاهرة يوم 2 أبريل الماضي ضد هذا القانون بدعوة من أكثر 350 جمعية ومنظمة وحزب سياسي. وظهرت هذه السمة أيضاً في الإضراب العام الذي شل القطاع العام لمدة أكثر من شهر سنة 1995، ضد قانون جوبي لتغيير نظام التأمينات. فقد رفعت هذه الحركات شعارات تطالب بالمساواة في المعاملة بين الطلبة الفرنسيين والأجانب. وشكل إضراب 1995 لحظة من لحظات التضامن التلقائي في الشارع في مواجهة المتاعب ـ التي كم كانت تبدو خفيفة آنذاك بالرغم من حجم الإرهاق المرتبط بها ـ الناتجة عن شلل المواصلات العامة في القطر كله، إلى جانب إضراب المدارس والجامعات والمستشفيات.

وبعد هذا الإضراب بنصف العام (صيف 1996)، اندلعت مظاهرات الغضب عندما قام البوليس بفض اعتصام المواطنين بدون أوراق sans papiersالذين كانوا يحتلون كنيسة سان برنارد في قلب أحياء باريس الشعبية.

إلا أن حركة التمرد الأخيرة في الضواحي في نوفمبر 2005، بعد موت شابين أثناء ملاحقة بوليسية، أظهرت ضعف، بل وغياب، آليات التواصل بين هؤلاء الشباب وجميع أطراف الحركة الاجتماعية والسياسية في فرنسا، بما في ذلك منظمات اليسار الراديكالي والجمعيات التي تعمل في أوساط المهاجرين. وهذا يمكن إرجاعه، من وجهة نظرنا، إلى عدة أسباب. الأول هو عنف الهجمة الليبرالية التي أدت إلى تفشي البطالة وتهميش قطاعات كاملة من شباب الطبقات المطحونة في المجتمع، الذين ينتمي أغلبهم إلى أولاد المهاجرين. والسبب الثاني هو عدم قدرة الحركة العمالية على وقف الهجمة الليبرالية وعلى فرض تشغيل هؤلاء الشباب العاطلين بالرغم من الانتصارات العديدة التي حققتها. والسبب الثالث هو اكتفاء معظم القطاعات المهمة في داخل الحركة السياسية والثقافية ـ ربما باستثناء عدد محدود من المنظمات الراديكالية ـ برفع شعارات عامة حول العنصرية بدلاً من تبني شعارات ملموسة تعكس الاضطهاد الذي يعيشه هؤلاء الشباب في حياتهم اليومية، سواء عند محاولتهم الحصول على عمل أو على سكن، أو الدخول في أي أماكن للسهر. وهنا تظهر مشكلة أخرى في فرنسا اليوم، وهي الارتباك واللَبس المقترنان بقضية اضطهاد المسلمين، كمسلمين، وليس فقط كمهاجرين، وهي القضية التي لا تنجح في تبنيها أي من المنظمات الموجودة، وهذا يعود لأسباب ترتبط بتاريخ العلمانية في فرنسا لا يتسع المجال هنا للخوض فيها.

أزمة النقابات

قد يفسر لنا ما سبق لماذا وقع تمرد شباب الضواحي في عزلة تامة عن باقي الحركة الاجتماعية الفرنسية. لكن إذا كانت هذه واحدة من أهم مشاكل تفتت الحركات الاجتماعية في فرنسا فإنها ليست الوحيدة. فهناك أيضاً مشكلة النقابات، التي لا زالت حتى الآن تعاني من ضعف رهيب. فالاشتراك في نقابة ليس إجبارياً في فرنسا ولا يشترك في النقابات سوى 10% من العاملين، أغلبهم في القطاع العام. هذا إلى جانب أن هذه النقابات مرتبطة ارتباطاً عضوياً بأحزاب اليسار الحكومي، فأهم نقابة في فرنسا وهي الاتحاد العام للعمل CGT مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالحزب الشيوعي الفرنسي. ومن ثم فعندما شارك هذا الحزب في حكومة جوسبان بدءاً من عام 1997، توقف الاتحاد العام للعمل عن تبني نفس نهج المواجهة الحاسمة مع الحكومة، بل على العكس كان يدعو إلى “الانتظار” و”ترك الفرصة للحكومة” لكي تبدي “نواياها الحسنة”. وهذا ما يفسر أن وتيرة الخصخصة كانت أسرع أثناء حكومة جوسبان مما كانت عليه تحت حكومة جوبي اليمينية، ويفسر أيضاً أن قيادة هذا الاتحاد لم تقم بدور يذكر لتنظيم الحركة ضد المساس بنظام التأمينات الاجتماعية سنة 2003، ولا في حركة العاملين في قطاعي الفن والثقافة والبحث الأكاديمي. وكثيراً ما تعكس المسيرات الشخصية للقيادات النقابية طبيعة هذه النقابة. فبرنارد تيبو أحد قادة عمال السكة الحديد الذين شكلوا قاطرة الإضراب العام سنة 1995، والذي كان يحظى بشعبية واسعة جداً أثناء الإضراب، أصبح بعد توليه رئاسة الاتحاد العام للعمل يتبنى خطاباً أكثر اعتدالاً بكثير.

الاستقلالية النقابية

لكن إذا كان ضعف النقابات من ناحية وارتباطها بأجهزة الأحزاب الإصلاحية الكبيرة من ناحية أخرى يشكل بمعنى ما عائقاً أمام تطور الحركة الجماهيرية، فإنه يفتح بمعنى آخر هامشاً لأشكال من التنظيم الذاتي أثناء الإضرابات المختلفة. وهذا ما يميز بشكل خاص الحركة الطلابية، منذ عام 1986 وحتى الآن. فتحركات الطلاب الفرنسيين لا تقتصر فقط على تنظيم المظاهرات والإضرابات عن الدراسة والاعتصامات داخل “أعرق” الجامعات أو المدارس العليا في باريس، وإنما تنتقل التحركات الطلابية إلى الطرق العامة وأمام القطارات وداخل المطار. كما أن هناك اجتماعات تنسيقية على مستوى قومي تجمع مندوبين من كافة الجمعيات العمومية التي تمثل الطلاب المضربين في مختلف جامعات فرنسا. ومن المفترض أن هذه الـ “جمعية التنسيقية” هي التي تناقش وسائل استمرار الكفاح، وهي التي تنتخب لجنة تذهب للمفاوضة مع الحكومة إن لزم الأمر، وهي التي تقرر استمرار الإضراب أو وقفه، وهي التي تقرر تنظيم مظاهرات متفرقة في المحافظات أو مظاهرة واحدة في باريس، وهي التي تقر مطالب الحركة. والطلاب هم الذين يتحملون نفقات تسيير هذه الأشكال من التنظيم الذاتي بأنفسهم. فسنة 1995 مثلاً كان الطلاب الذين يحضرون كممثلين عن الجمعيات العمومية في الأقاليم (التي يصل عددها إلى 5000 طالب) كانوا يأتون مرة في الأسبوع، مساءاً، إلى باريس بالطائرة ـ التي يغطي تكلفتها الـ5000 طالب من خلال جمع تبرعات فيما بينهم ـ كي يتمكنوا من حضور الجمعية العمومية صباح الغد في جامعتهم لطرح تقرير عما حدث في باريس.

وإذا كان هذا الشكل من التنظيم الذاتي يميز الوسط الطلابي فإنه ظهر أيضاً بأشكال جنينية أثناء عدد من الكفاحات العمالية، ومن أشهرها نضال الممرضات سنة 1988، الذي اضطر فيه رئيس الوزراء آنذاك أن يستقبل وفداً ممثلاً للجنة التنسيقية للإضراب. ولكن بشكل عام، فإنه عندما تحدث الإضرابات في القطاع العام (السكة الحديد، الطيران، التعليم، ..الخ) لا تجد أشكال التنظيم الذاتي لنفسها سبيلاً بسبب النفوذ المهم للنقابات التقليدية هناك.

لكن حتى في تلك القطاعات ظهرت منذ أكثر من 10 سنوات ظاهرة جديرة بالاهتمام، وهي ظاهرة النقابات الجديدة، التي شُكلت لأول مرة في قطاع البريد سنة 1993، بعد طرد عدد من اللجان النقابية من الاتحاد الفيدرالي للعمل CFDT، بسبب اتخاذهم مواقف أكثر جذرية من القيادة. فقد بادرت هذه اللجان بتشكيل اتحاد بديل، تحت اسم “سود SUD” (جنوب) وتدل الأحرف الأولى إلى الكلمات الثلاث “تضامن” و”وحدة” و”ديمقراطية”. “تضامن” لأن هذه النقابة تدعو إلى التضامن بين كل المستغَلين والمضطهدين في المجتمع، وليس فقط في قطاع معين. لذا اتخذت خطوات ملموسة في دعم اعتصامات المهاجرين بدون أوراق، واشتركت في تأسيس حركة للعاطلين عن العمل بعكس الاتحادات التقليدية التي لا تتحرك حول هذه القضايا بسهولة. و”وحدة” لأنها تدافع عن الوحدة كسبيل وحيد لمواجهة هجوم الرأسمالية. و”ديمقراطية” لأنها شرعت بالفعل في ترسيخ ممارسات مختلفة نوعياً فيما يخص إدارة العلاقة بين النقابة وجموع العمال من غير المنتمين إلى النقابات، من ناحية، وإدارة الجهاز النقابي نفسه، من ناحية أخرى. لذلك فقد اتخذت عدداً من الخطوات في هذا المجال، منها عدم تثبيت النقابيين المتفرغين لفترات طويلة، والاعتماد على “نصف المتفرغين”، لضمان استمرار التواصل بين المتفرغين ووسطهم المهني، ومنع ظهور جهاز بيروقراطي منفصل عن هموم ومطالب العمال، إلى جانب تجديد القيادة بشكل دوري وعدم تعيين “رئيس” للنقابة” بل متحدث باسمها يتغير نحو كل عامين.

وهكذا حمست هذه التجربة قطاعات واسعة من النقابيين المستائين من أداء النقابات التقليدية الذين راحوا يؤسسون فروع لـ “سود” في قطاع الاتصالات والسكة الحديد، والطيران، والتعليم، إلى جانب الفرع الرئيسي في البريد. واستطاعت هذه النقابة بدورها أن تلعب دوراً في الدفاع عن أشكال التنظيم الذاتي التي تظهر خلال الإضرابات المختلفة. وتراكمت خبرة هذه المجموعات النقابية المختلفة، سواء فيما يخص التنسيق فيما بينها، أو تبني مشاريع بديلة في مواجهة المشاريع التي تحاول الطبقة الحاكمة في فرنسا فرضها في المجالات المختلفة، أو تبني قضايا كل المضطهدين بشكل مختلف عما تفعله النقابات التقليدية. فمثلاً اتخذ تيار “مدرسة للجميع”، وهو تيار داخل إحدى هذه النقابات الجديدة في مجال التعليم FSU مواقف عديدة ضد طرد البنات المحجبات من المدارس. وقد لعب اليسار الراديكالي ـ من التروتسكيين والفوضويين ـ دوراً محورياً في تأسيس هذه النقابات الجديدة. كما أدى وجود عدة تيارات أيديولوجية، وأعضاء لا يتبنوا بالضرورة أية أيديولوجية، داخل تلك النقابات إلى ضمان استقلاليتها عن المنظمات النشطة داخلها، وهو الشيء الوحيد الذي ضمن فعاليتها كأداة في مواجهة غول الرأسمالية المتوحشة.

اليسار الراديكالي

وإذا كان صعود هذه النقابات الجديدة يعبر عن صعود وتيرة الصراع الطبقي فيما بعد عام 1995، وعن تنامي رفض سياسات اليبرالية الجديدة الذي ظهر جلياً من خلال رفض الدستور الأوروبي في مايو 2005، وكذلك عن تنامي الحذر من النقابات القديمة التي تَبين في العديد من المرات أنها لا تدافع عن مصالح العمال، فإن هذه الظواهر ذاتها كان لها انعكاسها على المستوى السياسي. فبعد عام 1995، أخذ نفوذ أهم مجموعتين في اليسار الراديكالي في فرنسا يتنامى، سواء في الانتخابات أو في النفوذ سياسي داخل الحركات الاجتماعية المختلفة. ظهر هذا أثناء انتخابات الرئاسة عامي 1995 و2002 (حيث حصل المرشحان عن منظمات اليسار الراديكالي على حوالي 10% من إجمالي الأصوات)، وانتخابات البرلمان الأوروبي لسنة 1998. إلا أنه لا يوجد تزامن ما بين تزايد وتيرة الاحتجاجات العمالية والاجتماعية المختلفة وبين تزايد النفوذ السياسي لليسار الراديكالي. فحجم هذه الاحتجاجات أكبر عملياً من التنظيمات السياسية القائمة، ولم تترجم نفسها بعد في حزب عمالي طبقي جماهيري. لكن هذا الحزب لن يُبنى إلا من خلال تسارع وتيرة الاحتجاجات الحالية، والتي لن تنجح بدورها في صد هجمة الليبرالية الشرسة إلا من خلال هذا النوع من الأحزاب، القادر على تبنى مطالب المستغَلين والمضطهدين، وشن حملة أيديولوجية وسياسية واسعة ضد دعاة الليبرالية الجدد، ودفع الطبقة العاملة الفرنسية للتخلي عن موقعها الدفاعي والتعبئة من أجل مكاسب جديدة.

ـــــــ
* يهيمن القطاع الخاص في فرنسا على معظم الصناعة الثقيلة. ويتميز القطاع الخاص هناك بأنه أقرب إلى صحراء نقابية، حيث أن عدد اللجان النقابية فيه قليل للغاية، بسبب سياسة الفصل التي كثيراً ما تطول النقابيين فور إعلان تشكيل لجنة نقابية جديدة أو تنظيم أي حدث احتجاجي.