العاطلون في الجزائر: قنبلة موقوتة آن لها أن تنفجر

في ذكرى تأميم المحروقات أواخر شهر فبراير الماضي خرج الشباب الجزائري العاطل عن العمل فى مسيرة تنديدا بأوضاعهم الاقتصادية وللمطالبة بتحسينها، إلا أن رئيس الوزراء عبد الملك السلال وصفهم بشرذمة وهو ما آثار حفيظة هؤلاء الشباب ليعلنوا مليونية منتصف شهر مارس في محافظة روقلة عاصمة النفط الجزائرية، شاركت فيها اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق العاطلين رافعين سقف مطالبهم إلى الدعوة لرحيله من الوزارة حيث لاقت الحملة التى شنها هؤلاء الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي تضامن عدد كبير من النشطاء.
إلا أن الاحتجاجات لاقت صدى بين محافظات الجزائر وقد شهدت محافظة غرداية مواجهات بين الشباب العاطل ورجال الأمن أسفرت عن اعتقال 25 آخرين. فيما أعلن المعتقلون دخولهم فى إضراب عن الطعام في حين اتسعت رقعة الاحتجاجات فى معظم أرجاء الجنوب حيث استخدمت قوات الأمن المركزي قنابل الغاز المسيل للدموع والعصي كما أصدرت محكمة الأغواط بجنوب الجزائر أحكاما بالسجن ضد 4 متظاهرين. وفى نهاية شهر مارس شهدت ولاية الوادي جنوب البلاد مليونية أعلنت عنها اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق العاطلين، وقد تحدث الناطق باسم اللجنة أن المليونية جاءت ضمن سلسلة من الاحتجاجات شهدتها البلاد فى الآونة الأخيرة.
انفجار حركة العاطلين جاء نتيجة السياسات الترقيعية التي قامت بها الحكومة بعد مرور عامين على احتجاجات 2011 حيث لم تأتِ سوى بإصلاحات سياسية صورية أثبتت فشلها على أرض الواقع لتشمل تعديل نظام الانتخابات وتوسيع تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، بالإضافة إلى الانفتاح السياسي لتأسيس أحزاب سياسية مستنسخة عن بعضها البعض ليصل عددها 57 حزب مفتقر إلى البرامج الواضحة التى تصب في مصلحة الجماهير.
الإصلاحات أيضا شملت امتيازات اقتصادية لم يستفد منها سوى طبقة رجال الأعمال وبناء عليه لم تشمل على الإطلاق سبل مكافحة الفساد الذي استشرى يوميا عن يوم وعلى رأسها الشركة النفطية الوطنية (سونا طراك) والتي تمثل عصب الاقتصاد الجزائري. فيما تقاذفت فضائح الرشاوي الضخمة بين رئيس جهاز المخابرات والرئيس بوتفليقة في قضايا إهدار المال العام قد يتخذها المسئولون حجة هذه الملفات لتبرير التأخر فى التنمية.
نفس الالتفاف تمارسه الحكومة الجزائرية اليوم مع تصاعد الحراك الاجتماعي باتهام المتظاهرين أنهم “شرذمة” كما صرح وزير أول أو محاولة تحجيم الحراك في صورة مطالب توفير فرص عمل وليست مطالب سياسية كما صرح وزير الداخلية، كذلك اصطناع حوارا مع ممثلين وهميين عن اللجنة ثم الإعلان عن إقامة فروع لمشاريع استثمارية توفر أيدي عاملة في محاولة لاستيعاب الغضب.
نظرة على الأوضاع الاجتماعية
قد ترجع حركة العاطلين بالجزائر إلى تردي الحالة الاجتماعية مع ارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى 10%، وفي ظل التعتيم الحكومي صرحت بعض المنظمات الأخرى أنها بلغت 25%. لكن لا يمكن النظر إلى حركة العاطلين بمعزل عن الظرف السياسي والاقتصادي المنعكس على مجمل الاحتجاجات الشعبية، فالحراك الجزائري شهد حالة من المد الإيجابي مطلع عام 2011 فيما عرف ب”ثورة الزيت والسكر” حيث تتابعت المظاهرات بعدة إضرابات بشهر مارس منها إضراب عمال مؤسسة الاتصالات وإغلاق المقر الرئيسي للمؤسسة، كذلك إضراب عمال مؤسسات الإنجازات الصناعية الذين طالبوا برفع الأجور. وما تزال الجزائر تشهد اضطرابات بالخدمات والحاجات الأساسية مثل الكهرباء والماء في ظل أزمة مزمنة في السكن مع غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية. ومع تضاعف الأزمات بالمناطق الجنوبية المهمشة كان الدافع قويا، ليس فقط لإنطلاق اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق العاطلين، ولكن لانتشار التظاهرات المؤيدة لتحركاتها من محافظة إلى أخرى.
ربما لم تتطور التظاهرات الجزائرية المواكبة لثورات الدول العربية إلى الحد الذي يتهدد معها بقاء النظام، وربما الخطاب الذي حاول النظام الحاكم تصديره باستخدام فزاعة الإسلاميين في بلد عانت ويلات الإرهاب بالتزامن مع إجراء بعض الإصلاحات الهزيلة أعاق دفع تظاهرات 2011 إلى الأمام. إلا أنه ومع انتشار فضائح الفساد المالي لرموز وقيادات حكومية ثم تردي الأحوال الاقتصادية في ظل أزمة عالمية، كل ذلك قد ينبأ بتغير المشهد إلى حراك جديد يستمد قوته من المطالب الاجتماعية الشعبية.