بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

اليمن وحربي الشمال والجنوب

يعيش اليمن وضعاً متأزماً في اللحظة الراهنة، ففي الشمال، يخوض نظام «علي عبد الله صالح» حرباً شرسةً، للقضاء على الحركة المسلحة للـ«حوثيين»، المتمركزين في محافظة «صعدة» الشمالية الحدودية، فمنذ 2004، والحرب مستعرة بين النظام، وبين الحوثيين، وهم المنتمون لما عرف، سابقاً، باسم «تنظيم الشباب المؤمن»، وهو تنظيم نشأ في بداية التسعينيات، تحت اسم «منتدى الشباب المؤمن»، وكان معظم من انتموا إليه، ممن استقالوا او هجروا «حزب الحق المعارض»، الذي كان يضم، بشكل أساسي المنتمين للمذهب الزيدي، أحد أهم المذاهب الشيعية، المتمركزين في هذه المنطقة من اليمن.

الحوثيين

هجرة هؤلاء من الحزب، كانت لها أسباب وملابسات، عدة، منها اهتزاز ثقتهم في قدرة الحزب على تحسين أوضاعهم، والتخفيف من حدة التهميش الاجتماعي والاقتصادي، الذي يعانون منه، وخاصة مع عدم تمكن الحزب من الفوز، بأكثر من مقعدين نيابيين، في انتخابات سنة 1993، أول انتخابات نيابية تعددية، بعد توحيد شطري اليمن، في1990، بالإضافة إلي انتشار المدارس الدينية السنية، المدعومة من النظام السعودي، ومن بعض الأطراف والأجنحة، داخل النظام الحاكم، بغرض تحجيم انتشار المذهب الزيدي الشيعي، في هذه المنطقة، وخوفاً من تغلغل النفوذ الإيراني.

غلب الطابع الديني التثقيفي على نشاط منتدى الشباب المؤمن ، في أول الأمر، إلا أنه سرعان ما تبني خطاباً سياسياً معادياً لأمريكا وإسرائيل، على يد «حسين بدر الدين الحوثي»، وذلك في الفترة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، واحتلال الولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان. وبعد استهداف المدمرة الأمريكية «يو إس كول» أمام الشواطئ اليمنية، في عملية أُعلن أن منفذيها ينتمون لتنظيم القاعدة، أصبح النظام اليمني، مطالب من الولايات المتحدة، بالمشاركة في الحرب على «الإرهاب»، وفي تصفية ما قيل أنه خلايا لتنظيم القاعدة في اليمن، لاسيما أن اليمن يحتل أهمية بالغة، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، في فرض النفوذ العسكري، على مضيق باب المندب ومنطقة القرن الإفريقي. واليمن أحد الدول العربية التي تشهد وجود عسكري أمريكي، وتعاون أمني، زاد بطبيعة الحال بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كما شهدناه في عملية اغتيال «أبو على الحارثي»، الذي قيل أنه أحد قيادات القاعدة في اليمن، كما أن القوات البحرية الأمريكية تقوم بزيارات دورية للموانئ اليمنية، وأصبحت القاعدة العسكرية السوفيتية السابقة، الموجودة بجزيرة سوقطرة اليمنية، تابعة لسلاح الإشارة الأمريكي، كل هذا، مع تنامي نفوذ «منتدى الشاب المؤمن»، الذي تحول إلي «تنظيم الشباب المؤمن»، أدى إلي زيادة التوتر بين الحوثيين وبين النظام اليمني.

معارك الشمال

مرت المواجهات بين النظام اليمني وبين الحوثيين بستة جولات، الأولى في2004، عندما خرج الآلاف من الحوثيين في مظاهرات معادية للولايات المتحدة، أعتُقل على أثرها «حسين بدر الدين الحوثي»، زعيم الحوثيين، فاندلعت المواجهات المسلحة بين الطرفين، والتي انتهت بمقتل حسين الحوثي نفسه، في سبتمبر من العام ذاته، عادت بعدها المواجهات المسلحة لتندلع مجدداً، في جولة ثانية، في مارس سنة2005، بقيادة «بدر الدين الحوثي»، واستمرت نحو ثلاثة أسابيع، تدخلت بعدها القوات اليمنية بقوة لحسمها، وفى نهاية عام2005، اندلعت الجولة الثالثة، ثم توقفت باتفاق هدنة بين الجانبين، وثم جولة رابعة في منتصف2007، تمكّن الطرفان من التوصل إلى اتفاق، عن طريق وساطة ناجحة، بذلتها دولة قطر، حيث وقّعا مع بداية 2008، اتفاق الدوحة. غير أن هذه الاتفاقية لم تصمد طويلاً لعدم الالتزام ببنودها، وإثر ذلك تجددت المواجهات المسلحة بين الجانبين عام2008، إلى أن أعلن الرئيس اليمني وقف إطلاق نار أُحاديّ الجانب، في يوليو2008، أنشأ بعدها «لجنة صعدة للسلام وإعادة الإعمار».

لكن الحوثيين رأوا بعد ذلك، أن اللجنة لم تقم بما هو مطلوب من جهود، لإعادة إعمار ما خلفته المواجهات مع النظام، فتجددت المواجهات مرة أخرين ولازالت مستمرة إلي الآن.

يبرر النظام اليمني صدامه مع الحوثيين بأنهم خطر علي أمن اليمن ووحدته، ويدعي، طوال الوقت، أنهم امتداد لنفوذ إيران وحزب الله!!! وداخليا يحاول عبد الله صالح تقديم الحوثيين، على أنهم يريدون العودة باليمن إلي نظام الإمامة مرة أخري! وقد تسبب الصراع في هروب عشرات الآلاف من المدنيين، من مناطق النزاع في محافظة صعدة، الملاصقة للحدود السعودية، وقد قدرت منظمات الإغاثة عدد النازحين، الذين فروا من منازلهم بسبب القتال بـ150 ألف نازح، في الوقت الذي تعاني فيه منظمات الإغاثة، من عدم تمكنها من الوصول إلي كل النازحين، الذين لا يزالوا عالقين في مواقع القتال، ويعيش آلاف اللاجئين داخل معسكرات، يصفها البعض بأنها سجون، بسبب سوء المعاملة التي يلاقونها، على يد الحكومة اليمنية هناك.

كل ما حدث، وما يحدث، يؤكد أن النظام اليمني سيستمر في معاركه حتي النهاية، ولكن مع كل ما خلفته المواجهات من خسائر فادحة، يبدو أن النهاية التي يطمح النظام اليمني في الوصول إليها، أمراً صعب المنال.

التهميش والانفصال

انفجار أخر يواجهه النظام اليمني، فبعد تسعة عشر عاماً، من إعلان الوحدة بين شطري البلاد، و بعد خمسة عشر عاماً، من حسم الصراع، لصالح استمرار اليمن تحت حكم مركزي واحد، يخرج اليوم آلاف المتظاهرين، في محافظات اليمن الجنوبية، معلنين رغبتهم في فك الارتباط، والعودة لاستقلال جنوب اليمن عن شماله، فمنذ إبريل من العام الجاري، والمظاهرات تندلع بين الحين والآخر في محافظات ومدن الجنوب.

تعود التوترات إلي الحرب الأهلية، بين شطري اليمن، في1994، والتي اندلعت بسبب رغبة الجنوبيين في فك الارتباط عن الشمال، وقد انتهت بهزيمة الجنوبيين بقيادة «الحزب الاشتراكي»، وبزعامة «سالم البيض»، نائب رئيس الجمهورية، آنذاك، ورئيس اليمن الجنوبي، فيما قبل الوحدة، في1990، وقد سُرِّح نحو 60ألف عسكري، من جيش اليمن الجنوبي، عقب استقرار السلطة في يد حكومة صنعاء المركزية، كما تم تنحية العديد من المدنيين والعسكريين الجنوبيين من مواقعهم هناك.

دائما ما كان اليمنيون الجنوبيون يشتكون، من التهميش والاستبعاد، خاصةً، مع ميل الرئيس اليمني «على عبد الله صالح» للاعتماد على أقاربه وأبناء قبيلته، والمقربون منه، وتوليتهم المناصب المهمة في الدولة.

ورغم أن الاحتجاجات في جنوب اليمن تعد جزء من النشاط المعارض للنظام اليمني بشكل عام وبخاصة مع الوضع الاقتصادي والمعيشي، إلا أن هذه الاحتجاجات سرعان ما اكتسبت طابعاً انفصالياً ومناهضاً لاستمرار الوحدة مع الشمال، بسبب ممارسات النظام القمعية في الجنوب، فسقوط قتلي وجرحي، واعتقال العشرات من المحتجين زاد الوضع سوءً. علاوة على قرار الحكومة اليمنية، في مايو الماضي، غلق ثماني صحف أسبوعية وواحدة يومية، في الجنوب.

أحزاب المعارضة اليمنية الجنوبية أيضاً، ساهمت في تأجيج دعوي الانفصال، وبخاصة الحزب الاشتراكي بزعامة «سالم البيض» من منفاه في النمسا.

الديكتاتورية والقمع

الوضع اليمني الداخلي المشتعل ليس إلا انعكاساً لأخطاء النظام، فقد سقط اليمن في كل فخاخ الديكتاتورية، عندما ظن النظام أنه قادر على حل قضايا اليمن المعقدة والمتشابكة بالقمع، والقمع وحده، تحت دعوى الحفاظ على وحدة اليمن.

الحقيقة التاريخية الثابتة هنا، أن أكثر ما قد يحافظ على وحدة بلد مثل اليمن، بتاريخه من الانقسام بين شطرين جنوبي وشمالي، والذي اشتمل على مواجهات عسكرية وسياسية، هو تطبيق الديموقراطية في الحكم وفي توزيع عادل للثروة بين الجماهير التي تعاني، حتى هذه اللحظة من الفقر رغم مرور قرابة العقدين على الوحدة، التي تم تقديمها على أنها الحل السحري لمشاكل اليمن.

فالرطانة باسم الوحدة، لن تجدي شيئاً، إذا لم تشعر الجماهير بأثرها المباشر، عليها وعلى حياتها، كما أن تقديم الحوثيين كقربان على مذبح السياسة الأمريكية، لن يفيد أيضاً في دعم النظام اليمني الحاكم إذا ما استمرت الأوضاع الداخلية كما هي من تردي اقتصادي، وقمع للحريات.