بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

لماذا فشلت المصالحة الفلسطينية؟

كان مفترضًا أن يتم توقيع اتفاق المصالحة الوطنية في 25 أكتوبر، وهو اليوم الذي ينتهي فيه تفويض الرئاسة والبرلمان الفلسطينيين، وفقًا للقانون الفلسطيني. وكان تراجع حماس عن التوقيع على الاتفاق قبل أيام من الموعد المحدد دافعًا لاتهاما بالمسئولية عن إجهاض المصالحة الوطنية الفلسطينية، واتخاذ موقف السلطة الفلسطينية بشأن تقرير جولدستون كذريعة لعدم التوقيع على الاتفاق.

غير أن المعلومات التي جرى الكشف عنها خلال الأيام الماضية تشير إلى أن المسألة تتجاوز موقف السلطة الفلسطينية من إرجاء مناقشة تقرير جولدستون في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ـ وهو ما تم التراجع عنه لاحقًا بفعل الضغوط الداخلية التي تعرضت لها السلطة. فقد ذكرت الأنباء أن رفض التوقيع على الاتفاق ارتبط بقيام مصر بعدد من التغييرات على صيغة الاتفاق التي لم يكن قد اتفق عليها من قبل. فمن ناحية، جرى إضافة فقرة إلى الاتفاق تمنع تشكيل أي تكوينات عسكرية بخلاف سلطات الأمن الفلسطيني، وهو ما يعني حظر الأجنحة العسكرية لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية ـ وليس حماس وحدها. من ناحية أخرى، نصت النسخة الجديدة من الاتفاق على أنه يتعين على جهاز الأمن العام التابع للسلطة الفلسطينية التنسيق مع الدولة الصديقة لمواجهة أي أفعال من شأنها تهديد السلام والأمن الداخلي، وهو يعني التنسيق مع الدول صاحبة المصلحة في مواجهة حركات المقاومة. وثالثًا، حذفت الوثيقة في نسختها الأخيرة فقرة تؤكد على سلطات اللجنة متعددة الفصائل التي سوف تتولى إدارة قطاع غزة لحين عقد الانتخابات.

وإضافة إلى ذلك، تقدمت حماس بعدة مطالب تتعلق بعدم الإشارة إلى اللجنة الرباعية في الاتفاق وتعهد الدول العربية بدعم الحكومة التي ستأتي عبر الانتخابات القادمة.

ومن جانبهما، حملت كل من الحكومة المصرية والسلطة الفلسطينية حماس مسئولية إجهاض المصالحة. لكن هل تتحمل الحركة بالفعل المسئولية عن وقف العملية؟ وهل من مصلحة الحركة استمرار الوضع الإنساني البائس في قطاع غزة؟

أولاً، من الثابت أن حماس قدمت تنازلات فيما يتعلق بقضية المعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بالرغم من إصرارها في السابق على أن يتم الإفراج عن جميع المعتقلين كجزء من أي اتفاق يتم التوصل إليه.

لكنه ينبغي من أجل إدراك معنى ما يحدث في قضية المصالحة الأخذ في الاعتبار الموقف الأمريكي ـ الإسرائيلي من هذه القضية. فقد أشارت مصادر مصرية وفلسطينية مسئولة إلى أن المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشيل أبلغ محمود عباس ورئيس حكومته سلام فياض أن الولايات المتحدة لا ترى أن اللحظة الحالية مناسبة لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية. وهددت الإدارة الأميركية بوقف التعامل مع السلطة واعتبارها كيانا غير صديق إذا ذهبت للمصالحة الفلسطينية بالقاهرة دون أن تضع شروط اللجنة الرباعية بالحسبان. وأشارت بعض المصادر إلى أن ميتشيل قد أبلغ مصر عدم ترحيب الولايات المتحدة بتوقيع اتفاق المصالحة في الوقت الراهن، وهو ما قد يفسر التعديلات التي جرى إدخالها على وثيقة المصالحة كي تصبح مقبولة من الطرف الأمريكي. ذلك أن النظام المصري يرغب في إنهاء الانفصال الحالي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى لا يصبح مطالبًا بتحمل أية مسئولية في تخفيف العبء الشعب الفلسطيني المحاصر في القطاع، وحتى يتخلص من «الإمارة الإسلامية في غزة» بما تمثله من تهديد على النظام المصري في صراعه مع التيار الإسلامي، خاصة مع احتمال تصاعد الصراع بين الحكومة والإخوان المسلمين خلال الشهور القادمة استعدادًا للانتخابات.

وفي ظل ما سبق، فإن الأطراف صاحبة المصلحة في عدم التوصل إلى اتفاق للمصالحة تتمثل في أمريكا وإسرائيل، لأن مثل هذا الاتفاق يرفع الخناق عن غزة ويوقف الحصار عن شعبها وعن حماس. والسلطة الفلسطينية ، ليست على استعداد لخسارة تدفق المساعدات الأمريكية، كما لا يضيرها كثيرًا استمرار الوضع في غزة على ما هو عليه حتى تحين اللحظة التي تجعل في الإمكان القضاء على المقاومة. وتشير التطورات الحالية إلى أن الوضع الفلسطيني سوف يشهد المزيد من التأزم في الفترة القادمة، في ظل احتمالات دعوة عباس إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في يناير القادم، وهي الخطوة التي تؤيدها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية، حيث إن من شأنها تكريس الوضع الراهن بين غزة والقطاع و استمرار حصار حماس وتجويع الشعب الفلسطيني.