بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

انتخابات الرئاسة في فرنسا: إلى أين؟

يوم 22 أبريل القادم ستقام في فرنسا الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة. هذا وقد تمحورت جميع أوجه الحياة السياسية و وسائل الإعلام حول هذه الانتخابات، التي تتخذ أهمية كبيرة في بلد لا تزال فيه السلطة التنفيذية هي الأساس. وتركز وسائل الإعلام – الفرنسي والعالمي والعربي- بشكل أساسي على المواجهة بين سيجولان رويال، مرشحة الحزب الاشتراكي، ونيكولا ساركوزي، مرشح الحزب الحاكم –”الاتحاد من أجل حركة شعبية”.

حسب استطلاعات الرأي للجولة الأولى – والتي تتابعها الجرائد بدقة مع أنها لا تشكل بالضرورة انعكاسا حقيقيا لموازين القوى ما بين المرشحين- كانت رويال تتقدم على ساركوزي قبل أن ينقلب التيار ضدها، ويصبح ساركوزي هو المتقدم من جديد (35% من الأصوات في الجولة الأولى لساركوزي نظير 31% فقط لرويال، حسب استطلاع رأي أجري يوم 18 يناير 2007).

معضلة الحزب الاشتراكي

في الحقيقة، سوف تكون المعركة صعبة بالنسبة لرويال، لأن الحزب الاشتراكي لم يعد لديه الكثير ليقدمه بعد أن تصدر الحملة من أجل التصويت بـ” نعم للدستور الأوروبي” في استفتاء مايو 2005، الأمر الذي كان تطبيقه سيؤدي إلى المزيد من السياسات الليبرالية في البلاد. أيضا، خصخصت الحكومة الاشتراكية عدد من المصانع والهيئات أكبر مما خصخصته حكومتان يمينيتان متعاقبتان. وبالرغم من محاولة سيجولان رويال الاعتماد على صورتها كامرأة لتبني على حالة النفور من طبقة سياسية يغلب عليها الرجال المتقدمون في العمر، فهي لم تتمكن من تجنب الوقوع في أخطاء فادحة. من هذه الأخطاء الهجوم على فئة المدرسين ومطالبتهم بفترة عمل أطول دون مقابل مادي، الأمر الذي أثار غضب المدرسين- القاعدة الاجتماعية التقليدية للحزب الاشتراكي. أما المشكلة الأكبر فهي عدم قدرتها على تقديم بديل حقيقي لبرنامج نيكولا ساركوزي، برفضها لفكرة زيادة الضريبة على الملكية. كما أنها تحاول أن تواجه ساركوزي في المجال، الذي شكل جوهر الصورة التي بناها لنفسه، مجال مواجهة “الشباب مثيري الشغب”، دون أن تتطرق أبدا إلى المشاكل الجذرية.

ساركوزي: الخيار السلطوي للليبرالية الجديدة

يتصرف ساركوزي منذ توليه لمنصب وزير الداخلية، في سنة 2002 ومرة أخرى منذ عام 2005، وكأنه بدأ حملته الرئاسية. كما عمل على شن حملة إعلامية واسعة النطاق، من خلال علاقاته الشخصية مع كبار ملاك وسائل الإعلام، ضد “الشباب مثيري الشغب”. طالت هذه الحملة الإعلام العربي، عندما استضافته مثلا قناة الجزيرة عقب أحداث تمرد الشباب بضواحي المدن الفرنسية الكبيرة في نوفمبر 2005. أظهر وزير الداخلية نفسه خلال تلك الأحداث باعتباره “رجل اللحظة” الذي لا يتردد في مواجهة “هذه الحثالة” – التعبير الذي أثار غضب شباب الضواحي المتمردين، وأشعل دورة التمرد مرة أخرى- بالحسم الضروري لإعادة النظام إلى البلاد. فهو يمثل توجهات اليمين الأكثر سلطوية، والتي يدمجها خطابه في إطار شعبوي مبهم يظهره كالرجل القادر على توحيد الشعب الفرنسي، بغض النظر عن طبقاته المختلفة. باختصار، ساركوزي يعمل على تقديم نفسه باعتباره دي جول القرن الواحد العشرين، في حين أنه يمثل، في الواقع، قطيعة مع تراث اليمين الفرنسي، ذلك التراث الذي كان، ومازال، الرئيس الحالي جاك شيراك خير ممثل له.

تمثل السياسات التي ينوي ساركوزي تطبيقها في حال انتخابه قطيعة مع الماضي الـ”دي جولي” على مستويين. الأول، مستوى السياسة الخارجية الفرنسية، التي طالما افتخرت فرنسا بـ”استقلاليتها” في مواجهة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي طالما وجهت خطابا إلى البلاد العربية يعتمد بالأساس على ما أطلق عليه “السياسة العربية لفرنسا”. فإذا كانت هذه السياسة ليست سوى تعبير عن محاولة فرنسا الدفاع عن مناطق نفوذها الاستعماري السابق – بمعنى أنها لم تستهدف أبدا حماية مصالح العرب أو الفلسطينيين- فإن ساركوزي يعبر عن قلق جديد لرجال السلطة والمال في فرنسا. قلق شركات البرجوازية الفرنسية التي لم تعد قادرة على منافسة الشركات المتعددة الجنسيات، الموجودة في العراق على سبيل المثال. بالتالي فهو يعبر عن مرحلة ازداد فيها التداخل الاقتصادي والمالي في الشؤون السياسية، فساركوزي يمثل البرجوازية الداعمة لسياسات الولايات المتحدة دون أي قيد أو شرط. هذا يعني بالطبع أنه يدعم السياسات الإسرائيلية أكثر ممن سبقوه. علي سبيل المثال، دعا ساركوزي وزير الداخلية الإسرائيلي، في ديسمبر 2005 ليقوم بدورة تدريبية للشرطة الفرنسية بعد تمرد الضواحي، حتى تستفيد الأخيرة من خبرة الشرطة الإسرائيلية في قمع انتفاضة فلسطيني الداخل سنة 2000.

أما المستوى الثاني، فيتعلق بالخطاب الذي يوجهه إلى القاعدة الاجتماعية لليمين المتطرف ومجمل اقتراحاته بتطبيق النيوليبرالية بدون أي قيود. فبرنامجه يتضمن إعادة النظر فيما يعرف بالـ “نموذج الاجتماعي الفرنسي”، أو بلغة أخرى، مجموعة القوانين التي تضمن حتى الآن أبسط حقوق العاملين الذين اكتسبوها عبر سلسلة من الإضرابات العامة الضخمة (1936، 1946، 1968). ساركوزي يريد أن يعيد النظر في القوانين الخاصة بالمعاشات (التقاعد في سن الـ 67 بدلاً من 65للحصول على نفس قيمة المعاش)، والتأمينات الاجتماعية، وإعانات البطالة. كما يريد خفض الضرائب على كبار الملاك، بل ويذهب إلى حد اقتراح إجراء تعديلات تضيق من إمكانية ممارسة حق الإضراب، الذي يكفله الدستور الفرنسي!

ومع هذا كله فهو لا يحظى بترحيب جميع أطراف اليمين الحكومي الفرنسي. فمن المعروف أن الرئيس الحالي جاك شيراك لم يتحمس أبدا لترشيحه – مع أن كلاهما ينتمي إلى الحزب الحاكم الذي يرأسه ساركوزي. وبالرغم من أن ساركوزي يبدو حتى الآن الشخصية المهيمنة على هذه الانتخابات، فالمفاجآت قد تأتي من اليمين الحكومي نفسه. فهناك مرشح يميني آخر يمثل اليمين الوسط، هو فرنسوا بيرو، عن “الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية”، تقدر له بعض استطلاعات الرأي حوالي 9% من الأصوات. ثم أن المفاجأة الأخرى قد تأتي من اليمين المتطرف، الذي كان قد نجح، في الانتخابات السابقة في الدخول في الجولة الثانية.