الصومال: إخوة الأمس أعداء اليوم
أكثر من ألفي قتيل، وأكثر من 204 ألف نازح حتى الآن، محصلة حلقة جديدة من السلسلة الدامية المتواصلة في الصومال. منذ مايو الماضي اندلعت المواجهات بين جماعة “شباب المجاهدين” وحكومة شيخ أحمد شيخ شريف، التي وصلت إلى السلطة، في 31 يناير 2009، وقد وصلت قوات”شباب المجاهدين”، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى 2كم من القصر الرئاسي، في مقديشو.
أعلن الرئيس الصومالي حالة الطوارئ، وأيد دعوة رئيس البرلمان لدول الجوار، إثيوبيا عدو الأمس، بالتدخل. وقد قام شيخ شريف ووزراءه وبعض أعضاء البرلمان بارتداء الزي العسكري، وقد نفى شيخ شريف تدخل قوات أجنبية، بينما قوات حفظ السلام الإفريقية تعمل في الصومال منذ 2007، وهي من قوات أوغندية ورواندية، وقد نقلت وكالات الأنباء دخول 300 عنصر من القوات الإفريقية، مدعمين بدبابات وآليات عسكرية، يقودها الجنرال الأوغندي فرانسيس أوكيلو، الذي أعلن أن العمليات، التي من المفترض أن هدفها حماية المنشآت الحيوية، لن تتوقف عند حد صد هجوم “المتمردين” على الحكومة المؤقتة، بل ستلاحقهم.
تقوم القوات الحكومية والإفريقية بقصف ومهاجمة أي موقع تشك في وجود مسلحين فيه، مما أدى لارتفاع متزايد في الضحايا المدنيين.
أعلنت الحكومة أنها استطاعت دحر “المتمردين”، في المقابل أعلن قائد قوات “شباب المجاهدين”، شيخ طاهر أويس، أن القتال لم يؤد بعد إلى حسم الموقف، وأعلن مواصلة القتال حتى انسحاب أية قوات أجنبية.
كان مجلس الأمن قد أصدر قراراً بدعم الحكومة الانتقالية. كما أعلن الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو، عن مساندة الحكومة الصومالية ضد “الإرهابيين”. أما الولايات المتحدة، فقد أعلنت على لسان المتحدث باسم خارجيتها، إيان كيلي، الشهر الماضي، بأنها ستزود الحكومة الصومالية بالسلاح ، والتدريب في معسكرات بجيبوتي. وفي الصدد نفسه، أعلنت فرنسا أنها ستعجل بتدريب 500 عنصر صومالياً، كان من المزمع تدريبهم في أغسطس على أراضى جيبوتي، التي تتركز فيها قاعدة فرنسية من 2900 جندياً، ويأتي التعجيل، بعد قيام “شباب المجاهدين” صباح الثلاثاء 14 يوليو باختطاف اثنين منه المستشارين الأمنيين الفرنسيين.
مسئول الدفاع في الحزب الإسلامي الصومالي، شيخ موسى عبدي، اتهم الولايات المتحدة بالسعي لاحتلال الصومال ونهب ثرواته، وترسيخ نظام أشبه بأفغانستان، وأنها دفعت بعملائها للقيام بعمليات القرصنة البحرية من أجل إيجاد ذريعة لوضع قاعدة عسكرية لها في الصومال. وعن الأسلحة الأمريكية ، أكد أن أية أسلحة ستصل إلى الصومال سيكون للمجاهدين نصيب منها، بالشراء عن طريق عملاء أو من أسواق السلاح، بل أن الدفع بكميات جديدة سيخفض ثمن الأسلحة، كما حدث من قبل.
شباب المجاهدين: فصيل صومالي مسلح، يحمل إيديولوجية سلفية جهادية، كان يعد الجناح العسكري “للمحاكم الشرعية” بالصومال، ولكن بعد هزيمة المحاكم أمام القوات الحكومية، وتحالفها مع المعارضة، انشقت “شباب المجاهدين” عنها. يقدر عدد المقاتلين في “شباب المجاهدين” بـين ثلاثة وسبعة آلاف مقاتل، تتهمهم التقارير الأمريكية بتلقي تدريب في إريتريا، وأفغانستان. وعلى مدار2007 قامت سفينة أمريكية بقصف مواقع الحركة في الصومال، وجمدت أرصدتها في الولايات، وصنفتها ضمن المنظمات الإرهابية.
أما الرئيس الصومالي، شيخ شريف شيخ أحمد (45سنة)، فقد ولد في منطقة جوهر، شمال العاصمة مقديشو، وتلقى تعليما أزهريا، وحصل على شهادة في الشريعة والقانون بالجامعة الليبية المفتوحة 1998، وعمل في البداية مع محمد ديري أمير الحرب في جوهر، ثم انفصل عنه، كان شيخ شريف من رواد فكرة المحاكم الشرعية وأول رئيس لها بعد توحيدها، وانتخبه البرلمان الصومالي رئيساً للبلاد في 31 يناير الماضي.
اتهمت الأجهزة الحكومية “شباب المجاهدين” بتلقي مساعدات أجنبية، وعرضت جثث لقتلى، زعمت أنهم أفغان، في المقابل، وبالرغم من إعلان شيخ شريف تطبيق الشريعة، التي أُعلن تطبيقها منذ يونيو 2006، علاوة على رفع الضرائب، وحظر تداول السجائر والقات، لم يرض هذا “المجاهدين” الذين، اتهموا الحكومة بالتعاون مع المعارضة العلمانية، ومع الأجانب، و قاموا بأنفسهم بتطبيق أحكام “شرعية” في أرجاء الصومال، كان آخرها في صباح 25 يونيو، حيث قامت بقطع أيدي وأرجل أربعة رجال، لاتهامهم بسرقة أسلحة وأجهزة محمول.
تعد تلك هي المحاولة الخامسة عشر لترسيخ سلطة حكومية في الصومال، منذ الإطاحة بالديكتاتور سياد بري في 1991، وقيام أمراء الحرب بطرد القوات الأمريكية والدولية في 1995. الصومال، الذي يبلغ عدد سكانه 10مليون نسمة، 85% منهم من العرق الصومالي، والغالبية العظمى من السكان مسلمون. يقدر عدد النازحين من الصوماليين إلى 1.2مليون. وقد انخفض متوسط العمر إلى 46 عام للرجال، و50 عام للنساء، كما تصل الحالات المسجلة للإصابة بالإيدز 43 ألف حالة. وقد أشارت منظمات أطباء بلا حدود، والصليب الأحمر، أن عملهم يواجه صعوبات شديدة، كما أن القراصنة يستولون على المؤن والأدوية.
في الصومال أصبح الأخوة في “الجهاد” أعداء، وأصبح العدو الأجنبي حليفًا. أمسى تطبيق الشريعة هو تكفير الناس، وقطع الأطراف، ولا عزاء لآلاف القتلى وملايين النازحين.