بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

2009 عام الأزمة

الإمبريالية والصهيونية والمقاومة

جاء انتخاب باراك أوباما في نهاية عام 2008 ليبعث آمال الكثيرين في المنطقة والعالم بإمكانية حدوث تغير في سياسة الإمبريالية الأمريكية. غير أنه سرعان ما اتضح أن التغير كان في أفضل الأحوال تغيرًا في الخطاب، لا المضمون. وتعرض السطور التالية للتطورات التي شهدها العام فيما يخص علاقة الإمبريالية بالمنطقة وإلى أي مدى نحجت أو فشلت خططها، وكذلك التغيرات التي حدثت فيما يتعلق بوضع المقاومة وخططها والتحديات التي تواجهها.

كانت البداية في فلسطين. فقبل أيام ثلاثة على نهاية العام السابق، شنت إسرائيل عدوانها الوحشي على قطاع غزة، والذي امتد للأسابيع الأولى من العام الجديد. وكانت حصيلة الحرب 1400 شهيد فلسطيني معظمهم من المدنيين، وإصابة الآلاف، وتدمير آلاف المنازل إضافة إلى المستشفيات والمرافق والمنشآت. وإذا تتبعنا موقف الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية، نجد أنها على صعيد الخطاب المعلن، وعدت بالتدخل لدفع المفاوضات في الشرق الأوسط على أساس من حل الدولتين. ودعا أوباما والمسئولون الأمريكيون إسرائيل إلى وقف الاستيطان. غير أنه الناحية العملية، لم تمارس الإدارة ضغوطًا تُذكر على الدولة الصهيونية من أجل إجبارها على وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، في الوقت الذي توسعت فيه إسرائيل في بناء المزيد من المستوطنات في ظل حكم ائتلاف اليمين المتطرف تحت رئاسة نتنياهو، وأصرت على أن التفاوض يجب أن يبدأ من دون شروط مسبقة. وقد مَثَل هذا الموقف والصمت الأمريكي تجاهه حرجًا للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، وأضطرها إلى التمسك برفض استئناف المفاوضات.

ومن جانبها، لم تقم الإدارة الأمريكية الجديدة باتخاذ أية خطوات جدية في اتجاه حل الدولتين، مما كان مصدر خيبة أمل لحلفائها في المنطقة، وللسلطة الفلسطينية بشكل خاص. لكن ذلك لم يمنع من التعاون الأمني بين الأمريكيين وقوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث تناقلت الصحف مؤخرًا أن مسئولين أمنيين أمريكيين يشاركون قوات الأمن الفلسطينية في تعذيب أعضاء من حركة حماس في الضفة الغريبة.

في الوقت نفسه، حرصت الإدارة الأمريكية على الحيلولة دون التوصل إلى اتفاق للمصالحة الفلسطينية. حيث أكد المبعوث الأمريكي جورج ميتشل خلال زياراته المتكررة للأراضي الفلسطينية بوضوح لمحمود عباس ورئيس حكومته سلام فياض أن الوقت ليس ملائمًا للتوصل إلى اتفاق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية أو لجنة مشتركة من فتح وحماس للإشراف على قطاع غزة. وفي تطور أخير، يقوم سلاح المهندسين في الجيش الأمريكي بالإشراف على بناء سور تحت الأرض بين قطاع غزة ومصر، وهي الخطوة التي من شأنها تعريض المليون ونصف المليون فلسطيني في القطاع إلى الهلاك، بالنظر إلى أن الأنفاق تمثل المنفذ الوحيد لنقل الغذاء والدواء إلى القطاع.

وفي ظل هذا الوضع، يبدو وضع المقاومة الفلسطينية بالغ الصعوبة، وربما أصعب من أي وقت مضى. فبعد أن فشل العدوان على غزة في تحقيق هدفه الأساسي وهو القضاء على حماس وحركات المقاومة الأخرى، تعاونت إسرائيل وأمريكا والنظام المصري في استخدام سلاح الحصار من أجل خنق القطاع وتجويع شعبه، ودفع هذا الشعب إلى الإطاحة بحكومة حماس. لكن السؤال هو إلى مدى يمكن أن تنجح هذه الخطط، حيث يشير العديد من المراقبين إلى خطورة هذا النهج، من منطلق أن الإصرار على تجويع الشعب الفلسطيني قد يغذي خيار المقاومة بدلاً من أن يضعفه.

وإذا انتقلنا إلى لبنان، فقد كانت الانتخابات البرلمانية بمثابة ضربة موجهة للمقاومة، حيث حصلت قوى الرابع عشر من آذار الموالية للولايات المتحدة ومعسكر الاعتدال في المنطقة على 71 مقعدًا في مقابل 57 مقعدًا لقوى الثامن من آذار بقيادة حزب الله. ومن الصحيح أن الولايات المتحدة دعمت قوى الرابع عشر من آذار بقوة، وأعلنت أن المساعدات المقدمة للبنان سوف تتوقف على هوية الحكومة اللبنانية. وفي الوقت نفسه، تم استدعاء العديد من اللبنانيين المهاجرين الموالين لمعسكر الرابع عشر من آذار للتصويت. لكنه لا يمكن تجاهل مسئولية المقاومة عن نتيجة الانتخابات. فمازالت المقاومة تعتمد على الدعم الطائفي، أي على المساندة الواسعة التي تلقاها من جانب شيعة لبنان، في الوقت الذي تتجنب فيه تبني رؤى ومواقف اجتماعية تجعلها تتجاوز تمثيلها الطائفي وتصبح مشروعًا سياسيًا واجتماعيًا لجموع اللبنانيين.

وعلى صعيد الموقف في العراق، فيمكن القول إنه الأكثر تعقيدًا. فقد شهد هذا العام حدثين أساسيين، أولهما انسحاب القوات الأمريكية من المدن في نهاية يونيو الماضي، وثانيهما إعلان أوباما بأن بلاده سوف تنهي عملياتها القتالية في العراق، أي ستسحب غالبية قواتها، بحلول نهاية أغسطس 2010 ـ بدلاً من نهاية ديسمبر 2011 ـ وتترك فقط من بين 35 ألفًا إلى 50 ألفًا من الجنود الأمريكيين لعمليات التدريب والحماية والمشاركة في بعض العمليات ضد الإرهاب. ويستهدف أوباما من هاتين الخطوتين إقناع الشعب الأمريكي بأن بلاده تسعى بالفعل للخروج من العراق. وفي الخطاب الذي أعلن أوباما خلاله عن نيته لتقديم موعد انسحاب القوات الأمريكية، أكد أن أمريكا تريد العراق أن “يكون حليفًا يمكن الاعتماد عليه”، أي أنه يريد نظامًا شبيه بنظام شاه إيران. لكن في حقيقة الأمر، يبدو هذا الهدف بعيد المنال.

لا يمكن تجاهل حقيقة أن عمليات المقاومة ضد القوات الأمريكية انخفضت بشكل نوعي هذا العام، سواء بسبب مجالس الصحوة التي دربتها ومولتها القوات الأمريكية للتصدي للمقاومة في المناطق السُنية، أو بسبب انسحاب القوات الأمريكية من المدن إلى القواعد، وهو ما يعني عدم القيام بدوريات أو المشاركة المباشرة في حملات الدهم والتفتيش ـ بالرغم من القوات الأمريكية استمرت في توجيه قوات الأمن العراقية نحو الأماكن التي ينبغي مهاجمتها، وكذلك القيام بالتغطية الجوية للهجمات. لكن ذلك لا يعني أن أمريكا قد حققت أهدافها في العراق، حيث إن وجود حليف يمكن الاعتماد عليه يتطلب درجة من الاستقرار يصعب أن نتصور إمكانية تحققها في العراق في المستقبل القريب. فمن جهة، بعدما تخلت القوات الأمريكية عن قوات الصحوة، بدأت الأخيرة في حمل السلاح ضد قوات حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي. وفي الوقت نفسه، تحظى هذه الحكومة بعلاقة عدائية مع مقتدى الصدر وجيش المهدي الذي يتزعمه. في الوقت نفسه، يسعى الأكراد إلى توسيع نطاق سيطرتهم على شمال العراق، مما يضعهم في مواجهة مع الحكومة العراقية. وفيما يتعلق بوضع قوات الأمن العراقية، فهي مازالت محدودة الكفاءة والتدريب، إلى جانب كونها منقسمة على أساس طائفي. وعلى صعيد الوضع الاجتماعي في العراق، مازالت البطالة والفقر ونقص الخدمات تحول حياة السكان إلى حجيم. ولاشك أن الوضع في العراق بالغ الخطورة، وأن لا أحد يمكنه التنبؤ بما سيحدث في هذا البلد خلال العام القادم. لكنه في كل الأحوال، يواجه السيناريو الأمريكي الخاص بوجود “حكومة دمية” يمكن من خلالها تلبية المصالح الأمريكية صعوبات كبيرة.

وأخيرًا، عاد الوضع في أفغانستان ليحتل الصدارة فيما يتعلق بأولويات الإمبريالية الأمريكية في المنطقة، حيث أصبح هذا البلد مجددًا يمثل مشكلة كبيرة. فقد فشلت قوات الناتو في القبض على أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري أو قتلهما. وتصاعدت المقاومة التي تلقاها قوات حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان. وحتى بداية الشهر الجاري، بلغ عدد القتلى من الأمريكيين 299 ومن البريطانيين 99 جنديًا. وتمثل منطقة القبائل على الحدود الباكستانية الأفغانية مصدر قلق كبير بالنسبة لقوات الناتو، لأنها المنطقة التي يتمركز فيها المسلحون. وعلى الصعيد السياسي، ضربت حكومة الرئيس حامد كرزاي مثلاً في الفساد والمحسوبية، مما كان مصدر استياء الأمريكيين أنفسهم الذين مع ذلك ليس من السهل أن يجدوا بديلاً.

وعلى أمل أن يتم السيطرة على أفغانستان، قرر أوباما زيادة عدد القوات الأمريكية بمقدار 30 ألف جندي، بينما يطالب القادة الأمريكيون في الميدان بالمزيد. وبفعل أراضي أفغانستان الوعرة والكراهية التي يشعر بها الشعب تجاه الأمريكيين نتيجة الغارات الجوية المتكررة التي تقتل العشرات من المدنيين، تواجه القوات الأمريكية وقوات الناتو مقاومة ضارية، وهو ما جعل ألمانيا وفرنسا ترفضان إرسال المزيد من القوات، بينما تقوم كندا ودول أخرى بسحب قواتها على مراحل.

أخيرًا، يمكن القول إن هناك عقبات كؤودة في طريق الإمبريالية لتحقيق أهدافها. لكن المقاومة تواجه تحديات ليست أقل خطورة. ذلك أن إصرار حماس على أن تلعب المقاومة والحكومة في آن واحد كلفها الكثير، بينما أخذ عزوف المقاومة اللبنانية عن تبني مشروع اجتماعي والوقوف ضد مشروعات الخصخصة من رصيدها الشعبي. وفي افغانستان، فإن الممارسات التي تقوم بها طالبان في المناطق التي تسيطر عليها تضعف الآمال بأمكانية أن تمثل المقاومة خيارًا تقدميًا يمكن أن يلتف حوله الشعب الأفغاني. وفي كل الأحوال، يتوقف مستقبل المقاومة في الفترة القادمة على قدرتها على تطوير خطابها وممارساتها في ضوء هذه التحديات.