في الذكرى الخامسة لعملية الرصاص المصبوب
المقاومة لا تزال مسارا إجباريا

في 27 ديسمبر 2008، شرعت إسرائيل في قصف غزة في حرب حملت اسم “الرصاص المصبوب”، لتحصد المئات يوميا، تلتها عملية برية محدودة، حيث لم يكن بمقدور إسرائيل تحمل التوغل في غزة. وفي 5 يناير 2009، ذكر وزير الدفاع إيهود باراك أمام لجنة الخارجية والأمن بالكنيست أن “العملية تسير وفق المخطط لها”. لكن ما اتضح هو أن العملية البرية، والحرب ككل، قد فشلت في تحقيق أهدافها.
وقد أعلن المجلس الحكومي الأمني أن إسرائيل ترمي إلى فرض واقع سياسي، لا تكون حماس طرفا فيه، بناءا على التوصل إلى اتفاقات تتضمن:
* وقف إطلاق النار باتفاق ترعاه دول عربية معتدلة (مصر) والولايات المتحدة وفرنسا، بما يراعي المصالح الإسرائيلية ويعطيها الحق بالرد الفوري.
* اتفاق إسرائيلي- مصري برعاية أمريكية لوقف تهريب الأسلحة عبر الأنفاق.
* إعادة تفعيل اتفاق معبر رفح 2005 الذي وقعته إسرائيل مع مصر وسلطة أبو مازن – انتهت ولايته في يناير2009 – والاتحاد الأوروبي.
تلكأ مجلس الأمن في إدانة إسرائيل، بضغط الولايات المتحدة، التي أفشلت قمة قطر ورفضت الوساطة الروسية، وعندما أصبح واضحا أن إسرائيل لم ولن تحقق الأهداف المزعومة، كان من الضروروي السعي لإصدار قرار لوقف إطلاق النار.
في الداخل الإسرائيلي
طالب اليمين القومي والديني بتصعيد العمليات “برا وبحرا وجوا”، وذلك وفق تعبير رئيس حزب شاس، إيلي يشاي، الذي نجا من قذيفة فلسطينية خلال تجوله بإحدى المستوطنات. أما رئيس حزب يسرائيل بيتينو أفيجدور ليبرمان، وجلعاد أردن (كتلت موليدت – هائيحود هالئومي) فقد دعيا إلى إسقاط الجنسية عن فلسطينيي 1948م وطردهم باعتبارهم طابور خامس، وحرمان نوابهم من الترشح في انتخابات الكنيست الوشيكة!
كما دعت منظمات يمينية إسرائيلية ومجموعة من الطلاب اليمينيين إلى التظاهر من أجل الإعراب عن تأييد الحرب وحمل الرايات والشعارات القومية الصهيونية. أما حزب ميرتس المصنف ضمن يسار الوسط، أعلن أن “عملية الرصاص المصبوب تعد “دفاعا عن النفس”، كما رفض المشاركة في المظاهرة المناهضة للحرب.
أصوات المعارضة الخافتة أتت من ائتلاف يساري يضم الأحزاب العربية في إسرائيل وعدد من المنظمات اليهودية – العربية ومنظمات حقوقية خرجت في مظاهرات للتنديد بالعملية العسكرية على غزة والمطالبة بإنهاء احتلال ما يسمونه بـ”المناطق الفلسطينية”. لم يضم هذا الائتلاف حركة شالوم عخشاف (السلام الآن) التي أيدت العملية.
الدم الفلسطيني = أصوات إسرائيلية
كانت الانتخابات الإسرائيلية، التي أُجريت في فبراير 2009، عاملا أساسيا في اتخاذ قرار الحرب. فقد أظهر استطلاع “معاريف” ارتفاع اسهم اليمين، كما أظهر أن أكثر من 53% مؤيدين لتصعيد الحرب، بينما 36% مؤيدين للاستمرار بنفس الوتيرة، و8% مؤيدين للتوقف.
وعلى الصعيد الدولي أعلنت إدارة بوش، التي كانت تستعد لتسليم السلطة لإدارة اوباما، على طول الخط إدانة حماس وتأييد إسرائيل، بل أرسلت علنا سفينة سلاح لدعم إسرائيل. أما أوباما، فقد ألقى عن كاهله مجرد التعليق، قائلا أن بوش لا يزال رسميا هو الرئيس. ولكن أوباما كان حريصا خلال حملته الانتخابية على “العلاقة الأبدية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.. صديقة أمريكا وحليفها الوحيد في الشرق الأوسط”. كما يرفض أوباما حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لوطنهم، ويعلن أن القدس “عاصمة أبدية لإسرائيل”.
أما النغمة الشائعة على ألسنة القادة الأوروبيين، فهي مخاطبة “الطرفين” من أجل وقف إطلاق النار، وكأن أحدا لا يميز بين المعتدِي والمعتدَى عليه، ولا يميز الفرق في ميزان القوى. بينما كان رد فعل الشارع مختلفا، فقد خرجت مظاهرات بعشرات الآلاف، وحاول المتظاهرون في لندن وباريس وعواصم أخرى مهاجمة السفارات الإسرائيلية.
أما أكثر المواقف قوة واحتراما، فقد جاءت من أمريكا اللاتينية. حيث أعلنت فنزويلا، ومن بعدها بوليفيا، طرد سفير إسرائيل وقطع العلاقات معها.
بالرغم من التباين الرهيب في ميزان القوى، و بالرغم من الخسائر البشرية والمادية التي تسببت فيها الاعتداءات الإسرائيلية، فشلت إسرائيل في الواقع في تسجيل أية انتصارات من 1967. وفي حرب “الرصاص المصبوب”، حاولت إسرائيل رد الاعتبار لجيشها بعد فشله في مواجهة حزب الله، في 2000، و2006، وإرساء وضع جديد، بالطبع لن يكون نهائيا لأن أطماع الاستعمار الصهوني لن تتوقف وسوف يتفرغ إلى خطط ابادة وترحيل الشعب الفلسطيني، فيصبح الفلسطينيون إما تحت إدارة عربية عميلة أو في مناطق معزولة، وهذا المشروع لم يعرقله، أو يبطئ من سرعته، سوى المقاومة التي لا تضع نفسها رهينة حسابات سياسية لأية أنظمة حاكمة.
* للاطلاع على الدراسة الكاملة: غزة.. المقاومة أمام الرصاص المصبوب، وملف كامل عن العدوان على غزة، مجلة أوراق اشتراكية – شتاء 2009