النظام السابق يستولي على السلطة
اليمن: الانتخابات ليست نهاية الثورة
برغم المزاعم التي سيقت حول الاستقرار بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، لم تختلف حركة الجماهير بالشارع طيلة العام الماضي عما هو عليه الآن. فمن ساحة التغيير، التي شهدت أضخم وأطول اعتصام للمتظاهرين، خرج آلاف اليمنيين الشهر الحالي في عدة مسيرات جابت عددا من شوارع العاصمة للمطالبة بإقالة أقارب الرئيس المخلوع من مواقعهم العسكرية ومحاكمتهم بتهمة قتل متظاهرين، كما لم تختلف الأمور أيضا عن الشهر الذي سبقه حيث تعهد ملايين اليمنيين في 18 محافظة بجمعة "القصاص مطلبنا" بالقصاص لشهداء الثورة وتقديم جميع القتلة إلى المحاكمة وتجميد أرصدتهم والعمل على استكمال بقية أهداف الثورة، كما ندد المشاركون بأعمال التخريب واستهداف المنشئات العسكرية والمدنية التي تقوم بها عصابة المخلوع بما في ذلك استهداف الفريق القانونى والحقوقي الذى يتقصى الحقائق فى العدين.
لم يحتشد المتظاهرون من أجل استكمال الأهداف السياسية للثورة فقط، فمع تراجع الأهداف الاجتماعية، وهي الشرارة الأساسية لإشعال الثورة، تظاهر أنصار "جبهة إنقاذ الثورة السلمية اليمنية" في عدد من شوارع صنعاء تنديدا باستمرار حكومة الوفاق الوطني في انتهاج نفس السياسات الاقتصادية للنظام السابق التي فاقمت معاناة المواطنين وزادتهم فقرا، وطالب المشاركون في وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل الحكومة بتوفير الخدمات المعيشية والأساسية للمواطن، والتوقف عن إصدار القرارات التي يستفيد منها عدد محدود من مراكز القوى.
وبرغم ما بدا ديمقراطيا حول صناديق الانتخابات التي جرت في أكثر من 30 ألف لجنة وانتهت بتنصيب نائب المخلوع رئيسا للبلاد قبل شهور، إلا أن هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام" لم تعبر عنه صناديق انتخابية قامت بتزوير إرادة الشعب حتى وإن بدت نزيهة، فالنظام الذي ثار ضده الملايين مازال قائما بكل عنفوانه يساوم بتحدي حول ثوابته في السيطرة الاقتصادية والسياسية بل ويجد شرعية في"عرس" ديمقراطي لرئيس رفض الاستقالة من حزب المؤتمر الشعبي الذي يترأسه المخلوع وظل تحت قيادته.
الحقيقة أن إمكانية تعبئة الشارع اليمني من جديد بملايين المتظاهرين أظهرت بقدر كبير عدم شرعية الانتخابات التي ظهرت في شكل الاستفتاء حول رئيس أقرته بنود المبادرة الخليجية، وهي تلك المبادرة التي مثلت الثورة المضادة في أقوى صورها واعتمدت على التخيير بين بقاء الرئيس السابق بن صالح بأزماته السياسية التي تفنن في صنعها وبين إزاحة رأس النظام فقط واستبداله بآخر يخدم بولاء النظام السابق، وهو ما حدث بالفعل كمحاولة لامتصاص الغضب الجماهيري المتصاعد وأيضا للحفاظ على المصالح السياسية والاقتصادية لأركان النظام السابق التي نادت الجماهير بهدمه.
فصالح لا يزال رئيسا لحزب المؤتمر الشعبي العام (الحاكم سابقا)، وأقرباؤه مازالوا يتولون مناصب قيادية في بنية الدولة الحيوية كالأجهزة الأمنية والعسكرية وفي طليعة هؤلاء نجله أحمد قائد الحرس الجمهوري، وهي قوات النخبة في الجيش، كذلك العميد ركن طارق محمد عبد الله صالح ابن أخ المخلوع الذي تمرد باللواء الثالث حرس جمهوري المتمركز عند الجبال المحيطة بالعاصمة صنعاء ليبدو جزئا من ميليشيات مسلحة مناصرة للمخلوع في الحصبة وصوفان ومناطق مختلفة عديدة. كما قام أنصار المخلوع بإغلاق مطار صنعاء الدولي وتعطيل الملاحة الجوية بهدف تعزيز الفوضى في اليمن وانتقاما من القرارات الجمهورية التي اتخذها الرئيس الحالي تحت ضغط الإضرابات العمالية بالطيران والتي أطاحت بأقارب المخلوع من بعض المناصب العسكرية في القوات المسلحة.
كما يمكننا هنا رصد بعض المواقع الإخبارية الموالية للسلطة التي مازالت تصف المخلوع علي عبد الله صالح بالرئيس، كذلك بعض أماكن العمل الحكومية التي لازالت تعلق على جدرانها صور للمخلوع، وهي إشارة لدلالات قوية على استمرار النظام السابق وإن تغيرت الوجوه، وبناء عليه لم يتم تطهير المؤسسات من الفساد، كما لن تتم محاكمة الرئيس السابق على جرائمه السياسية أو الجنائية بحق المتظاهرين، أو حتى تقديم شخص واحد للإدانة في اعتداءات قناصة موالين للحكومة على مظاهرة سلمية في صنعاء أسفرت عن مقتل 45 شخصاً، ليعلن النائب العام إنه لا يعرف عدد المتهمين المشتبه بهم من عناصر الأمن !
الشارع أدرك بنبضه الثوري أن الانتخابات التي جرت كانت استعادة شرعية للنظام القديم في استمراره وهيمنته بعد أن أسقطتها الثورة الشعبية ودماء مئات الشهداء والمعتقلين، وهو ما حاولت اللجان التنظيمية لشباب الثورة الدفع باتجاهه من خلال رفض كل مناورات النظام في إقامة مؤتمرات الحوار الوطني لنزع شرعية أكبر له، حيث استعاد الحراك الشعبي قوته من خلال إصرار الثوار على استكمال كافة أهداف الثورة، وبقاءهم في ساحات الحرية والتغيير مع رفع المطالب الأساسية في تنحية أقارب صالح من مناصبهم في الأمن والجيش، ومحاكمة جميع المتورطين بالقتل والاختطاف والاعتداء على الثوار وأسرهم، وإطلاق سراح المعتقلين والمخفيين من شباب الثورة والحراك الجنوبي وأحداث صعدة وجميع سجناء الرأي من عسكريين ومدنيين.
كما ركزوا في مطالبهم على إنشاء هيئة وطنية مستقلة لرعاية أسر الشهداء وتعويضهم تعويضا عادلا يتناسب مع تضحياتهم الكبيرة ومنح منزل لأسرة كل شهيد، والتكفل بعلاج جرحى الثورة، بالإضافة إلى إيقاف كافة الملاحقات بحق الثوار ومؤيدي الثورة وإعادة الاعتبار لهم وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار.
وطالب الشباب أيضا بحل مجلسي النواب والشورى اللذان يسيطر عليهما نواب حزب المخلوع، وحل جهازي الأمن القومي والسياسي، إلى جانب تجميد الأرصدة والأموال التي نهبتها عائلة صالح والفاسدون وإعادتها إلى الخزينة العامة.
استمرار ثوار اليمن على نفس طريق الثورة حتى بعد الانتخابات يثبت أن الشعوب الحرة لن تقبل بنصف ثورة تحفر لها مقبرتها.
للاطلاع على المزيد عن الثورة اليمنية، اضغط هنا