بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

مُنعطف حزب الله الطائفي

سرعان ما أصبح “حزب الله” ذو الدور المشود به في مقاومة إسرائيل منبوذاً في العالم العربي كله، حتى أسماه البعض علناً بـ”حزب الشيطان”. أما دعاة المسلمين السنة الذين قد أعلنوا سابقاً دعمهم له يدعون الآن إلى “حرب مُقَدَّسة” ضده، بينما أصبح الشيعة الآن ضحايا للطائفية والعنف المُروّع.

إن تَحَوُّل حزب الله من كونه يمثل “أبطال المقاومة” إلى حزب طائفي منحاز إلى حرب أهلية وحشية في سوريا يعود إلى اعتماده على القوى الخارجية. تاريخياً، كان مجتمع المسلمين الشيعة في لبنان واحداً من أكثر المجتمعات حرماناً وأقلها تمثيلاً في النظام الذي يتقاسم غنائم المناصب السياسية وفقاً للمذهب الديني. وعلى الرغم من أنهم يشكلون حوالي 33% من الشعب اللبناني، إلا أن الوظائف الحكومية المخصصة للشيعة كانت تُعَد الأقل تأثيراً.

ساهم هذا التهميش السياسي في خلق أرض خصبة لنمو التيارات اليسارية والراديكالية في السنوات قبل الحرب الأهلية اللبنانية في 1975، وفي أعقاب الغزو الإسرائيلي عام 1982، وهزيمة اليسار والفلسطينيين، تسارعت وتيرة التوجه الطائفي، وضاعفها حصار سوريا للمخيمات الفلسطينية في حربها لتدمير منظمة التحرير الفلسطينية، أدى الغضب ضد سوريا إلى تشكيل حزب الله وتحالفه مع إيران.

على عكس الأحزاب القائمة، لم ينشأ حزب الله لتمثيل النخب الطائفية بلبنان، ولكنه تأسس من أسفل، وبرز زعيمه حسن نصرالله على الساحة كقائد موهوب ذو قدرةٍ على تنظيم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من ضيق قاعدته الأيديولوجية والدينية، اجتذب حزب الله دعماً هائلاً من المذاهب الأخرى لموقفه المبدئي ورفضه لاستخدام أسلحته لتسوية “المسائل الداخلية اللبنانية”.

بعد الانتصار على إسرائيل في حرب 2006، اكتسب الحزب وضعاً لا يُضاهى في العالم العربي، وكان التأييد الواسع من عموم الشعب هو مفتاح هذا الانتصار، فعلى عكس ما حدث عام 1982 عندما تُرِك اللاجئون تحت رحمة الجيش الإسرائيلي بعد مُحاصرتهم في غرب بيروت، فقد حصل الفارين من الهجوم الإسرائيلي في 2006 على ملاجئ بمجتمعات أخرى، ولجأ عدد كبير منهم في سوريا، في أحياء فقيرة بمدن مثل حمص ودمشق والقصير، تلك المدن السورية التي دُمِّرَت في هجمات حزب الله الأخيرة.

تركت الحرب حزب الله أمام خيارين، إما أن يُحوِّل نفسه إلى حركة حقيقية للتغيير تتجاوز قاعدته الطائفية الضيقة، أو القبول بتسوية مع النظام الطائفي، وقد وقع اختياره على الأمر الثاني، ورحب بإملاءات ما يُسمى بـ”اتفاقية باريس” التي وفرت الأموال اللازمة لإعادة إعمار لبنان، ولكن في مقابل اكتساح آخر لسياسات نيوليبرالية. كانت هذة نقطة التحوُّل.

تدفقت أموال طائلة من إيران (وقطر) إلى المناطق الشيعية المتضررة من جراء الهجوم الإسرائيلي مما ساعد على بقرطة حزب الله، وفي معاقل الحزب بجنوب بيروت نشأت طبقة من رجال الأعمال الشيعة تستغل أموال إعادة الإعمار لشراء شقق سكنية ثم تبيعها بأرباح ضخمة. كان لهذه الإصلاحات النيولبيرالية أثر مدمر على العمال اللبنانيين الفقراء، بينما يخف ذلك التأثير في المناطق الشيعية نتيجة للرعاية الاجتماعية التي يمولها الحزب ومؤيدوه، وأهمهم إيران.

أدى ظهور طبقة من الأثرياء متصلة بحزب الله إلى تحويله إلى حزب كالعديد من الأحزاب في لبنان، وانتقلت الشبكات الاجتماعية لخدمة الطبقة الوسطى الشيعية المتنامية، حتى صارت بعض مستشفياتهم ومدارسهم من أغلاها سعراً في البلاد. وفي عشية ثورات العالم العربي عام 2011، شابه حزب الله غالبية الأحزاب السائدة، ولم يميزه سوى الاتزام بالدفاع عن الجنوب، ولذلك قبل الشعب اللبناني بأن يحتفظ الحزب بأسلحته بشرط ألا تُستَخدم لأي غرض آخر، ومع تدخله في سوريا نكث ذلك العهد.

حزب الله، كغيره من حركات المقاومة من قبل، صار يعتمد على الرعاية الخارجية مما هدد استقلاليته، فبالاعتماد على إيران للتمويل، وعلى سوريا للأسلحة، وجد نفسه على خلاف مع الربيع العربي. فالحزب اليوم يقف إلى جانب نظام قد عارضه من قبل، وأعلن حرب على الشعب السوري الذي احتشد للدفاع عنه سابقاً، مما عمق إحساس الشعب بالخيانة.

استخدم نصر الله حالة المقاومة للحشد لتأييد الرئيس السوري بشار الأسد حين اندلعت الثورة السورية في مارس 2011، وبتدخله، مندداً بالانتفاضة واصفاً إياها بالمخطط الأجنبى والثوار بالسلفيين المتطرفين، خدم نظام الأسد وإيران على حساب مصداقية الحزب، ونتج عن ذلك رد فعل عنيف ضد المسلمين الشيعة. إن الخطر الأكبر الذي قد يهدد حزب الله هو هجوم إسرائيلي جديد، فإنه سيجد نفسه مع عدد قليل من الأصدقاء، وعواقب ذلك على المقاومة ستكون كارثية.

في مقالة تنبؤية عام 2006، أشار كريس هارمان إلي أنه “ليس من المدهش أن تقبل منظمة تعتمد بالأساس على النظام الرأسمالي العمل ببرنامج اقتصادي “محافظ” في مكانها وأن ترفض الإطاحة بالحكومات العربية المجاورة”.

* المقال بقلم الاشتراكي الثوري البريطاني سيمون عساف، منشورة باللغة الإنجليزية بمجلة “الاشتراكي” الشهرية، عدد يوليو 2013، يصدرها حزب العمال الاشتراكي البريطاني