مواقف سورية من العدوان الصهيوني ودعم المقاومة
تتفق أغلب التحليلات السياسية اليوم ، حتى في وسائل الإعلام الرأسمالية الكبرى، على أن هدف الحرب المدمرة التي شنتها الدولة الصهيونية على لبنان وغزة لم يكن”تحرير” جنودها الأسرى ، وأن أهداف هذه الحرب الوحشية تتجاوز قضية الجنود وتتعلق بقضية أكبر هي اعادة تشكيل المنطقة وفق المصالح الإمبريالية والصهيونية. فقد انتقل الموقف الإمبريالي وخاصة الأمريكي وحليفه الصهيوني من ” حق الدولة الصهيونية في الدفاع عن نفسها ” كما ورد في تصريحات بوش في الأيام الأولى للعدوان، وهو الموقف الذي رددته العواصم الإمبريالية الأخرى، والتحقت به بشكل او بآخر الأنظمة العربية التابعة، إلى موقف أكثر وضوحا وهو الرغبة بإقامة “شرق أوسط جديد” وفق تعبير وزيرة الخارجية الأمريكية.
ولأن الإستراتيجية الإمبراطورية الأمريكية أثبتت منذ سبتمبر 2001 أن دعوتها ل”الديمقراطية” و “الحرية” في “شرق أوسط كبير” تسببت في حربين طاحنتين في أفغانستان والعراق، وخلقت نهوضا لمقاومة شرسة ضد الاحتلال الأمريكي لهما. واليوم أن تقوم نفس الإدارة الأمريكية بطرح مشروع “شرق أوسط جديد” على وقع خطى حرب مجرمة ووحشية ضد لبنان وفلسطين فهو شيء يثير قلقا عالميا من تجدد إندلاع حروب جديدة ، وبلا نهاية. ويجعل من خطاب “الديمقراطية والحرية ” للإمبريالية الأمريكية وببغاءاتها في منطقتنا مسخرة وأكذوبة لا تنطلي على الجماهير الواسعة في بلادنا، والتي تلمس بمرارة وحقد متزايدين مدى الاحتقار والاستهتار الذي تبديه الدول الإمبريالية والإدارة الأمريكية بأرواح ودماء الشعوب العربية بأطفالها ونسائها وشيوخها، و مدى استرخاصها للإنسان العربي.
وفي مواجهة هذه الإستراتيجية الإمبريالية الصهيونية الشرسة وقفت المقاومة الشعبية اللبنانية بقوة وعنفوان رائعين ، ومهما كانت نتائج هذا العدوان فإن حقيقة اصيلة تكشفت لجماهير المنطقة ، وهي الإمكانية الفعلية للجماهير المقاومة في مواجهة وهزيمة الدولة الصهيونية والقوات الإمبريالية ، وبذلك تبخرت مقولة القوة الكلية التي لا تقهر التي تحيط نفسها بها. فالدولة الصهيونية هي من بين أقوى الدول تسلحا في العالم ، ولبنان من بين اضعفها.
في الوقت نفسه، ومع تصاعد العنف الوحشي الصهيوني وحربه المدمرة وفعالية المقاومة الشعبية في مواجهته ، شهدت منطقتنا و العالم تصاعد تظاهرات الإدانة الحازمة لهذا العدوان ، وحملات التضامن الكبيرة مع المقاومة في لبنان وفلسطين بينما إنفضح، من جهة أخرى ، تهافت الأنظمة العربية التي تفسخت وتهالكت وازدادت عزلتها عن شعبها. وتباينت مواقف الأنظمة بين من يدعي بدعم المقاومة قولا لحساباته الاقليمية ، وبين من يدين المقاومة ويتشفى بالدمار الذي يتعرض له لبنان. وإذا كان هنالك حقاَ من جديد في هذا ” الشرق الأوسط” فهو تعري هذه الأنظمة المتهالكة ، التي، بفضل نهوض الوعي والنشاط الجماهيري المقاوم ، لن يطول بقاؤها. إنها مرحلة حبلى بالأحداث، تشبه ما حدث بعد 1948.
وفي حين يقوم نظاما سوريا وايران الداعمان لحزب الله – دون أن يعني ذلك، كما يدعي البعض، أنه أداة بأيديهما- بمحاولة مزج خطاب يدعم المقاومة مع خطاب يدعو الدول الإمبريالية إلى التعامل معهما لايجاد تسوية ترضي كل الاطراف ، وكمخرج لهما للتخلص من الحصار المفروض عليهما . يقوم محور السعودية ومصر والاردن، صراحة، بتوفير المناخ المناسب لسحق المقاومة وإلحاق المنطقة باكملها في المشروع الأمريكي .
ويرسم موقف النظام السعودي حدود الموقف الرسمي العربي المتخإذل والتابع ، إذ أنه –أي الموقف الرسمي السعودي- قد حمل المقاومة اللبنانية ” المسؤولية الكاملة” عن تصرفاتها “غير المسؤولة” ودعاها إلى “إنهاء الازمة التي اوجدتها” وطالب ب”التفرقة بين المقاومة الشرعية وبين المغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة ومن ورائها دون رجوع إلى السلطة الشرعية في دولتها..”.
في المقابل ، تفاوتت مواقف القوى المعارضة في سوريا . فقد تطابقت مواقف بعضها ، خاصة بعض تلك المنضوية منها في إعلان دمشق، مع الموقف الرسمي السعودي. أو كما قال احد الكتاب المقربين منها “ثمة مؤشر إلى أن المعارضة في شقيها(في الداخل والخارج) تدعم الشعب اللبناني وحسب ، وبطريقة ما تتبنى الموقف السعودي وقوى الاغلبية السياسية في لبنان (14 إذار) من” حزب الله ” ..”(رأفت نديم شهبا، اخبار الشرق).
والحال ، فإن الخطاب الشعبوي-الليبرالي للقسم الأكبر من المعارضة السورية في الداخل ومثقفيها ، يمكن أن يفسر حقيقة التوصيف السابق لغالبيتها. فقد أشار أحد الكتاب المعروفين إلى أن “إسرائيل” تجد في حوزتها ..”لأول مرة قرارأ يضفي على عملياتها العسكرية لمسة من الشرعية غير المسبوقة..” (ياسين الحاج صالح ، حرب ضدلبنان..، الحوار المتمدن).
وفي هذا السياق ، صدر بيان حزب الشعب الديمقراطي الذي غاب عنه كلمة “إدانة” العدوان الصهيوني وغابت عنه تماما الولايات المتحدة وسياساتها المسؤولة عن مايجري في منطقتنا. فبعد توصيف البيان للعدوان والدمار في لبنان وتهتك الأنظمة العربية، يشير إلى أن ” المقاومة حق مقدس، ولكن قدسيتها تنبع من كونها تعبيرا حقيقيا عن إرادة وتطلعات الشعوب لتحرير أراضيها المحتلة وحماية استقلالها الوطني ، وبوصفها خيارا مدروسا … وليس استفراد بالقرار من قبل طرف أو فئة ، يجر البلاد إلى مصير مجهول خدمة لمصالح اقليمية..” ، البيان مقارب للموقف السعودي وافتقر إلى اية اشارة لدعمه للمقاومة الشجاعة اللبنانية، بل يوجه لها نقدا واضحا .
وتلاه بيان حزب العمال الثوري العربي، الذي يمكن القول إنه نسخة مطابقة عن بيان حزب الشعب السابق ، مع فارق بضعة كلمات تشير إلى “ادانة العدوان”. وأصدرت لجان إحياء المجتمع المدني بيانا مشابها ، يدين العدوان ويطالب بوقفه ويحذر من خطورة السياسات غير المحسوبة في التعاطي مع القضايا المصيرية…” الخ.
بينما تميز بيان الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي بموقف واضح ب”تأييد ومساندة خيار المقاومة” وتأييده الحازم للمقاومة اللبنانية وحزب الله. وتنديده “بتخاذل النظام العربي الرسمي ” و” سياسة الازدواجية الإنتقائية للنظام الدولي”. وجاء بيان”إعلان دمشق” ، مرة أخرى ، ليعبر عن موقف اطرافه الفاعلة، إذ بالرغم من أنه ادان “هذا العدوان الوحشي” الا أنه لم يحمل اسرائيل والولايات المتحدة المسؤولية عن الحرب الوحشية واستمرارها، ولم يعلن تأييده للمقاومة اللبنانية. بل دعا إلى التضامن الواسع “مع الشعب اللبناني” و “الوقف الفوري للعدوان على قاعدة القرارات الدولية”.
وصدر بيان حزب العمل الشيوعي الذي اكتفى بالاشارة إلى أن الأحداث الدامية أكدت “أن الإنسان العربي أسير المحتل الخارجي والمغتصب الداخلي” وأن شعوبنا العربية العربية” مستباحة من قبل اعدائها الأنظمة الدكتاتورية والعنصرية الصهيونية والإمبريالية الأمريكية العدوانية” لكنه تقارب مع بيانات بعض قوى إعلان دمشق بخصوص جوهر الموقف من” المقاومة المشروعة حسبما تنص عليه المواثيق وتقره الأعراف الدولية والانسانية” . وهو، في هذا الخصوص، قريب من المواقف المقاربة للموقف السعودي.
فيما يخصنا، كنا عموما نرى ومانزال أنه امام أي عدوان تشنه دولة امبريالية(قوية) ضد دولة ضعيفة ، فإن موقفنا واضح لا مواربة فيه. إننا نقف ضد العدوان الإمبريالي وندعم المقاومة الشعبية، بغض النظر عن موقفنا وتحليلنا للطبيعة السياسية و الاجتماعية لقياداتها ، كما حصل في فييتنام أو منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من البلدان.
ومهما كان جبروت القوة العسكرية للامبريالية الأمريكية وامبراطوريتها ، فإنها بإستخدامها المدمر لقوتها العسكرية لفرض مصالحها وعولمتها الرأسمالية المعسكرة إنما تخلق المزيد من المقاومة – وهنا تجد في المقاومة الجماهيرية ،تحديدا، التخوم التي تضع حداَ لغطرسة قوتها نفسها – التي تتصاعد في كل مناطق العالم في مواجتهها ورداَ عليها ، ومن اجل عالم افضل ممكن .
عاشت المقاومة الشعبية