لماذا هُزم شافيز؟
بالقطع تعد الهزيمة التي لحقت بشافيز في الاستفتاء الأخير هي اللطمة الأشد التي تلقاها منذ أن بدأ في حكم فنزويلا عام 1999، لكنه خلافاً لمزاعم الإعلام الأمريكي، لم تكن تلك الهزيمة تعبيراً عن “انتصار الديمقراطية في مواجهة الاشتراكية”.
هذه الادعاءات تتجاهل حقيقة مهمة، وهي أن شافيز وضع التعديلات كلها في حزمة واحدة، بمعنى أنه جعل الإصلاحات الاجتماعية التي كان ينوي تطبيقها بموجب التعديلات الدستورية مشروطة ببقاؤه في الحكم مدى الحياة، وتعزيز السلطات الممنوحة له. فإلى جانب الموافقة على خفض ساعات العمل إلى ست ساعات ومنع التفرقة على أساس النوع أو الدين، كان على الشعب أن يوافق أن يكون الجيش والشرطة والاقتصاد تحت السيطرة المباشرة للرئيس.
لكن الشعب كان أكثر وعياً وحذراً من أن يقع في هذه المصيدة. فالتجارب السابقة والخبرة التي عايشها الناس في حكم شافيز أثبتت أنه لا يمكن رهن الإصلاحات بشخص ولا يمكن تفويض شخص في الحكم مدى الحياة أياً كانت الوعود التي يقدمها. وفي نظر أغلبية الشعب، لم تكن تجربة شافيز نفسها واعدة. فلم تستطع السياسة الخارجية المعادية للغرب وأمريكا بشكل خاص، أن تعوض الأغلبية الفقيرة عن نقص السلع الغذائية وأزمات الإسكان والتعليم والرعاية الصحية المتفاقمة. وإذا كان نظام شافيز قد فشل في وضع حد للفساد المستشري في فنزويلا منذ حقب طويلة، فلم يكن بوسع الشعب أن يعطية تفويضاً بتولي وحده حكم البلاد إلى ما لا نهاية.
وليست التجربة ببعيدة عن التجربة المصرية. فقبل عدة عقود، قبل الشعب هنا أن يتخلى عن حريته في مقابل المكتسبات الاجتماعية الممنوحة من الحاكم، وكانت النتيجة أنه لم يستطع الدفاع عن تلك المكتسبات عندما جاء من يسلبونها منه، لأنه كان قد فقد حريته.
إن الدرس الذي تعلمنا أياه تجربة فنزويلا الأخيرة هو ضرورة الوعي بأن تحقيق الاشتراكية لا يأتي من أعلى، من خلال الحاكم أياً كانت نواياه ووعوده، وإنما يأتي من أسفل عندما تقرر الطبقات العاملة أن تدير شئونها وتحكم نفسها بنفسها.