في خطاب أشبه بخطاب بن جوريون في إعلان دولة إسرائيل
نتنياهو يرسم شرق أوسط بألوان صهيونية
المناورات الإسرائيلية وجولة أوباما وسياسة العصا والجزرة
منذ نهاية مايو الماضي، وإسرائيل تجري سلسلة من المناورات ، لقياس قدرات سلاح الجو على القيام بمهام على مسافات بعيدة، وكذلك لقياس مدى تأهب الدفاعات والجبهة الداخلية، لا شك أن المناورات كانت تقيس الاستعداد لخوض حرب مع إيران، وبالرغم من عدم تحمس الكثير من الإسرائيليين لذلك، وعدم صلاحية عدد كبير من المخابئ والمنشآت المعدة لهذا الغرض، أظهر استطلاع لمركز الدراسات الإيرانية في إسرائيل أن50% من الإسرائيليين، يؤيدون ضرب المنشآت النووية الإيرانية، و53% يتوقعون فشل مباحثات أوباما بشأن المشروع النووي الإيراني. بينما 81% متخوفون من نجاح إيران، في النهاية، في الحصول على سلاح نووي.
وقد علق عوزي رابي، من مركز الدراسات الإيرانية في إسرائيل، أن استفزازات إسرائيل لإيران بمثابة سكب الزيت على النار، كما قال أن التخوف الإسرائيلي من المشروع النووي الإيراني، مبالغ فيه، حيث أن القيادة الإيرانية، على حد قوله، متطرفة دينياً، لكنها عقلانية جدا.
خلال المباحثات الثنائية، طلب بنيامين نتنياهو من أوباما جدول زمني للتعامل مع الملف الإيراني، وقد تشكلت لجنة إسرائيلية-أمريكية خاصة لتناول الملف الإيراني. لذا فلا يحتاج المرء إلى قدر كبير من الحصافة ليدرك أن ما يظهر من خلاف بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة أوباما، هو خلاف تفصيلي بحت، حول “كيف؟”، “ومتى؟”، فالمشروع الاستعماري واحد، مما يجعل التناقض الظاهري في موقف إسرائيل وأمريكا، تكاملي، أشبه بسياسة العصا والجزرة.
أكد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، عوزي آراد، أن إسرائيل قد تفكر جدياً في ضرب إيران، وأن ذلك يتفق والبرنامج الانتخابي لنتنياهو، وقد ذكرت “الواشنطن تايمز” أن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة قنابل مخترقة للتحصينات، والتدريب على إعادة تزويد طائراتها بالوقود فوق الأجواء العراقية.
تزامنت المناورات الإسرائيلية وجولة أوباما، مع الانتخابات الإيرانية، وإن كنا لا نعتقد أن طبيعة الدولة الإيرانية، تحمل بداخلها هذا التناقض، الذي يسمح للإجراءات والتصريحات الأمريكية والإسرائيلية أن تغير من نتائج الانتخابات. ويمكننا أن ندعي الأمر نفسه بالنسبة للانتخابات اللبنانية.
من ناحية أخرى، صرح بنيامين نتنياهو، عقب لقاءه بعبد الله الثاني، ملك الأردن، إنه، وللمرة الأولى في تاريخ الصهيونية، يحدث هذا التوافق بين إسرائيل وبين الأنظمة العربية، حول خطر استراتيجي يتهدد الجميع، ألا وهو الخطر الإيراني. ولا مجال للدهشة، فتصريحات وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، على سبيل المثال، تساوي بين الخطر الإيراني والخطر الإسرائيلي.وعملياً، فإن موقف النظام المصري ، خلال العدوان الأخير على غزة، ثم قضية “خلية حزب الله”، يؤكدان أنه يضع علاقته بإسرائيل في أولى أولوياته.
عن أي دولة فلسطينية تحدث نتنياهو
في مساء الأحد، 14/6/2009، ألقى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خطاباً، من مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية، التابع لجامعة بر إيلان الإسرائيلية. الخطاب الذي يتعدى الألفي كلمة بقليل، يشبه إلى حد كبير بيان إعلان الدولة الذي تلاه بن جوريون، في 15 مايو 1948، إذ يتضمن مقولات الحق التاريخي المستندة إلى النص التوراتي، كما يتحدث عن التاريخ المأساوي لليهود، الذي انتهى بالهولوكوست. كذلك وصف إسرائيل بأنها يد التقدم والسلام في المنطقة، التي قابلها العرب بالتعنت والإرهاب. الفارق الأساسي، أن بن جورين لم يجرؤ على وضع شروط لقيام دولة فلسطينية، لكن نتنياهو فعل.
تناول الخطاب الأزمة الاقتصادية، والملف الإيراني، بينما كان الموضوع الأساسي للخطاب هو “العملية السلمية”، حيث طرح نتنياهو فكرة “دولتين لشعبين، يعيشان جنبا إلى جنب، ولكل منهما علم، نشيد قومي، ونظام حكم خاص به”، لكن رئيس الحكومة الإسرائيلي يشترط اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، وعاصمتها القدس الموحدة. أما عن “الدولة الفلسطينية”، فلم يُشر إلى أية حدود أو مساحة، لكنه أكد على أنها يجب أن تبقى منزوعة السلاح، وبدون سيادة على المجال الجوي، لضمان عدم تحالفها مع إيران أو حزب الله. أما عن حق العودة، فقد قال نتنياهو:”أما مشكلة اللاجئين، فلتجد لها حلاً بعيداً عن دولة إسرائيل، لأن ذلك يعني نهاية الدولة”. يزعم نتنياهو أن ذلك أمر عادل، حيث استوعبت إسرائيل “اللاجئين اليهود” الذين خرجوا من البلدان العربية في الخمسينات.
في هذا السياق استدعت صحيفة يديعوت نموذج دولة “اندورا”، وهي دولة لا تتعدى مساحتها 460كم2 وتقع على حدود فرنسا-اسبانيا، وهي غير مسلحة، عدا 200 مجند، يتحمل كل منهم شراء سلاحه.
كما تحدث نتنياهو عن الأزمة الاقتصادية، حيث طرح مشروع “السلام الاقتصادي”، مع الدول العربية، وأردف: “إنني مستعد للقائهم في أي مكان، في دمشق، في الرياض، بل وفي القدس” كما دعا الأنظمة العربية للسير على نهج بيجن-السادات، ورابين-حسين، ولم يذكر عرفات.
جاء البيت الأبيض تعليق على الخطاب أن أية تسوية للصراع يجب أن تضمن أمن إسرائيل، والطموحات “المشروعة” للفلسطينيين. والجدير بالذكر أن كل من جيم جونز، المستشار الأمني لأوباما، والذي كان مسئولا عن ملف الأمن الإسرائيلي في إدارة بوش، وجو بايدن، نائب الرئيس الحالي، وجون كيري، المرشح الديموقراطي السابق لرئاسة الولايات المتحدة، كانوا قد تحدثوا خلال الأسبوع الماضي عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
وزراء الحكومة الإسرائيلية، سواء من الليكود أو من الأحزاب الدينية، عبروا عن تأييدهم للخطاب، كما أعرب كل من تسيفي ليفني، رئيسة حزب كاديما، وإيهود باراك، وزير الدفاع، ورئيس حزب العمل، عن ارتياح، مع بعض التحفظ، من الخطاب. أما المستوطنين فقد أعربوا عن ارتياحهم لعدم مساس نتنياهو بالمستوطنات، الذي وصفهم بـ”إخواننا وأخواتنا…الطلائع”.
في المقابل تجمع متظاهرون من اليمين القومي، ومن الليكود أيضا، أمام الجامعة، ونددوا بالرئيس الأمريكي، الذي اعتبره البعض يمارس ضغطًا على رئيس الحكومة ليقدم التنازلات، وقد حملوا لافتات تصور أوباما يرتدي الكوفية الفلسطينية، ومكتوب تحتها:”باراك حسين اوباما، معادي للسامية، ويكره اليهود”. كما اعتبر بعض المستوطنين، أن مجرد الحديث عن دولة فلسطينية، يعد خيانة.
في المقابل، شكك بعض السياسيين، من “العمل” و”ميرتس”، في مصداقية نتنياهو في الدخول في مسيرة سلمية حقيقية. كما تجمع بعض اليساريين للتظاهر أيضًا، قد علقت إحدى الناشطات اليساريات قائلة:إن دولة إسرائيل مستمرة في خلق أمر واقع، يصبح بعد سنوات، نقطة الـلا عودة”، ولعلها لم تفكر أن ما يطلق عليه معسكر اليسار، هو نفسه يسير على مبدأ “الأمر الواقع” الصهيوني، وأن وجودها هي نفسها، جزء من الأمر الواقع المفروض.
الجديد في خطاب نتنياهو هو ضرورة اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل باعتبارها دولة يهودية، أي ضرورة قبول العرب والفلسطينيين بالمنطق الصهيوني، بالأسطورة الصهيونية القائمة بيهودية تلك الأرض، أنه اعتراف يضمن إضافة شرعية على كل الممارسات الصهيونية الدموية في حق العرب، وبأثر رجعي، منذ بداية الاستيطان في أواخر القرن التاسع عشر، حتى الآن.