الاستعمار مستمر.. والنضال مستمر: «برافر» لم ولن يمر

تكلل نضال آلاف الفلسطينيين بالنجاح، حيث استطاعوا وقف تمرير مشروع برافر الذي كان يستهدف تهجير عشرات الآلاف من البدو وتدمير 40 قرية ومصادرة 800 ألف دونم من أراضي النقب.
تظاهر الآلاف من الفلسطينيين في مطلع ديسمبر الجاري بمناطق متعددة من الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد مشروع برافر، وتعرضوا لمواجهات مع الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين، مما أسفر عن إصابة واعتقال العشرات منهم. لم تكن تلك الجولة الأولى لمواجهة مشروع برافر تحديدا، الذي رصدت له الحكومة 8 مليارات شيكل، وكان من نتائجه الاستيلاء على البقية الباقية من أراضي البدو في النقب، بعدما واصلت إسرائيل مصادرة أجزاء منها منذ 1948 حتى الآن، وقد انتهى المشروع إلى التجميد حاليا.
وفي غمرة الفرح بانتصار النضال الفلسطيني ضد الجرائم الاستعمارية المتوالية، لا يجب أن ننسى أن مشروع “تهويد النقب” يتزامن مع خطط طويلة الأمد لتهويد القدس، وكذلك منطقة الجليل في شمال فلسطين، والتي لا تزال تحتفظ بأغلبية عربية، من أجل تحويل الفلسطينيين إلى أسرى مناطق مكدسة ومعزولة، وربما القضاء عليهم بالترحيل أو حتى بالإبادة.
تجميد برافر وشيخوخة الصهيونية
عوامل عديدة تقف وراء تجميد مشروع برافر، على رأسها بالطبع النضال الفلسطيني، لكن هناك تحولات جذرية تواجه المشروع الصهيوني الذي بلغ مرحلة من الشيخوخة إن صح التعبير.
ترمي الأنشطة الصهيونية في الأساس إلى محو الهوية الفلسطينية والقضاء على البقية الباقية من الفلسطينيين أصحاب البلاد، بينما يعوزها في المقابل إحلال مستوطنين صهاينة محلهم، مثلما كان الحال في المشروع الصهيوني في ذروته، حيث تشير الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية أنه بعد موجة الهجرة من الاتحاد السوفييتي في عقد التسعينيات من القرن العشرين، والتي بلغت نحو مليون مهاجر، انخفضت أعداد المهاجرين بشدة لتترواح خلال السنوات العشر الأخيرة بين 20 ألف مهاجر سنويا في السنوات الأولى للألفية، وحوالي 17 ألف مهاجر سنويا في العقد الثاني من الألفية. حيث بلغ تعداد المهاجرين خلال السنوات الأربعة الأخيرة (2010/18755) (2011/19020) (2012/18511) (2013/16331) يمثل المهاجرون من شرق أوروبا ثلث المهاجرين تقريبا.
انخفاض الأرقام يتضمن تراجع الدافع الأيديولوجي للهجرة بشكل واضح، وقد صرح إيهود باراك في مطلع الألفية إن على إسرائيل طرح مميزات ومغريات للمهاجرين مثلها مثل آية دولة أخرى، وهو ما ينعكس فيما تطرحة المواقع الرسمية الإسرائيلية، مثل موقع وزارة الهجرة والاستيعاب، التي تصدر لمتصفحيها المزايا التي يتمتع بها المهاجر، والمزايا الإضافية للفئات الأكثر استهدافا.
الهجرة العكسية
بالتزامن مع تراجع معدلات الهجرة، ارتفعت بشكل نسبي معدلات الهجرة العكسية التي تقدر بالآلاف سنويا، وبينما تهمش الحكومة الإسرائيلية البيانات الخاصة بالهجرة العكسية وتعزلها عن إحصائيات الهجرة الرسمية، يقدر عدد الإسرائيليين في الخارج ما بين 750 ألف ومليون نسمة، النسبة الأكبر منهم في الولايات المتحدة وكندا، كما ازدادت أعداد العائدين إلى بلاد الاتحاد السوفييتي السابق بعد تغير الأحوال في بلادهم، وحتى ألمانيا التي يضعها الصهاينة في خانة سوداء أصبحت من الدول المستهدفة للإسرائيليين.
بينما كشفت إحصائيات أجرتها بعض الصحف مؤخرا أن 41% من المشاركين لديهم الرغبة في الهجرة نهائيا من إسرائيل، وكانت الدوافع الأساسية لديهم، هو الدافع الأمني وشعورهم بانعدام الثقة في رغبة الحكومة بتسوية سلمية مع الفلسطينيين، وكذلك الدافع الاقتصادي الذي برز بقوة، حيث عبر المشاركون في الاستطلاعات عن شعورهم بالإحباط إزاء انخفاض المستوى الاقتصادي وتقلص فرص التحسن.
الغالبية الساحقة من المهاجرين من إسرائيل في الشريحة العمرية 20 – 34 سنة، وهي الشريحة الأساسية في قوة العمل المنتج، يطمح هؤلاء المهاجرون في فرص للدراسة والترقي الوظيفي. وهو ما كشف عن ظاهرة “هجرة العقول”.
سيظل هناك بالفعل عدة عوامل تقف أمام استكمال مشروع برافر، لكن المؤكد أن الكيان الاستيطاني مازال قائما ولن يستوعب سوى وجوده على كامل التراب الفلسطيني وسيعاود دائما مشاريع “برافر” أخرى كلما تحينت الفرصة لذلك. كفاح الشعب الفلسطيني ونضاله سيظل دائما أول تلك العوامل.