بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

شيلي: انتفاضة البطاريق.. الطلبة في مواجهة الليبرالية الجديدة

مثلت انتفاضة الطلبة في شيلي نقطة تحول على صعيد تطور الحركة الجماهيرية في مواجهة خصخصة التعليم. يلقي حسين محمود الضوء على الظروف التي ارتبطت بقيام انتفاضة الطلبة وآفاق هذه الحركة الواعدة في الدفع بالحركة المعارضة لليبرلية الجديدة.

بدأ 1.3 مليون من طلاب المدارس الثانوية في شيلي في الفترة الماضية، النضال ضد مؤسسة التعليم الليبرالية الجديدة. وبسبب أن الزي المدرسي للطلبة عبارة عن سترة سوداء وقميص أبيض، فإنهم يلقبون بالبطاريق. ونتيجة لما اتسمت به حركة الطلبة في شيلي من كفاحية وصلابة، وما تضمنته من صدامات عنيفة مع الشرطة الوحشية الموروثة عن حكم الديكتاتور السابق، أوغستو بينوشيه، أصبحت انتفاضة الطلبة تعرف بـ “انتفاضة البطاريق”. والمثير للاهتمام أن تلك الحركة تمثل تحدياً مباشراً لبرنامج الليبرالية الجديدة الذي تطبقه الحكومة الحالية كما طبقته الحكومات السابقة أيضاً. ويعتبر نموذج الليبرالية الجديدة في شيلي هو الأقدم من نوعه في العالم، حيث بدأ تطبيقه بواسطة الديكتاتورية الدموية التى أطاحت بالاشتراكي سلفادور الليندي في 11 سبتمبر 1973 بعد أن قتلت أكثر من ثلاثة آلاف من الاشتراكيين والنقابيين وسجنت ونفت وعذبت أكثر من 27 ألفاً آخرين، مما أدى إلى تراجع الحركة حينها في شيلي وأعاق تطورها في باقي أنحاء أمريكا اللاتينية. ولكن مرة أخرى تصعد الحركة في شيلي من أوساط الطلبة الذين انضموا إلى المقاومة المشتعلة في كافة أنحاء القارة، ضد الليبرالية الجديدة، وهو ما يُتوقع أن يحدث تأثيراً إيجابياً على مستقبل تطور الحركة في هذا البلد.

والمطلب المركزي لطلبة المدارس هو إلغاء قانون التعليم الدستوري، الذي أدخل على الدستور قبل مغادرة بينوشيه الحكم بيوم واحد في عام 1990. هذا القانون الذي وضع التعليم تحت إشراف المجالس المحلية، وبموارد قليلة، كي يفتح الباب لخصخصة المدارس والكليات والجامعات. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، هناك 84% من الشعب في شيلي متضامنون مع نضال الطلبة، و14% متضامنون مع محاولات الحكومة لمعالجة الأزمة.

ويتبدى إبداع الحركة في الأشكال التنظيمية التي تتحرك من خلالها، حيث انتخبت كل فصول المدارس المشاركة في الحركة، مندوبين عنها، قاموا بدورهم بانتخاب مندوبي المدارس، الذين ذهبوا لحضور اجتماع على المستوى الإقليمي لينتخبوا مندوبين عنهم للذهاب إلى العاصمة سانتياغو، لانتخاب المتحدثين الرسميين بإسمهم، من الطالبات والطلبة الذين أصبحوا الممثلين الرسميين للحركة. وقد حقق الطلبة انضباطاً حديدياً داخل حركتهم، حيث لا يستطيع أحد من غير المندوبين المنتخبين أن يتحدث بإسمهما. كما نظموا لجاناً للسكرتارية والنظافة والدعاية وإعداد الطعام وتبرعات الغذاء والنقود. ومن غير مسموح دخول المخدرات والكحوليات إلى مباني المدارس التي يحتلها الطلبة، بالتناوب وبضمان ألا يقل عدد الطلبة المعتصمين داخل كل مبنى عن 30 طالباً يومياً. والأغلبية الواسعة من الشباب يقضون وقتهم في مناقشة تطورات ومستقبل حركتهم، والبعض منهم ممن يتمتعون بالمواهب الفنية يصبغوا الجداريات بشعارات كفاحية أو يكتبون مسرحيات قصيرة لتسلية رفاقهم. وقد نظم الطلاب عشرات المظاهرات في جميع أنحاء شيلي، وبشكل رئيسي في سانتياغو. وأثناء بعض المظاهرات تحرشت بهم مجموعات من البلطجية المأجورين من الشرطة وحاول البعض منهم اختراق صفوف المظاهرات، وسرقة متعلقات الطلبة. وفي بعض الأحيان قبض الطلبة على هؤلاء الأفراد وبعض مخبرين الشرطة وأخفوهم، أي أنهم يفرضون عدالتهم الخاصة. ومنذ أن بدأ طلاب المدارس الثانوية الإضراب عن الدراسة، شرع كثير منهم في فهم القانون الذي ينظم التعليم في شيلي بمساعدة طلبة الجامعات، الذين زودوهم بالمادة وبملخص المحاضرات التي تشرح السياسات التي تؤثر على جودة التعليم. قد ساعد ذلك بدوره في فهم طلاب المدارس الثانوية للخلفية السياسية للتعليم، وأدى في الواقع إلى تغيير أهداف الحركة من مجرد مطالب بسيطة تتعلق بحقوق الطالب القانونية، إلى المطالبة بتغيير جذري في سياسات التعليم.

وفي يوم السبت 3 يونيو، قبل الإضراب العام بيومين، دعا الطلبة كل المنظمات والأحزاب السياسية والاجتماعية، وسمحوا لممثليها بدخول المدارس التي يحتلونها والتحدث إليهم والاستماع الى تعليقاتهم في اهتمام وفي جو ديمقراطي للغاية. وقد قرر الطلبة أن اليوم الوطني للتوقف يجب أن يكون داخل مباني الاعتصام، لكن الجبهة الوطنية، مانويل رودريجوز، دعت إلى موكب واجتماع في مركز سانتياغو. ومؤخراً عندما حاول الإعلام الرسمي أن يدق إسفيناً بين حركة الطلبة والمجموعات اليسارية بصدد الترتيبات المختلفة لليوم رفض الطلبة انتقاد المجموعات اليسارية. ويتضح هذا من خلال تأثير النضال الجماعي على حركة الطلبة وتسليحها بقيم الثورية والديمقراطية وحرية الكلام والطريق الديمقراطي لإدارة المعارك. كما أن مجلس الطلاب الديمقراطي يتمتع بالقوة الكافية لاتخاذ أي إجراء أو إعفاء أي من القيادات أو المجموعات التي تؤثر سلبياً على انضباط الحركة أو على مبادئ التضامن الجماعي. ويمثل ذلك مكسباً ذا شأن في بلد لازال يحمل ندب الديكتاتورية والمساومات الانتهازية التي تقوم بها بواسطة الأحزاب الإصلاحية، التي أرادت الانتقال إلى نظام ديمقراطي بشكل سلمي لضمان الحصانة لبينوشيه.

وفي يوم الإثنين 5 يونيو، انضم أكثر من مليون من الطلبة والمعلمين والعمال الطبيين إلى الإضراب. وأشارت التقارير من خارج سيانتاغو إلى أنه كان هناك المزيد من الإضرابات تضامناً مع الطلبة خارج العاصمة في تلك المدن والبلدان التي يقل فيها تأثير الأحزاب الإصلاحية واتحاد العمال البيروقراطي. ومن جانبه دعا الحزب الشيوعي شيلي فقط إلى إصلاح القانون، بينما دعا الطلبة إلى إلغائه كلية. وبعد أيام عديدة من قتال الشوارع مع البوليس قرر الطلبة احتلال المدارس مرة أخرى، ولم يشارك الطلبة في المظاهرة التي أقيمت لتوحيد كل قوى المعارضة للنظام الحاكم وفضلوا البقاء داخل الاعتصام، وهو ما يرجع إلى أن الآلاف منهم من جميع أنحاء البلاد تم اعتقالهم أثناء المجابهات مع الشرطة في الأسابيع السابقة. ولكي يلتقط الطلبة أنفاسهم ويحتفظوا بالدعم الشعبي في آن واحد قرروا تنظيم حفلة موسيقية ومسرح شعبي داخل أماكن الاعتصام، وحضرت إليهم مجموعة من طلبة كلية التاريخ بالجامعة ومعهم لافتة تقول: “نحن لا نهتم بحصص التاريخ.. لان التاريخ يصنع في الشوارع”.

وفي الوقت الحاضر أجبر الطلبة الحكومة على إجراء بعض التنازلات مثل إعطاء تذاكر سفر مجانية للذين يأتون من مدن بعيدة، وصرف وجبات غذائية مجانية وزيادة منح الدعم للطلاب الفقراء. وفي الوقت الحالي، هناك هدنة بينما تقوم الحكومة بالمناورات لتنظيم لجنة خاصة تقوم بمهمة إعداد برنامج للتحسينات التربوية، في حين يتمسك الطلبة بالحق في تقديم اقتراحات من أجل نظام تعليم عام وحر وأيضاً حق الآباء والمعلمين في صياغة الاقتراحات التي تعد لوضع القانون. والطلبة لايريدون تعليماً جيداً فحسب، وإنما إلغاء قانون التعليم الدستوري الذي مرر بواسطة ديكتاتورية بينوشيه. ومن ثم فهم مستعدون للعودة للنضال من جديد، إذا لم تنفذ اللجنة أو البرلمان مطالبهم. وكل الآمال التي كانت معلقة على الرئيسة الجديدة ميشيل باشيليت، حول أنها ستكون مختلفة جذرياً عن أسلافها بدأت تتلاشى بين الطلاب، حيث ظهرت ملصقات مؤخراً في العاصمة سانتياغو تقول “خطابات باشيليت للفقراء.. والحكومة للأغنياء”، وذلك على الرغم من أن باشيليت زودت ميزانية التعليم بـ 135 مليون دولار إضافية، تتضمن بنداً لعشرات الآلاف من وجبات المدارس الإضافية، وتغيير امتحان دخول الجامعة بمشروع الفرق الدراسية وبعض التنازلات الأصغر.

أن الشئ الأهم في نضال الطلبة في شيلي هو أنه أصبح نقطة تحول في نضال باقي القطاعات الجماهيرية، وفتح فصلاً جديداً للحركة في السنوات التالية للديكتاتورية. ومرة أخرى تأتى في المقدمة الأفكار المعادية للرأسمالية، لإعطاء فرصة هائلة لبناء حركة جماهيرية قادرة على القيام بالتغيير الجذري الشامل في شيلي.