بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

مخططات تهويدها.. القدس عاصمة للثقافة العربية

نحن في 2009، عام “القدس عاصمة الثقافة العربية”، لا تزال الصحف تطالعنا بأخبار عن انتهاكات إسرائيلية جديدة، تضر بالأماكن المقدسة في مدينة القدس، وبالرغم خطورة كل حادث، تفصيلا، فإنه يقع ضمن سلسلة طويلة من الممارسات الصهيونية اصطلح على تسميتها “تهويد القدس”، وتضم في إطارها كل العمليات والإجراءات، والممارسات التي ترمي إلى محو هوية القدس كمدينة عربية، وإضفاء طابعاً يهودياً-صهيونياُ عليها.

يشمل النشاط الصهيوني في القدس تغيير التركيبة السكانية، بطرد المواطنين العرب، ومنع عودة اللاجئين والنازحين، وكذلك المسافرين لفترة قصيرة، في مقابل إحلال مستوطنين يهود محلهم، وأغلب هؤلاء المستوطنين من المتدينين المتعصبين كثيري الإنجاب، ومستواهم الاقتصادي والاجتماعي متدن، لا تعوذهم الدوافع للاعتداء على الفلسطينيين. كما تعكف إسرائيل على توسيع نطاق القدس إدارياً، وضم المزيد والمزيد من المستوطنات المحيطة، وتكثيف البناء، حتى تخلق أمرأً واقعاً على المدى البعيد، بان تكون المدينة صهيونية، من حيث عدد السكان ، والطابع الغالب عليها.

يصعب حصر الممارسات الإسرائيلية في سبيل تهويد، لكن أخطرها هي الحفريات التي تتم تحت المقدسات الإسلامية، خاصة المسجد الأقصى، ومن بينها النفق الشهير، تهدف تلك الحفريات في المجمل إلى تقويض أساسات المباني الأثرية، وتعريضها للسقوط، وهو ما تم بالفعل مع عدد من المباني التاريخية، تقل أهميتها الدينية والأثرية عن المسجد الأقصى، علاوة على نهب المكتبات والتحف، التي تضمها تلك المباني. إلى جانب اعتداءات المستمرة من جانب المستوطنين المسلحين ضد أهالي القدس العرب. ويجب التذكير بأنه على يد أحد هؤلاء المستوطنين تم إحراق المسجد الأقصى في1969.

ويرجع تاريخ الحفريات في القدس إلى فترات زمنية سابقة على النشاط الصهيوني، ولكنها كانت تستند أساسًا إلى ما يسرده “العهد القديم من أحداث”، ولم تستطع البعثات الاستكشافية، مختلفة الجنسيات، في العثور على أدلة ذات حيثية يعتد بها، تثبت أي تاريخ يهودي للقدس أو محيطها، مما حدا بإسرائيل بعد الاستيلاء على القدس، في 1967، باستبعاد أية بعثات علمية غير صهيونية والتضييق عليها، والقيام بتلك المهمة بنفسها، وتم فضح عملية دس آثار مزيفة في طريق الاستكشافات. وأخيرا فإن جميع الحفريات، التي تصاعدت وتيرتها بشدة، منذ التسعينيات، فشلت في إثبات هوية يهودية للمدينة، بعد هذا الفشل الذريع، وضعت الصهيونية أمامها هدفاً محدداً، هو تدمير الآثار الإسلامية والمسيحية، وذلك حتى يستقيم المنطق الصهيوني العنصري القائم على أسطورة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

جدير بالذكر أن سبب عدم وجود آثار تعود لما يسمى “التاريخ اليهودي” يرجع إلى أن “أورشليم” ظلت تحت حكم اليهود، بفرض صحة الرواية التوراتية، لفترة قصيرة جدًا، ثم أصبحت تحت حكم الإغريق، ثم الرومان، ثم العرب، الذين عاشوا في القدس منذ القرن السابع وحتى القرن العشرين. وقد اتسمت صورة أورشليم في التراث اليهودي القديم بالتناقض، أحيانا تذكر بشيء من الإجلال وأحياناً أخرى يكون اللعن من نصيبها. أما في العصور الوسطى، وحتى القرن التاسع عشر، كانت صورة القدس رومانسية، خيالية، تمثل رمزًا لأحلام الخلاص الروحي، الذي لم يقترن بأي نشاط استيطاني، عدا زيارة الحجاج والمسنين اليهود.

في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، سعى تيار اليهودية الإصلاحية إلى محو ذكر صهيون من الوعي اليهودي، بهدف مساعدته على الاندماج في المجتمع الغربي. في المقابل، بدأت بعض الكتابات الصهيونية منذ منتصف القرن التاسع عشر، تستخدم حلم العودة إلى صهيون، بهدف اجتذاب يهود شرق أوروبا، الذين غرقوا في الفقر والفكر الأسطوري.

على الصعيد العملي، كانت الصهيونية السياسية والعملية تشترط أن يكون الوطن القومي لليهود في فلسطين، وإن كان لا يعني ذلك، بالضرورة، أن تكون القدس عاصمته. في السنوات الأولى للاستيطان، كانت القدس مهمشة، سواء من حيث مشروعات الاستيطان، أو من حيث المطالبة بالسيادة البلدية، وبعد الثورة العربية الكبرى، كان جل ما يحلم به الصهاينة، هو السيادة على “القدس الغربية”، لأسباب اقتصادية بحتة، وتدويل القدس الشرقية.

لكن الأمر الواقع، الذي أسفرت عنه حرب 1948، حيث هزيمة الجيوش العربية، هو الذي دفع الصهاينة إلى الشروع في سياسات، وممارسات بهدف الاحتفاظ بالقدس، وهو السبب نفسه الذي دفعهم إلى إجراءات ضم القدس الشرقية، عقب حرب 1967.

بعد حرب 1973، وبخاصة بعد تولي حكومة الليكود1977، زادت النعرة الدينية فيما يتعلق بالقدس. وبعد كامب ديفيد أصبح شعار “القدس الموحدة”، كعاصمة لإسرائيل، منذ 1980، من الثوابت لدى جميع القوى السياسية في إسرائيل. القدس مستبعدة من أي تسوية محتملة مع الفلسطينيين، وحتى أكثر المشروعات النظرية كرمًا، لا تمنح الفلسطينيين أكثر من حق ممارسة الشعائر، وبحد أقصى سيادة بلدية محدودة على قرى القدس العربية، وإدارة شئون الأوقاف.