بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عربي ودولي

في أعقاب قضية أحمد الجيزاوي:

ماذا عن العمالة المصرية بالسعودية؟

فجرت قضية أحمد الجيزاوي أكثر الملفات أهمية حول انتهاكات ضد العمالة المصرية بالسعودية، فحسب التقديرات هناك ما لايقل عن ألف قضية لمواطنين مصريين تعرضوا لامتهان كرامتهم بالاحتجاز والاعتقال التعسفي مع ازدياد حدتها عقب ثورة 25 يناير وفي ظل نفس رد الفعل لدى الموقف الرسمي الذي تميز بالبطىء الشديد والتراخي والاكتفاء بالإجراءات الشكلية إن وجدت.

فوفقا لتقرير "متى تقوم دول الخليج بإلغاء نظام الكفيل؟" الصادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، فإن الحالات التي قامت باللجوء إلى القنصلية أو السفارة المصرية لم يتم تقديم دعما ملموسا لها توالي الأزمات.

حاول التقرير ضمنيا أن يضع أزمات المصريين العاملين بالسعودية في شقين مترابطين، أولهما الشق الاقتصادي المتمثل في الرواتب والمستحقات المالية بما يشمل ذلك الحقوق الوظيفية، فالترحيل المفاجىء من قبل صاحب العمل للتخلص من التزاماته المالية وسداد الأجور المتأخرة عليه لعماله هي أكثرها شيوعا حيث يتم النقل التعسفي خارج البلاد عند إبلاغ صاحب العمل السلطات المختصة بأن لديه عامل انتهت العلاقة التعاقدية ويرفض السفر وبالتالي تقوم السلطات بترحيله دون حصوله على مستحقاته.

لا يخفي في ذلك الدور الذي يلعبه الكفيل في السيطرة على العامل أو سحقه لصالح صاحب العمل وبإمكانه أن ينهي التعاقد دون سابق إخطار، وهو ما يضع العامل رهن اختيار الكفيل، فبمجرد الاستغناء عنه سيتم تضييع حقوقه الوظيفية التي لا تنصفها جهات العمل بالسعودية دائما. فبعض الحالات رصدت ابتزاز الكفيل وإجبار العامل على التنازل عن كافة مستحقاته المالية إذا قرر إنهاء التعاقد معه، ومع تضخم المشاكل لجأ الكفيل إلى استدعاء القوة الأمنية للقبض عليه بتوجيه تهم العمالة والجاسوسية ليقضي الإدعاء العام بإسقاط التهم وتغريمه، وحتى الآن سجلت بعض الحالات احتجاز لعدة شهور دون سبب واضح. الأمر لا يخلو أيضا، كما عرض التقرير، من الاتهام بقضايا القتل ليتم التعرض لوقائع تعذيب والضرب بالشوم كذلك الصعق بالكهرباء والإجبار على التوقيع على الاعترافات دون وجود أي أدلة تورط بالجريمة.

ولأن أغلب العمالة المصرية المهجرة إلى السعودية تتم بمعرفة مكاتب التوظيف الخاصة مع رفع يد الدولة عنهم، فإن نفس هذه المكاتب، وفقا للتقرير، تظهر ضعف الإمكانيات البشرية والمادية لحل مشاكل العمالة التي تم استقدامها وخاصة أنها تعمل بأهداف تجارية بحتة ليست لها علاقة بعلاقات العمل. كما يمكن أن تتغير شروط عقد العمل عما هو متفق عليه بعد الوصول إلى السعودية.

أما الشق الثاني الذي حاول التقرير عرضه ضمنيا من مشاكل المصريين هو الشق السياسي والأكثر خطورة، حيث شهدت مصر في الآونة الأخيرة العديد من الوقفات والاعتصامات لأسر المصريين العاملين بالمملكة السعودية لتعرض ذويهم للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي، وقد تم رصد مثل تلك الحالات بالتقرير من حيث الاستدلال بأمثلة تم احتجازها بالفعل دون توجيه أي تهمة أو إجراء تحقيق أو أن يتم ايداعهم بالسجن السياسي بعد القبض عليهم من قبل قوة أمنية من المباحث السعودية، بل وكثير من الحالات لم يستدل على مكان احتجازها، والكثير أيضا لم ينالوا الرعاية الطبية اللازمة عند تدهور حالتهم الصحية كما لم تستجب أيضا الجهات المعنية المصرية لتلك الحالات!

إلا أن الحالات الأكثر خطورة التي سجلها التقرير لم تعكس فقط تعسف ضد المصريين بقدر تعسف واضح ضد ثورة المصريين على حليف السعودية الأول المخلوع مبارك، حين سافر أستاذ بجامعة الباحة مغادرا السعودية إلى مصر لحضور جنازة والده في فبراير 2011 وفوجىء بعد عودته باحتجازه والتحقيق معه لأكثر من 12 ساعة متواصلة بتهمة تصدير ثورة 25 يناير والشروع في القيام بثورة موازية داخل أراضي المملكة، حيث تم مصادرة جواز سفره ومنعه من التنقل داخل الدولة. الأمر تكرر أيضا مع آخرين.

يذكر في هذا الصدد الدور السياسي الذي لعبته السلطات بالسعودية في محاولة إنقاذ النظام الذي ثار ضده المصريين بتقديم العروض المالية بعد تهديد واشنطن بسحب المعونة الأمريكية إذا لم يستجب النظام المصري لمطالب الشعب، أو بمعنى أدق أن يضع حدا لتلك التظاهرات. مبارك هو الحليف المقرب للسعودية في محور دول الاعتدال والذي استطاعت أمريكا واسرائيل تجنيد أكثر الدول ولاءا لها من الناحية السياسية والاقتصادية في ذلك المحور، يظهر ذلك في مواقف البلدين تجاه قطاع غزة ومساعي المساواة بين الضحية والجلاد بعملية الرصاص المصبوب عام 2009، كما مثلت الدولتان محورا قويا لاستضافة القواعد العسكرية الأمريكية بالمنطقة وتقديم الدعم الكامل في معاداة النظام الإيراني وكسر نفوذه بالمنطقة.

جدير بالذكر أن السلطات السعودية قامت الأسبوع الماضي بإعدام ثماني صيادين إيرانيين بعد القبض عليهم حيث لم يتم عرضهم للتحقيق أو المحاكمة، ليس ببعيد إذن في هذا الصدد أن نتوقع أن الاعتقالات التعسفية السياسية للمصريين بالسعودية هي جزء من عمل مخابراتي قد يكون مشترك أو حتى جزء من الدعم السياسي بين البلدين، قد يفسره الإهمال من الخارجية المصرية، والتي زادت حدته بعد ثورة 25 يناير والإطاحة بالمخلوع.

كما لا يمكن فصل ذلك عن المظاهرات والاحتجاجات الداخلية وخاصة بالمنطقة الشرقية للسعودية حيث تهديد الثورات العربية قد يصل للعاهل السعودي مصدر التشريع بالمملكة، لتزداد الأمور حدة ليس فقط ضد النشطاء بالمملكة ولكن بالأخص إحكام القبضة الأمنية ضد هؤلاء الوافدين من مصر الثورة وقد تمتد موجة القمع ضد كل الوافدين من دول شهدت ثورات بالفعل.

الأيام القادمة تشهد مولد دستور جديد، ونحن على أعتاب مرحلة ما بعد الثورة فإن ما ينتظره الشعب هي دولة قبل أن تحترم المواثيق الدولية للعمالة بالخارج، فهي تحترم حقوق المواطن في بلده دون استقدام أصحاب عمل أجانب يتلاعبون باقتصاد مصر وعمالها، سيكون ذلك في إطار خطط ثورية تقضي بتطهير كل المؤسسات من أذناب النظام البائد بما في ذلك القنصليات والسفارات المصرية بالخارج.