الحكومة تقر قانون تظاهر جديد
إسبانيا تواجه الأزمة الاقتصادية بمزيد من القمع

أقرت الحكومة الإسبانية قانون تظاهر جديد، يشمل فرض غرامات كبيرة على المظاهرات غير المرخصة لها في إطار مواجهة الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها البلاد نتيجة للأزمة الاقتصادية التي يمر بها.
ويشمل مشروع القانون فرض غرامة قد تصل إلى 600 ألف يورو، على تنظيم مظاهرات بدون ترخيص أمام البرلمان الإسباني، وغرامة قد تصل إلى 30 ألف يورو على إهانة رجال الشرطة وهو مفهوم مطاطي قد يشمل الهتافات ضدهم، بالإضافة إلى فرض غرامة من 30 ألف إلى 600 يورو على تنظيم مظاهرات غير مرخصة، أو لم يتم الإعلان عنها، أمام المباني الحكومية، والمحاكم العليا، والمطارات والأماكن الهامة، وكذلك فرض الغرامة علي قيام المتظاهرين بتجاوز الحواجز التي تنصبها الشرطة.
ويفرض مشروع القانون غرامة تصل إلى 30 ألف يورو على أعمال العنف منخفضة الحدة التي تتخلل المظاهرات، وبهذا يدخل في نطاق القانون ما قام به عمال النظافة في مدريد الأسبوع الماضي من إفراغ صناديق القمامة في الشوارع أثناء احتجاجاتهم، كما يدخل في نطاق مشروع القانون تعطيل حركة المواصلات عبر إحراق الإطارات، أو نصب أي نوع من الحواجز، كما يقضي بمنع المتظاهرين الذين يرتدون خوذات أو أقنعة أو أي شيء آخر يخفي الهوية.
وما يثير السخرية من غرامة انتهاك القانون هو الانسحاب الكلي للدولة من تقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين في ظل تسريح ضخم للعمالة وتزايد نسب البطالة والفقر بشكل ملحوظ في الوقت الذي تسعى فيه إلى تكبيد المواطنين مبالغ مالية باهظة. ومن جانبها وصفت الأحزاب والحركات المعارضة القانون بأنه غير ديمقراطي وهذه الإجراءات هي مجرد ذريعة للحد من حق الأفراد في التظاهر وخاصة مع ارتفاع حدة الإضرابات والمظاهرات العمالية العفوية.
جاء القانون ردا على سلسلة مظاهرات نظمتها حركة “غاضبون” التي نشأت في إسبانيا تحت تأثير الأزمة الاقتصادية ورفعت شعار “حصار البرلمان”، حيث قامت الشرطة بمنع المشاركين من الاقتراب من مبنى البرلمان عبر إغلاق الطرق المؤدية إليه.
وفي رد هو الأقوى على القانون القمعي المسمى زورا “أمن المواطنين”، نظمت المعارضة الإسبانية 55 مظاهرة الأسبوع الماضي في مختلف مدن إسبانيا، رفضا لسياسات الحكومة التقشفية إضافة إلى قانون المعاشات الجديد الذي تناقشه الحكومة حالياً، وانطلقت المظاهرات تلبية لدعوة باسم “القمة الاجتماعية”، سعيا إلى خلق جبهة معارضة قوية ضد تخفيض النفقات في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، فضلا عن زيادة الضرائب والأسعار بشكل متزايد، وتدل الشعارات واللافتات المرفوعة في المظاهرات على وجود إجماع شعبي من مختلف القطاعات على المشاركة.
ومن جانب آخر تركت الأحزاب الكبرى والنقابات العمالية، الصفوف الأولى من المظاهرات لقطاعات اجتماعية وعمالية لتلعب دور البطولة في المظاهرات. وفي مدينة مدريد، قام عمال النظافة بقيادة المظاهرات، ويأتي هذا الدور الكبير الذين يلعبونه كاعتراف بنضالهم خلال الإضراب لما يقرب من أسبوعين، وهو الإضراب الذي انتهى بتراجع الشركات عن تسريح أكثر من 1000 موظف لديها، وفي مدينة بلباو، عاصمة إقليم الباسك، شارك المئات في مظاهرات ترفع شعارات تطالب بخدمات اجتماعية وصحية أفضل في جميع أنحاء أوروبا.
وتنظم مظاهرات بشكل يومي في إسبانيا، احتجاجا على تدهور الأحوال الاقتصادية نتيجة للأزمة، ووفقا للأرقام الرسمية زاد عدد المظاهرات في أسبانيا عام 2012، 9 آلاف مرة مقارنة بعام 2011، ليصل إلى 42 ألف و200 مظاهرة، تلك الأزمة التي اجتاحت إسبانيا في منتصف 2010 حين أقرت الحكومة برنامج تقشفي لإصلاح الاقتصاد وهو ما أدى إلى زيادة نسبة البطالة لتتخطى 26% من قوة العمل الإسباني طبقا للتقرير الرسمي في أكتوبر الماضي.
وبرغم مزاعم الحكومة عن تحقيق تحسن طفيف في الاقتصاد الإسباني إلا أن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تتوقع ارتفاع تلك النسبة إلى 28 % كما تتوقع حدوث كارثة إنسانية نتيجة تفاوت معدل البطالة في المناطق المختلفة حيث تصل تلك النسبة في جنوب إسبانيا إلى 36.3 %.
فيما تصر الحكومة الإسبانية على غض الطرف عن الأسباب الحقيقية للاحتجاجات وتلبية المطالب الاجتماعية المشروعة للمتظاهرين في الوقت الذي تواجه فيه تظاهراتهم بمزيد من القوانين القمعية المكبلة لحرية التظاهر والاحتجاج، وهو ما لا يدع للجماهير طريق آخر غير مواجهة الحكومة بشكل أكثر قوة وحشد حتى تتحقق مطالبها.
ويظل الملفت للنظر والمثير هو اكتفاء وسائل الإعلام المصرية بشرح قانون التظاهر الإسباني ومقارنته بقرينه المصري لتجميل وجه الحكومة المصرية دون ذكر أي من ردود الأفعال المعارضة تجاهه أو قدرته على الحد من الاحتجاجات في ظل استمرار الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها إسبانيا.