بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عن خصخصة السكك الحديدية في بريطانيا

يعدّ نظام السكة الحديدية في بريطانيا الأقدم في العالم، وكانت تديره شركات خاصة، وقد أصبحت تحت إشراف الحكومة أثناء الحرب العالمية الأولى، ولكن رفضت الحكومات المتعاقبة بعدها تأميم السكة الحديدية، ومن عدة شركات صغيرة وكبيرة متنافسة في ملكية وإدارة الشبكة انتهى الأمر إلى تحول الإدارة إلى مجموعة “الأربع الكبار”، واستمرت هذه الشركات الأربع في إدارة نظام السكة حتى 31 كانون الأول من عام 1947، حيث جرى تأميم شبكة السكة الحديدية.
ولكن في الثمانينات، اتبعت حكومة تاتشر سياسة بيع قطاعات صغيرة من الشبكة أي تحويلها إلى ممتلكات خاصة. طبعاً لم تكن هذه السياسة ذو تأثير كبير أو واضح، حيث ظلّت القطاعات الأساسية والرئيسية ملكاً للدولة، لكنها أخذت تتوسع أكثر فأكثر، وكانت تمهيداً للخصخصة الكاملة التي أقرتها حكومة جون ميجور المحافظة في العام 1993.
وقد عارض حزب العمال هذا الإجراء ووعد بإعادة تأميم السكة الحديدية، وهو ما لم يفعله عند تسلمه السلطة في العام 1997، وكانت تقريباً قد أٌنجزت حينها عملية الخصخصة، بل لقد أكمل الحزب الحاكم الجديد بيع ما تبقى منه ملكاً للدولة.
بعد الخصخصة، حصلت أربع حوادث خطيرة يمكن عزو أسبابها إلى نظام الإدارة الجديد، وقد خلّفت هذه الحوادث- في ساوثول ولادبروك غروف وهاتفيلد وبوترز بار- 48 قتيلاً و820 مصاباً، وهذا ما وضّح قلة معيار السلامة في النظام الجديد وساهم طبعاً في ازدياد موجة الاحتجاج ضدّ الخصخصة.
ولكن تبعات هذا التحول من التأميم إلى الخصخصة تتجاوز ذلك، وتؤثر في الحياة اليومية للناس وخاصة العاملين فيها.
فقد ساءت الخدمة مع ارتفاع واضح في الأسعار، وكان من المتوقع أن تكون مواعيد الرحلات أكثر دقة مع الخصخصة، ولكن هذا لم يتحقق وعُوّض عنه بازدياد عدد الرحلات وطبعاً ازدياد التنافس بين الشركات، ما يجعل النظام معقداً مع كثرة الإدارات وصراعاتها وأيضاً يؤدي إلى خلط وارتباك في المسؤوليات مما يقود إلى أخطاء أكثر فأكثر.
وهنا يُطرح هذا السؤال: ماذا لو حصل خطأ على بعد 200 متر مثلاً من موظف أو عامل من شركة أخرى، هل يحق أو يتوجب على هذا الموظف أن يهرع للمساعدة طالما الأمر لا يخص شركته أو يقع في نطاق إدارتها؟ هذا تفصيل صغير ولكنه قد يتكرر يومياً ويؤثر فعلياً على سلامة الناس، ويشير بكل تأكيد إلى مدى فعالية ونزاهة النظام الجديد.
طبعاً هدف الشركات الخاصة ليس السلامة أو الكفاءة، هدفها الربح وأساسها الجشع والتنافس في واحدة من أكثر المجالات تأثيراً في حياة الناس، ألا وهي النقل… فكيف يمكن لفعل يقوم به الملايين من الناس يومياً أن يكون خاضعاً لفوضى التنافس والكسب السريع؟