بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الصهيونية والطبقة العاملة الإسرائيلية

اندلعت مؤخراً بإسرائيل سلسلة من الإضرابات العمالية نجحت خلالها الطبقة العاملة الإسرائيلية في انتزاع بعض المكاسب من الدولة الصهيونية. يطرح ذلك إشكالية أمام الاشتراكيين الثوريين، فما هو الموقف الذي يجب اتخاذه من العمال الإسرائيليين خاصة في ظل التخبط الذي عاش فيه اليسار الستاليني من الصراع العربي الإسرائيلي.

يجب قبل أن نطرح موقفنا أن ندرس نشأة الطبقة العاملة اليهودية بفلسطين والدور الطبقي/ السياسي الذي تلعبه.

لجأت الحركة الصهيونية منذ بداية مشروعها الاستيطاني بفلسطين لإقامة مجتمع يهودي منفصل تماماً عن المجتمع العربي في جميع الجوانب وبالذات الجانب الاقتصادي. فحرص الصهاينة علي أن يتم استبعاد العرب كليةً من الأنشطة الاقتصادية اليهودية، ولهذا الغرض تم إنشاء (الهستدروت) الاتحاد العام للعمال العبريين. لم يكن الهستدروت نقابة عمالية بالقدر الذي كان فيه المؤسسة القيادية للاقتصاد الاستيطاني.

منذ البداية رفع الهستدروت شعار “أرض يهودية – عمل يهودي – منتج يهودي” فمهمته الأساسية كانت التأكد من أن مجتمع المستوطنين يتم خدمته بواسطة عمال يهود والعرب. أطلق بن جوريون (رئيس الهستدروت آنذاك) علي هذه الاستراتيجية اسم “تهويد العمل” وتتلخص في استعمال العنف لمنع صاحب العمل اليهودي من تشغيل أي عامل عربي خاصة في المناطق التي سيطر عليها المستوطنون.

أما في المناطق المشتركة بين العرب واليهود والتي قد يضطر فيها صاحب العمل اليهودي إلي تشغيل أيد عربية فعلية أن يدمغ السلعة التي تنتجها أيد يهودية وعربية مشتركة بدمغة خاصة، وأن يبيعها بسعر أقل مما يماثلها من السلع التي تنتجها الأيدي اليهودية فقط. وقد قام الهستدروت بتكوين حاميات مسلحة من أجل تفتيش المزارع والأسواق بحثاً عن العمال العرب وتغريم صاحب العمل اليهودي. وكان من المألوف رؤية مظاهرات صاخبة أمام المزارع اليهودية التي تجرأ أصحابها وشغلوا بها عرباً للمطالبة بطرد هؤلاء العرب، أو رؤية شبان يتجولون بالأسواق اليهودية التي تعج ببائعات الخضروات والبيض يقومون بتحطيم بيض إحدى البائعات وصب زيت بارافين علي خضرواتها لاكتشافهم أنها عربية!

وقام طلاب الجامعة العبرية بالقدس في الفترة (1936 – 1939) بمظاهرات عنيفة متواصلة ضد نائب رئيس الجامعة دكتور ماجنس لقيامه باستئجار بيتاً من مالك عربي! بل وفي حادثة مشهورة في تل أبيب عام 1945 تمت مهاجمة إحدى المقاهي وتحطيمها تماماً بعد انتشار الشائعات أن هناك عربي يغسل الصحون في أحد أركان مطبخها الخلفي!

بفضل هذه السياسات نجحت الصهيونية في احتواء الطبقة العاملة اليهودية، بالإضافة إلى أن العامل اليهودي أصبحت له مصلحة مادية في استبعاد الفلسطيني، فمن أجل إيجاد مكان في فلسطين لليهودي المهاجر من أوربا كان يجب أن يطرد فلاحون فلسطينيون خارج أراضيهم لإقامة مستوطنة.

وقد ظهر ذلك جلياً في ثورة (1936 – 1939) التي لعبت الطبقة العاملة الفلسطينية دوراً محورياً فيها. بدأت الثورة بإضراب عام استمر 176 يوماً شل الحياة في فلسطين تم اشتعل العنف الجماهيري في جميع بقاع البلاد واستمر لمدة 3 سنوات رغم القمع البريطاني – الصهيوني الوحشي. لعب العمال اليهود دوراً فعالاً في محاولة كسر إضراب العمال العرب، فقدموا أنفسهم للبريطانيين كالأداة الوحيدة القادرة علي ملأ الفراغ الناتج عن امتناع العمال العرب عن العمل، ولم تظهر أي بادرة تضامن في صفوف العمال اليهود مع الثورة العربية.

واستمرت سياسة الفصل العنصري في العمل حتى بعد قيام إسرائيل عام 1948 واحتلالها للضفة الغربية وغزة عام 1967. فعمال الأراضي المحتلة التي سمحت لهم إسرائيل بالعمل داخل أراضيها اشتغل معظمهم بالأعمال الغير ماهرة والتي تحتل قاع السلم الوظيفي في إسرائيل ونادراً ما تواجد يهوداً وعرباً في نفس الوظائف بمواقع العمل. وبالتالي حينما قامت الانتفاضة في ديسمبر 1987 وإضراب العمال الفلسطينيون عن العمل بإسرائيل لم يتأثر الاقتصاد الصهيوني تأثيراً كبيراً، ومن ناحية أخري تدخل العمال اليهود لكسر الإضرابات مثبتين ولائهم مرة أخري للدولة الصهيونية. ففي ذروة الإضرابات في بداية 1988 هبت قيادات الحركة العمالية الإسرائيلية لنجدة البرجوازية الإسرائيلية، وبذل الهستدروت جهوداً ضخمة لسد الفراغ الناتج عن غياب العمال الفلسطينيين ووصل الأمر ببعض قياداته إلي العمل مجاناً في بعض أيام الأسبوع لكسر الإضرابات. لم يكن العمال الإسرائيليون مجرد متفرجين علي الانتفاضة بل كانوا مشاركين في محاولة تدميرها. ووضح تماماً سيطرة الصهيونية واحتواءها للعمال اليهود، فالتمايز الشديد في مستويات المعيشة والفصل في الوظائف وطبيعة المشروع الصهيوني القائمة علي “استبعاد الآخر” أدت بالطبقة العاملة اليهودية إلي إيجاد مصلحتها في قهر الفلسطينيين والوقوف خلف برجوازيتها ضدهم.

ولم تستطع الانتفاضة في أي وقت جذب تأييد قوي أو خلق حركة تضامن حقيقية في أي قطاع من المجتمع اليهودي. وجاء رد الفعل المعادي للفلسطينيين موحداً من قبل المجتمع. بالطبع قامت حركة معارضة إسرائيلية للسياسات القمعية في الأراضي المحتلة ولكنها كانت ضعيفة للغاية، فمثلاً حركة “السلام الآن” التي نجحت في تعبئة عشرات الآلاف من الإسرائيليين ضد غزو جنوب لبنان فشلت في تنظيم مظاهرات بنفس القوة للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ولم تنجح حركة “يش جفول” المعارضة للخدمة العسكرية في الأراضي المحتلة في جذب تأييد واسع في صفوف المجندين الإسرائيليين. عارضت الحركتان السياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، ولكنها لم تحاولها طرح قضية حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم موضع تساؤل، ولم تكن حملاتهما سوي نقد ليبرالي للإستراتيجية الصهيونية التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية وليس نقداً لحق إسرائيل في الوجود أو مشروعية الصهيونية نفسها.

ويتضح لنا هنا مدى سخف بل غباء شعارات الحركة الستالينية عام 1948 المؤيدة لتقسيم فلسطين والداعية لوحدة العامل العربي واليهودي في مواجهة البرجوازيات العربية واليهودية. اتخذ الستالينيون هذا الموقف بناءاً علي توجيهات موسكو التي رأت في مصلحتها تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب وإجلاء القوات البريطانية من المنطقة كجزء من ألعاب الحرب الباردة. وبالتالي وصف ستالين الصهيونية بأنها “حركة تحرر وطني تعمل على طرد الإنجليز من فلسطين”!! ثم عاد الستالينيون وغيروا موقفهم إلي الصدام مع إسرائيل في الستينيات بعد دخولهم في جبهات شعبية مع برجوازياتهم في مصر والعراق وسوريا وباقي الدول العربية التي كانت تعادي إسرائيل. وهانحن اليوم نجد بعض فلول الستالينيين يسعون لإقامة علاقات مع “القوي اليسارية التقدمية” بداخل إسرائيل “لإنقاذ عملية السلام” فيما عرف بـ”تحالف كوبنهاجن”. إن أشباه المثقفين هؤلاء غير قادرين علي فهم طبيعة الطبقة العاملة الإسرائيلية الرجعية واليسار الصهيوني المأفون. أليس الذي أنشأ إسرائيل عام 1948 هو اليسار الصهيوني بقيادة بن جوريون وموشي ديان؟ ألم تشن إسرائيل الحرب”؟ عامي 1956و 1967 واليسار الصهيوني في الحكم؟ أو ليس اليساري الصهيوني رابين هو مهندس قمع الانتفاضة بسياسة “كسر العظام”؟ وربيبه بيريز هو مدبر مذبحة قانا؟ الخ…كما أن اليسار لا يختلف عن اليمين في المواضيع الرئيسية مثل حق إسرائيل في الوجود أو امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل أو تبعية الكيان الفلسطيني أو مشكلة اللاجئين والمياه والقدس والاستيطان.

إننا كاشتراكيين ثوريين لا نعلق أي آمال علي الطبقة العاملة الإسرائيلية في القيام بثورة في المنطقة فالعامل والبرجوازي الإسرائيلي تجمعهما أرضية مشتركة واسعة ضد الجماهير الفلسطينية والعربية. ومن المستبعد في حالة قيام ثورة عمالية في المنطقة أن ينضم العمال الإسرائيليون لنا. إن الدور الأساسي للثورة في المنطقة العربية سيكون للعمال العرب وفي طليعتهم الطبقة العاملة المصرية كبرى الطبقات العاملة العربية حجماً.