بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الصومال.. تحول بسيط في التكتيك الأمريكي

في واشنطن عقدت مجموعة من خبراء الشؤون الإفريقية ندوة حوار في معهد أميركان إنتربرايز في الرابع من أكتوبر 2006. في هذا الوقت كانت الصومال تنزلق بين الآونة والأخرى إلى وضع من الفوضى السياسية نتيجة غياب السلطة وانعدام الحكومة. انعقدت الندوة لمناقشة تأثير عدم استقرار الأوضاع في ذلك البلد على مصالح الولايات المتحدة الأمنية في القرن الإفريقي.

واتفق المتحاورون على أن الوضع في الصومال غير مستقر: فالقبائل المتحاربة تتنافس على السلطة في الوقت الذي تعزز فيه حركة إسلامية محافظة سيطرتها على العاصمة، مقديشو، وعلى معظم المناطق الأخرى، بينما تحاول حكومة علمانية لا تؤدي وظيفتها ترسيخ استقلالها. وعلاوة على ذلك، تستمر التهديدات التي تشكلها المجموعات الإرهابية المتحالفة مع القاعدة ووجود القراصنة الذين ينشطون قبالة ساحل الصومال.

وحذر السفير الأميركي السابق لدى بوركينا فاسو ولدى إثيوبيا، ديفد شِن، الذي يشغل حالياً منصب أستاذ للعلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، حذر من خطورة انفجار الوضع في منطقة القرن الأفريقي نظرا للعداء المستحكم والتاريخي بين الصومال وإثيوبيا اللتين تفصلهما حدود بطول 1600 كيلومتر، وتجمعهما صراعات على عدد من الأقاليم الحدودية، أهمها إقليم أوجادين، وصراعات أخرى على الموارد والثروات الطبيعية، إلى جانب دعم كل دولة للحركات الانفصالية في الدولة الأخرى.

كانت هذه هي الصورة قبل أن تبدأ القوات الإثيوبية في احتلال الصومال، فكيف تحول الموقف للصمت إزاء التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال، حتى وإن جاء بدعوى دعم الشرعية؟

الإجابة هي أن الولايات المتحدة، التي سبق أن فشلت في بناء قاعدة عسكرية لها في الصومال بعد تسليمها لقاعدتها في الفلبين، وبعد خروجها من الصومال بفضيحة في أولى معاركها مع تنظيم القاعدة هناك، قد وجدت من يقوم بهذه المهمة من الباطن. فإثيوبيا لها أطماع في كافة الدول المجاورة لها بلا استثناء، كما أن مقدار ما وصلت إليه قواتها المسلحة، مقارنة بالتهديدات الحقيقية التي تواجهها، يشير إلى حجم أحلامها التوسعية في القرن الإفريقي، وبالتالي فهي أفضل من يقوم بالمهمة نيابة عن الولايات المتحدة.

لقد خسرت إثيوبيا سواحلها على البحر، وأصبحت واحدة من الدول الحبيسة بعد انفصال إريتريا عنها، وفشلها في هزيمتها عسكريا، ولكنها الآن استعادت إطلالتها على مياه المحيط الهندي، وفي موقع أكثر تأثيرا من الناحية الجيوستراتيجية. فالصومال يطل على المحيط الهندي بسواحل تزيد على الألفي كيلومتر تنتهي على بوابة البحر الأحمر الجنوبية، وهي البوابة التي تتحكم في مرور البضائع بين أوروبا وآسيا وخاصة النفط الخليجي المتجه إلى أوروبا وأمريكا.

وتعامى الاتحاد الأفريقي وتعامت الجامعة العربية عن طبيعة القوات الإثيوبية الغازية وأهدافها، لتؤكد الأحداث التاريخية مرة أخرى طبيعة هاتين المنظمتين. فكلاهما لا يزيد على تجمع أو ناد لعدد من الأنظمة الدكتاتورية التي ستكون بالطبع أول من يبيع المصالح الاستراتيجية لشعوبها لمجرد تلويح الولايات المتحدة بأي منفعة شخصية، وكذلك بأول تهديد.

فالولايات المتحدة التي وضعت ضمن أهدافها الاستراتيجية، في الألفية القادمة، السيطرة على مصادر الطاقة في العالم، وكذلك السيطرة على طرق المرور بين الشرق والغرب، لا يمكن أن تتنازل عن وجودها في مكان بأهمية الصومال. ولا تعني هزيمتها في المرة الأولى سوى أنها تعلمت درسها، وأدركت أنها تجهل طبيعة العمل العسكري في القارة السوداء، وأنها لا بد أن تستعين بجيش آخر يمتلك القدرات المناسبة لهذه المعركة، ولا بأس إذا ما قصفت الولايات المتحدة من بعيد أهدافا تكتيكية لا ترغب في إطلاع حلفاءها عليها.

وفي نفس الوقت فإن دول القرن الأفريقي، إضافة إلى تقاطع مصالحها مع المصالح الأمريكية، ونظرا لأطماعها في الصومال، باستثناء جيبوتي ذات الأغلبية المسلمة، أو خوفها من تيار الإسلام المحافظ في شرق أفريقيا، قد وافقت، بشكل مستقل عن الاتحاد الأفريقي بالطبع، على الاحتلال الإثيوبي للصومال.

فكينيا كانت تخشى من أن تقدم قوات اتحاد المحاكم الإسلامية على احتلال الأقاليم التي تقطنها أغلبية صومالية في شمال كينيا، بينما لا تستطيع جيبوتي أكثر من التعاطف مع المحاكم الإسلامية، وإريتريا ترفض تمدد الجماعات الإسلامية المتشددة في المنطقة على الرغم من عدائها المستحكم لإثيوبيا.

وهكذا ضاع الصومال ضحية للأطماع والموائمات والموالسات من الولايات المتحدة وحلفائها والطامعين فيها والمرتجفين منها، ولا عزاء لمئات الآلاف من اللاجئين في المعسكرات في كينيا وغيرها الذين يدفعون الثمن غاليا في ظل المحاكم وفي ظل أعدائهم.