بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الإخوان والسلفيون في تونس: أصدقاء ضد الشعب

لم تتوقف المظاهرات والاحتجاجات الشعبية بالشوارع التونسية منذ أن هرب الديكتاتور وحتى بعد الانتخابات وتنصيب حكومة من المفترض أن تحقق أهداف الثورة. ومع كل المواجهات الشعبية التي استمرت حدتها طيلة الفترة الماضية يتكشف مدى العوار لدى السلطة الحاكمة الجديدة في جدية تنفيذ الوعود وتحقيق المطالب الاجتماعية. أحداث سليانة الأخيرة أظهرت نفس التخاذل الذي أعاد إلى الأذهان مشاهد انتفاض الجماهير بمواجهات دامية مع قوات الأمن راح ضحيتها عشرات الشباب ممن فقدوا عيونهم وآخرين معتقلين.

لم يتوقف الحراك عند سليانة بل عم الإضراب أربع ولايات وسارت مسيرة غير مسبوقة في صفاقس بلغت 200 ألف مشارك، فيما قرر الاتحاد العام التونسي للشغل توسيع الإضراب ليشمل كامل أنحاء البلاد بعد أسبوع، في خطوة تصعيدية جديدة في مواجهة الحكومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية وميليشياتها من السلفيين الذين هاجموا مقر الاتحاد.

وبقدر ما طرحت أحداث سليانة قوة الاحتجاجات التي امتدت لإضراب عام لعدة أيام، بقدر ما أظهرت بقوة الدور السلبي للسلفيين، بالإضافة إلى سابقه، في التمثيل الصارخ للثورة المضادة والتصدي بوضوح للمطالب الاجتماعية للجماهير.

وجهان لعملة واحدة

قد لا يعكس الحراك القمعي الذي يتصدره السلفيون على الساحة السياسية مؤخراً قلة أعدادهم مقارنة بالتيارات الأخرى، كما لم تكن هناك أي توقعات على الجانب الآخر بزيادة عددية مرتقبة وقبول أوسع للأفكار ترسخ قيم العنصرية والعنف. عمليات الاستيلاء على الممتلكات الخاصة ومداهمة المنازل والأملاك العامة مثلا وطرد إمام مسجد واستبداله بآخر سلفي، كذلك الضغط على التلميذات من أجل ارتداء الحجاب ونعت من ترفض بالكفر، ظهرت مع ظهور السلفيين بالساحة السياسية منذ اختزلت الأنظمة السابقة تحركاتهم، إلا إنه لوحظ تزايد حدة أعمال العنف بوضوح مع اعتلاء الإسلاميين الحكم، الأمر الذي يطرح العلاقة بين التيار المعتدل ونظيره المتشدد بل ويمتد لأسئلة، في ضوء أحداث سليانة، حول علاقتهما بالحراك الجماهيري وأهداف الثورة.

الحقيقة أن الأعداد القليلة للسلفيين لا تمثل أوراقاً انتخابية لدى التيار المعتدل بقدر بقاءها مسماراً قوياً لهم في كرسي السلطة؛ فالشعب الذي ثار ضد عقود التعذيب والاضطهاد واستطاع ضرب القبضة الأمنية الحاكمة لم تهدأ ثورته حتى الآن، كما لم تعد ترهبه مطاردات قوات الأمن ومحاكماته التعسفية. لعل ذلك يمثل مأزقاً عميقاً بل تهديداً صريحاً لاستقرار التيار الإسلامي الذي عانى كثيرا طيلة العقود الماضية في اعتراك الحياة السياسية حتى الوصول لتلك المرحلة بالتحكم في مفاصل السلطة والدولة.

الجماعات السلفية هنا كانت الاختيار الأكثر تميزاً لدى حركة النهضة المسماه زوراً بالتيار المعتدل، فهي الجماعات القادرة على انتهاج أساليب العنف المنظم كما كان بأحداث العبدلية منتصف يونيو الماضي حيث تم مهاجمة معرض للفن التشكيلي من قبل سلفيين ثم تطورت إلى أحداث عنف منظمة بعدد من مناطق البلاد وبشكل متزامن من جندوبة إلى حي التضامن وأريانة وحي الانطلاقة والمرسى، وهي نفس الميليشيات الملتحية المسلحة التي عمدت قوات الأمن التابعة لوزير الداخلية النهضاوي للاستعانة بهم في فض مظاهرات يوم الشهداء 9 أبريل الماضي وقامت بحفلات تعذيب المتظاهرين واعتقالهم.

حركة النهضة التي أظهرت تذبذباً واضحاً حيال الحراك السياسي بين القوى السياسية المختلفة بالتعنت مرة وبالتخاذل مرة أخرى، استطاعت على الجانب الآخر ترويض الحركة السلفية على خلفيتهما الإسلامية في مواجهة التيارات الليبرالية واليسارية، بل واسترضاء التيار السلفي “حديث العهد بالسياسة!” بالإفراج عن معتقليه برغم إثبات تورطهم بأحداث شغب وترويع للآمنين وتكسير محال أو مداهمات للبيوت، حتى وصفهم راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة بأنهم “يبشرون بثقافة جديدة ويذكرونه بشبابه!”، وهو ما قد يفسر عدم استهداف السلفيين خلال الأيام الماضية لمقار حزب النهضة والاكتفاء باستهداف مكاتب الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الجمهوري وحركة الوطنيين الديمقراطيين. إنها نفس الميلشيات التي ارتضتها النهضة في ضرب المعارضين.

إلا أن التواجد السلفي على الساحة لا يعني فقط بالنسبة لحركة النهضة أداة لضرب المعارضين بل تلميع صورة الحركة باعتبارها التيار المعتدل مقارنة بالتيار السلفي الأكثر تشدداً وخاصة الجهادي الذين خاطبهم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري للانتفاض من أجل فرض تطبيق الشريعة في تونس، وهو ما تم بالفعل من مجموعة عمليات إرهابية بالجنوب تم استيعابها سريعاً وفقاً لتصريحات وزير الداخلية.

الإسلاميون يتحدون أهداف الثورة

وبرغم حالة الصدام التي تصل لحد إسقاط نظام النهضة من قبل المتشددين السلفيين من جهة أن الديمقراطية كفر وأن كل من يحكم بغير ما أنزل الله هو طاغوت وجب التصدي له في إشارة إلى تصفية إقامة الدولة الإسلامية ومشروع الخلافة بسياسات النهضة، إلا أن الصدام الذي يتوقعه البعض، بل ويراهن عليه، بين التيار المعتدل ونظيره المتشدد حول تطبيق الشريعة يبدو متأخراً كثيراً عن اتفاق كليهما بالدخول في صراع مع قوى الحراك الشعبي وعرقلة المسار الثوري. لعل تلك الاختلافات تبدو منعدمة تماماً مع اشتداد الصراع الطبقي وصعود الحراك الاجتماعي حيث يتم تبديل الوجه المعتدل التي حاولت سلطة التيار المعتدل تصديره إلى وجه أكثر تشدداً يتشابه تماماً مع نظيره السلفي في عنصريته بل ويتشابه أيضاً مع النظام السابق الذي حاول مراراً اصطناع الفتن الطائفية والتفرقة العنصرية ثم الارتكاز عليها.

سلاح التخوين والتكفير مثلاً الذي صدرته السلطات الإسلامية الحاكمة في كل من مصر وتونس وقت تصاعد الحراك المطالب بالمحاكمات والتطهير تم توجيهه إلى المعارضين والمنتفضين من أبناء الثورة في حين لم يجرؤ أحدهم على توجيهه إلى ناهبي الشعب وقاتليهم في اتباع دقيق لنفس أساليب النظام السابق بزرع الفتن الطائفية المتعمدة. يحدث ذلك بالتوازي مع ترقية المتهمين بقتل المتظاهرين كالمنصف العجيمي، جزار الشرطة، ملحقاً بديوان وزير الداخلية القيادي البارز بالنهضة الإسلامية، كما لم يتم حتى الآن تطهير المجلس الأعلى للقضاة الذي تم تعيينه مباشرة من بن علي، وبناء عليه لم يتم حسم قضايا استدعاء الرئيس الهارب ومحاكمته.

وفي ظل الثورة الأولي التي أشعلت ثورات المنطقة وأظهرت الدور النضالي للمرأة ومطالبها في المساواة والعدالة الاجتماعية، فاجئنا حزب الانفتاح والوفاء ذو التوجه السلفي بقانون اعتماد نظام الجواري، وأن ينص الدستور التونسي الجديد على “حق كل تونسي في اتخاذ جارية إلي جانب زوجته، والتمتع بما ملكت يمينه”، حيث وجد رئيس الحزب أن ذلك هو “الحل الأنجع لإعادة التوازنين الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع التونسي”!. كان هذا في الوقت الذي يطالب عمال تونس بحد أدنى للأجور بأقوى الإضرابات التي لم يسبق لها مثيل.

هنا اتحد الإسلاميون في توجيه الضربات القاصمة للمطالب الشعبية ليس فقط لقمع الحركة التي اختزلتها في شكل المعارضين لشرعية السلطة بل لحالة الافتقار التي اعترت السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تختلف في جوهرها عن سياسات النظام السابق المخلوع، كذلك التورط والاستعانة برموز كبيرة شاركوا في صنع جرائم أكبر ضد الشعب الثائر أمثال محافظ البنك المركزي وقيادات القوات الأمنية والهيئات القضائية على سبيل الاستعانة من خبراتهم!

حدة الصراع ستزداد قوة بين الشعب المنتفض والسلطة الجديدة الحاكمة التي تغيرت فقط في شكلها واعتمدت بشدة على الأفكار الرجعية العنصرية بما ينبئ تصاعد مطالب اجتماعية شعبية واسعة وقدرة أكبر على مواجهة أفكار كانت قد قامت الجماهير الثائرة لتحطيمها. وهل تستطيع أي قوة سياسية الوقوف ضد مطالب الشعب؟