بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

المسكوت عنه في علاقة مصر بإيران

منذ سنة 2000 والعلاقات المصرية الإيرانية تعيش حالة من التأرجح بين صعود وهبوط، فالعلاقات المصرية الإيرانية مجمدة منذ قيام الثورة الإيرانية بحيث لم تتجاوز أبداً حد الواجبات الدبلوماسية مثل مكالمات وبرقيات التهنئة والتعزية المتبادلة والمحادثات المعدودة على أصابع اليد الواحدة والتي لم تخرج بأي نتائج سوى أمل كل من الطرفين في تبادل العلاقات يوماً ما.

إلا أن خبراً نشر في 4 يناير الماضي يشير إلى ترحيب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية سيد محمد علي حسيني برغبة مصر في التعاون الإيجابي والبناء مع بلاده فضلا عن تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط التي وصف فيها العلاقات بين مصر وإيران ب ” الهامة”، قد يدفعنا إلى التساؤل حول كيفية قراءة مثل هذا الخطوة وتحديد اتجاه بوصلة العلاقات المصرية الإيرانية.

العلاقات المصرية الإيرانية
طوال الربع قرن الماضي كانت العلاقات المصرية الإيرانية محكومة بعدة محددات، بعضها ثابت والبعض الأخر متغير، فمنذ قيام الثورة الإيرانية والعلاقات المصرية الإيرانية مقطوعة بسبب استضافة مصر لشاه إيران وتوقيع النظام المصري معاهدة سلام مع إسرائيل، بالإضافة للمساندة المصرية لنظام صدام حسين أثناء حربه الضروس ضد إيران. ويُعد شارع خالد الإسلامبولي بطهران والذي سمي على اسم قاتل السادات، ومقبرة الشاة في القاهرة، خير مُعبر عن هذا الشقاق بين النظامين، إلا أن أسباباً أخري كانت تؤثر على العلاقة بين النظامين بالسلب.

فطوال فترة المواجهات بين النظام المصري والجماعات الإسلامية المسلحة في فترة التسعينيات كان النظام المصري دائما ما يتهم إيران بتقديم الدعم لهذه الجماعات، كان ذلك في الفترة التي كان المحافظون يسيطرون تماما على الحكم في إيران. لكن مع انتهاء المواجهات المسلحة بين النظام المصري والجماعات المسلحة أصبح الطريق خالياً –نظرياً- أمام البلدين لتدعيم علاقتيهما، ولكن شيئاً لم يحدث على مستوى العلاقات بين البلدين. ففي الفترة التي كان فيها النظام المصري يحاول توطيد علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية كان من الصعب عليه أن يقوم بأي مبادرات قد تفسر باعتبارها محاولات للتقارب مع إيران، خاصة بالنظر إلى الخطاب الإيراني شديد العداء لأمريكا في تلك الفترة. كل ذلك كان يدفع مبارك إلى نفي وجود أي نوع من الاتصالات مع النظام الإيراني سواء كانت سرية أو علانية.

ومع وصول الإصلاحيين للسلطة في إيران بعد فوز محمد خاتمي في انتخابات الرئاسة الإيرانية سنة 1998 واكتساح النواب الإصلاحيين لمجلس الشورى، بدأت معالم السياسة الإيرانية في التغير. ففي لقاء لخاتمي مع الCNN صرح بأنه يرغب في كسر حاجز عدم الثقة الذي يفصل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا الحوار بدا خاتمي أكثر انفتاحاً واستعدادا لفتح مجالات للحوار مع “الغرب”، مما دفع أوروبا واليابان لأن يبديا حماساً أقل فيما يخص سياسات الحصار والضغط التي تفرضها الإدارة الأمريكية ضد النظام الإيراني، والتي كانت قد بدأتها منذ عام 1993 بفرض عقوبات وقيود اقتصادية على إيران بغرض عزلها عن العالم وقامت بتشديدها أكثر في عام 1995 تحت ضغط نواب الحزب الجمهوري أثناء فترة حكم كلينتون- وهي نفس الفترة التي كانت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران مقطوعة تماماً!!

التغير في السياسة الإيرانية على يد الإصلاحيين بالإضافة للرغبة الأوروبية اليابانية للتراجع عن سياسات الحصار الاقتصادي لإيران دفعا إدارة كلينتون لإعادة التفكير في سياستها تجاه إيران، فأدلت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية حينها، بعد تأكد فوز الإصلاحيين في انتخابات مجلس الشورى الإيراني سنة 2000 بخطاب تحدثت فيه عن الحوادث التاريخية المؤلمة التي مازالت تلقى بظلالها على علاقات البلدين، مثل الدعم الأمريكي لانقلاب 1953 لإزاحة حكومة مصدق عقب تأميمها للبترول الإيراني وأزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين سنة . 1979بل ذهبت أولبرايت إلى أبعد من ذلك لتوضح رؤيتها بشأن علاقة إيجابية جديدة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية. فقد أعلنت تخفيف العقوبات على الصادرات الإيرانية من الطعام والسجاد وعلى تعاملات الأفراد وعرضت إنهاء الدعاوى القانونية التي ظلت معلقة لعقدين متتاليين منذ الثورة الإسلامية، كما أعادت عرض الولايات المتحدة لحوار مفتوح بدون أي شروط مسبقة. كان هذا بمثابة تغيراً كاملاً في الخطاب الأمريكي تجاه إيران لاقي ترحاب كبير من الإصلاحيين الإيرانيين.

في ذلك الوقت أقدم مبارك على القيام باتصال هاتفي بالرئيس خاتمي، وبالتحديد في يونيو 2000، لتهنئته على انضمام بلاده إلي مجموعة الدول النامية ال 15. وأذاعت وكالة الأنباء الإيرانية أن مبارك أعرب عن أمله في تطوير العلاقات والاتصالات بين البلدين ورد خاتمي بدوره أن مساعي دبلوماسية ستبذل من أجل تحقيق ذلك. بدت تلك المكالمة الهاتفية بمثابة خطوة مبدئية لإعادة العلاقات بين مصر وإيران بعد أن ضمن مبارك أن العلاقات الأمريكية الإيرانية أوشكت على الدخول في المنطقة الدافئة، وأنه ليس ثمة تعارض بين رغبة النظام المباركي في الحفاظ على علاقته بالإدارة الأمريكية والقيام ببعض الاتصالات مع النظام الإيراني. وتبع ذلك الاتصال الهاتفي مشاركة عضوان بارزان بمجلس الشورى الإيراني في اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي بالقاهرة، ثم مقابلة وزير الخارجية الإيراني كمال خرازاي لمبارك على هامش اجتماعات القمة الثالثة للدول الثماني النامية بالقاهرة في فبراير2001 وما عقب ذلك من تصريحات حول قرب إعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران.

أحداث 11 سبتمبر
بعد أحداث 11 سبتمبر وإعلان إدارة بوش الإبن للحرب على الإرهاب أجبر النظام المصري على إعادة حساباته بشأن التقارب مع إيران. ففي تلك الآونة تبنى النظام الإيراني موقفاً واضحاً: بالرفض التام للسياسة الأمريكية الجديدة والتي تقوم على تقسيم العالم إلي دول مؤيدة لها ودول داعمة للإرهاب، ورفضه اعتبار حزب الله منظمة إرهابية وإعلان استمرار الدعم الإيراني له فضلا عن رفضه الحرب على أفغانستان. كما قام مرشد الثورة علي خامنئي بإعلان أن الحرب على أفغانستان لا تستهدف محاربة الإرهاب، بل هي حرب تقوم بغرض فرض الهيمنة الأمريكية على العالم. في هذا السياق، لم يعد من الممكن استمرار ما سمي تقارباً بين مصر وإيران، فالنظام المصري لم يكن ليغامر في ذلك الوقت، أو في أي وقت آخر إذا جاز التعبير، بالوقوف أمام المارد الأمريكي الغاضب حتى ولو كانت مصالح شعوب المنطقة كلها في مهب الريح. فالمهم هنا وعلى الدوام هو مصلحة النظام!

الملف النووي
ثم جاءت أزمة الملف النووي الإيراني في 2003 لتصب مزيداً من الزيت على العلاقات المتأزمة أصلاً بين الإدارة الأمريكية وإيران، ولتدفع الموقف المصري من إيران إلى الوراء، تماما كما حدث في السابق. ففي ذلك الوقت كانت العلاقات المصرية الإيرانية قد شهدت خطوات شبيهة بتلك التي كانت قد تمت في عام 2000. فقد التقي مبارك بخاتمي على هامش القمة العالمية لمجتمع المعلومات في جنيف وتلي ذلك أكثر من إعلان أن اتفاقاً قد تم لإعادة العلاقات بين البلدين، ولكن عقب عودة حبيب العادلي وزير الداخلية المصري من طهران بعد حضوره اجتماع وزراء داخلية دول الجوار العراقي، أعلن النائب العام في مؤتمر صحفي عن إلقاء القبض على جاسوس مصري يتجسس لصالح إيران، من المفترض أن الحرس الثوري الإيراني قد قام بتجنيده للقيام بعمليات تخابر موجهة ضد مصر والسعودية. وقد أشار المراقبون حينها إلى بعض الظواهر الغريبة في هذه القضية، بدء من توقيت إعلان الكشف عن القضية إلى طريقة الإعلان عنها بفرد صفحات كاملة في الصحف الحكومية لتغطية القضية ونشر تفاصيلها وإجراء حوارات مع النائب العام وأطراف متعددة حول القضية. كل هذا أعطى انطباعات قوية بأن النظام المصري يحاول تبرير العودة بالعلاقات مع إيران إلى المربع رقم صفر، دون أن يؤدي ذلك إلى إحراجه على الصعيدين الداخلي أو خارجي. تجدر الإشارة إلى آراء المحللين الخاصة بتأكيد النظام المصري أن الحرس الثوري هو المسئول عن عملية التجنيد، بالرغم من أن الحرس الثوري يقع في منطقة نفوذ المحافظين في إيران، الأمر الذي دفعهم، المقصود هنا المحللين، إلى القول بأن العملية تمت دون معرفة الرئيس الإيراني وبأن النظام المصري يتذرع بها لكي يفلت من تعهده بإعادة العلاقات مع إيران في الوقت الذي بدا فيه أن أزمة الملف النووي الإيراني تتجه من سيء إلى أسوء وأن التقارب مع إيران قد يضر بعلاقات النظام المصري مع الإدارة الأمريكية.

ومع تأزم الأزمة النووية أكثر وتصاعد التهديدات الأمريكية بتحويل الملف الإيراني لمجلس الأمن أو حتى التلويح بإمكانية اللجوء للحل العسكري كانت مواقف النظام المصري تجاه النظام الإيراني تزداد حدة وعنفاً وبخاصة بعد فوز أحمدي نجاد فى انتخابات الرئاسة وسيطرة المحافظين على الوضع في إيران. فتوالت تصريحات مبارك حول ضرورة إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي وحول خطورة امتلاك إيران لهذا السلاح مبررا موقفه بأن ذلك قد ” يدفع المنطقة إلي حافة الهاوية”، على حد تعبيره، إلي التصريح بأن ولاء الشيعة في العراق و دول الخليج لإيران وليس لبلادهم الأمر الذي، بحسب مبارك، يضر بالسلام الداخلي لهذه البلاد، وغيرها من التصريحات التي طالت حزب الله أثناء الحرب على لبنان. فقد صرح مبارك في الفترة التي شن فيها العدو الإسرائيلي حربا شعواء على لبنان فضلا عن الجرائم التي اقترفها ضد الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، بأن حزب الله لا يعمل لحساب المصالح العربية وأن الدولة اللبنانية هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تحمل السلاح، متجاهلاً امتلاك الفصائل اللبنانية الأخري للسلاح ومتجاهلاً أيضاً أن لسلاح حزب الله هو السلاح الوحيد الموجه لأغراض قومية وليس لأغراض طائفية. هذا وقد تزامنت تصريحاته مع قرارات مجلس الأمن بخصوص الشأن اللبناني والداعية لنزع سلاح حزب اللهّ!

من هذا كله يتضح أن العلاقة المصرية الإيرانية دائماً ما كانت مرتبطة بعلاقة النظام المصري بالإدارة الأمريكية من ناحية، وعلاقة الإدارة الأمريكية بإيران من ناحية أخري، ومن هذا المنطلق يمكننا فهم سر بوادر التقارب المصري الإيراني فى الوقت الحالي والذي يتزامن مع تسليم لجنة بيكر- هاملتون تقريرها للرئيس الأمريكي والذي جاءت فيه توصيات بطلب المساعدة من إيران وسوريا لضبط الوضع داخل العراق وحل أزمة العنف العراقي، تأتي هذه التوصية كجزء من حل أزمة الإدارة الأمريكية في العراق. كما يجيئ بالتزامن مع زيارة جلال طالباني الرئيس العراقي لإيران ليجتمع بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد لإطلاعهم على خطورة الوضع في العراق ومطالبتهم بدعم الحكومة بدلاً من المتمردين على حد قوله، وتزامن لقاء الطالباني-خامنئي مع توجيه الرئيس الأمريكي جورج بوش دعوة لايران من اجل أن تقوم “بجهود بناءة” للمساعدة في بسط الأمن في العراق، كل هذا ربما يساهم في تفسير لماذا قد يقوم النظام المباركي باتصالات مع النظام الإيراني في مثل هذا التوقيت.