إسرائيل ما بعد الحرب
رئيس الكنيست السابق: “الحرب على غزة فاشلة، فمنذ حرب 67، لم يعد بإمكاننا، ولا بإمكان الغرب كله، تحقيق انتصار”.
“محاكم مجرمي الحرب” شبح يثير الرعب بين النخبة العسكرية الإسرائيلية
في انتظار حكومة إسرائيلية اكثر تطرفًا
أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد، في السابع عشر من يناير الماضي، بعد الحرب التي شنتها على غزة، طوال 22 يوم من التدمير والقتل ، حرب لم تعلن القيادة الصهيونية أهدافها منها، في البداية، خشية أن تبدو مهزومة، في حالة عدم تحققها، كما حدث في حرب لبنان 2006، وإن أطلقت بعض التصريحات للقيادات الصهيونية تشير للهدف، حيث أعلن ايهود باراك(وزير الحرب)، أن الهدف هو خنق حماس، وفرض أمر واقع جديد، تكون أطرافه، سلطة ابومازن ودحلان، ومصر، وأطراف دولية.
علق افراهام بورج، رئيس الكنيست والوكالة اليهودية الأسبق، على الحرب، مؤكداً فشلها، وأضاف “منذ حرب الأيام الستة لم نعد ننتصر. لم يعد ممكناً الانتصار في الحروب. ليس فقط نحن لا نستطيع، الغرب كله لا يستطيع.
لم يكن خافيًا على أحد أن الانتخابات الوشيكة لها ضلع أساسي في قرار الحرب. مثلما حدث عندما قرر بيجن ضرب المفاعل العراقي أثناء الحملة الانتخابات1981، وعندما قرر بيرز عملية عناقيد الغضب، خلال الحملة الانتخابية في1996، وفي الحالتين، خسر بيجن، وبيرز. والآن، أسفرت آخر الاستطلاعات عن صعود بنيامين نتنياهو(الليكود)، على حساب، باراك (العمل)، وليفني(كاديما)، وهما متزعما الحرب. كما ارتفعت أسهم اليميني المتطرف أفيجدور ليبرمان(يسرائيل بيتينو).
أحد الأسئلة، التي ركز عليها تقرير لجنة التحقيق في الحرب 2006، التي شنتها إسرائيل ضد المقامة اللبنانية، لماذا خاضت إسرائيل الحرب ولماذا فشلت فيها، لا يزال طازجا، لكنه ذكر في ضمن ما ذكر، أن إسرائيل لا يمكنها البقاء، بدون اتباع سياسة ردع عسكرية، أيا كان توجه الحكومة، فهذه السياسة إذًا، حتى وإن أثبتت فشلها، فلا بديل لها، لمثل هذا الكيان.
بعد أن أتضح للقيادة الصهيونية صعوبة تحقيق أهدافها، نظراً للصمود البطولي للمقاومة، والالتفاف الشعبي حولها، امتلأت وسائل الإعلام، بتقارير وملفات، تعتمد على “مصادر خاصة” أن هناك قوى تساعد المقاومة، وهي إيران، وأحيانا تكون سوريا، وكذلك تنظيم القاعدة، الذي ادعت صحيفة يديعوت أن “الآلاف” من عناصره في غزة. كما زعمت الصحيفة نفسها، أن قادة حماس نزلوا إلى المخابئ، ثم صعدوا بعد الحرب، لتوزيع الدولارات على المضارين. وزعمت الصحافة الصهيونية أن المواطن الفلسطيني يحمل حماس مسئولية ما حدث من تدمير.
الإجماع الإسرائيلي، هو الشعار التي يخرس أي صوت، يعارض الحرب، بالرغم من أن ذلك “الصوت” خافت للغاية، فالتعاطف مع الأطفال الفلسطينيين، كما شبهه البعض “تعاطف صالونات”، لم يتطور إلى أي موقف سياسي، ومن عارضوا الحرب وقتها، علاوة على صغر نسبتهم، كانوا يعارضونها من منطلق برجماتي، وهو خشية السقوط في مستنقع غزة، وبالتالي فمن هذا المنطلق يوجهون نقدهم الآن للحرب. ولعل أبلغ دليل على هشاشة ما يسمى “معسكر السلام”، هو إصغاؤه، واقتناعه بذرائع أيهود باراك، حول استحالة السير في طريق المفاوضات، سواء في المسار السوري- اللبناني، أو المسار الفلسطيني. وهو ما حدا بالبعض للتعليق بأنها “حمائم” تغرد داخل السرب.
أما أصوات اليسار العربي، الناشط في أوساط عرب 48، وبعض جمعيات حقوق الإنسان، فقد كانت خافتة نظراً لحجمها، مع الآخذ في الاعتبار أن أعلى سقف للمطالبة هو الانسحاب من المناطق المحتلة(الضفة وغزة)، وبأحسن الأحوال، إقامة دولة فلسطينية، بينما تصبح قضايا حق العودة والقدس، بل و طبيعة هذه الدولة، مشكلات معقدة ومؤجلة.
لعل ما يجعل الصورة أوضح، هو نتائج استطلاعات الرأي، ففي استطلاع نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، في 26 ديسمبر الماضي، أي عشية الحرب، تبين أن 64% من الإسرائيليين يؤيدون إنهاء التهدئة واستئناف العمليات العسكرية في غزة، وقد قال 27% إنهم يؤيدون عودة إسرائيل لعمليات اغتيال الناشطين الفلسطينيين في قطاع غزة. وقال 22% إنهم يؤيدون إعادة احتلال أجزاء واسعة من القطاع، فيما أيد 15% شن عملية عسكرية محدودة. في مقابل 21% فقط قالوا إنهم مؤيدون للإبقاء على الوضع كما هو عليه، وقتها. وبعد أسبوعين من الحرب، أي في 9 يناير الفائت، نشرت صحيفة معاريف استطلاعا، جاء فيه أن 91.4% من الإسرائيليين يؤيدون استمرار الحرب على قطاع غزة، فيما عارض استمرارها 3.8% فقط.
في استطلاع، للصحيفة نفسها، نشرته في 16/1/2006، أي قبل يوم واحد من إعلان إسرائيل لوقف إطلاق النار، كشف أن أكثر من 35%مؤيدون للاستمرار في الحرب وتصعيدها، بينما 36%مؤيدون للاستمرار بنفس الوتيرة، و8% مؤيدون للتوقف، واتخاذ طرق سياسية.
تراجع الهدف، الذي أعلنته إسرائيل كهدف أساسي للحرب، ألا وهو القضاء على حماس أو المزيد من عزلتها، حيث لم يعد بنفس قوته الآن، فظهر من يتحدث عن إدراج حماس في العملية السلمية، والأكثر من ذلك ما ذكره الصحفي المُتنفذ في معاريف، بن كسبيت، عما ردده حاييم رامون، نائب رئيس الحكومة، بأن المفاتيح ظلت وستظل في أيدي حماس.
عاد شبح الخوف من اعتقال قيادات عسكرية إسرائيلية، في دول أجنبية، بهدف تقديمها لمحاكم مجرمي الحرب، من جديد، حيث توجد الآن قائمه طويلة، تحذرها المؤسسة الإسرائيلية من السفر للخارج، حيث تم رفع عدة دعاوى قضائية، أمام المحكمة الدولية في لاهاي، وفي عدة عواصم أوروبية، آخرها في إسبانيا لمحاكمة عدد من القادة العسكريين الإسرائيليين. وقد ذكر المستشار القانوني للحكومة، ميني مازوز، “أن حكومته تأخذ الأمر على محمل شديد الجدية، وأنها تحض أدلة على أن المنشآت والمنازل التي تم قصفها كانت مخازن للأسلحة، وأنها ستصر على أن الحرب كانت “دفاعًا عن النفس”.