بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

سوريا: هجوم أمريكي ونظام متعفن ومواطن مسحوق

وسط أجواء خارجية محتقنة ما بين التهديدات الأمريكية والاتهامات المتبادلة بين النظام السوري ومعارضيه في لبنان، يقف المواطن السوري بين نظامه المتهاوي وبين معارضة ضعيفة ومربكة. في إطار هذه الصورة يرسم لنا الكاتب والمناضل الاشتراكي السوري، منيف ملحم، حال سورية اليوم.

يحتل مشهد المناوشات والحملات الإعلامية بين النظام السوري وما سمي جماعة 14 آذار في لبنان حيزًا من المتابعة اليومية للمواطن السوري. وعلى الأغلب ينظر إلى هذا المشهد، من قبل المواطن في سورية، بقرف كبير وعدم ثقة من الخطاب الذي يصدر عن كلا الطرفين. وهو يعتقد بثقة أن ما جري ويجري من خلال وصراع بين النظام وبعض القيادات اللبنانية ليس إلا محصلة للخلاف والصراع بين المافيات السورية – اللبنانية من جهة، وبرهانًا على فشل سياسة النظام السوري في لبنان.

فقد بدا بعد صدور التقرير الثاني، المقدم من قبل لجنة التحقيق الدولية في مقتل الحريري إلى مجلس الأمن الدولي في الشهر الأخير من العام الماضي، أن النظام السوري استعاد توازنه بعد الهزة التي تعرض لها عقب صدور التقرير الأول الذي اتهم النظام السوري بضلوعه في عملية الاغتيال. لا سيما أن صدور التقرير الثاني ترافق مع سقوط شهادات بعض الشهود – كان التقرير الأول قد اعتمد في قسم أساسي منه عليها. كما استطاع النظام ومن خلال اللعب على المشاعر الوطنية للمواطنين في سورية، والكره والعداء الذي يحملونه للسياسة الأمريكية، أن يشد تيار عريض من الشعب إلى جانبه تحت شعار أن هناك مخططات وهجمة أمريكية تستهدف سورية. ولعب النظام على وتر التجربة العراقية، التي خلقت شعورًا عفويًا لدى المواطن يترجم بالقول: “الاستبداد.. ولا الفوضى الأمريكية البناءة؟”.

جبهة الأسعار ومستويات المعيشة:

مع نهاية عام 2005 وبداية عام 2006 أوقف النظام حملات التعبئة والحشد ولكنه لم يستطع وقف ارتفاع الأسعار التي طالت معظم المواد بما فيها المواد الغذائية. وما كان يعتقده المواطنون في بداية حملات التعبئة والحشد بأن التبدل في أسعار الدولار كان السبب في ارتفاع الأسعار، وأن الأخيرة ستعود إلى وضعها الطبيعي بعد استقرار سعر الدولار، أضحى وهمًا.

فقد عاد الدولار إلى سعره الأول قبل الارتفاع ولكن الأسعار حافظت على ارتفاعها بحدود 30%. وقد أضافت الحكومة إلى زيادة الأسعار مكافأة خاصة لمواطنيها تمثلت برفع أسعار مادة الأسمنت بنسبة 100% (في لحظة تشهد فيها أسعار البناء وإيجارات السكن أرقامًا لم تعرفها سورية من قبل). لذلك فقد أصبح المواطن يتطير شرًا عندما يرى وزير المالية أحمد الحسين ونائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري على شاشات التلفزة يعدون المواطنين بتحسين مستوى حياتهم المعيشية.

انشقاق خدام: إرباك للنظام وإرباك لمعارضته:

إن إعلان “انشقاق” عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية في ليلة رأس السنة جعل من التوازن الذي بدا على النظام بعد صدور التقرير توازنًا قلقًا. فحفلة الردح والشتائم التي قام بها أعضاء مجلس “الشعب” ردًا على تصريحات رفيقهم، والرجل الثاني في السلطة لمدة تزيد عن 30 سنة، بينت الإرباك الذي يواجه النظام والدرجة التي وصل إليها تعفته، كما أشار “انشقاقه” ومن قبله “انتحار” وزير الداخلية غازي كنعان إلى بدء تفكك النظام.

ولم يشكل “انشقاق” عبد الحليم خدام حالة إرباك للنظام الحاكم فقط بل تسبب أيضًا في حالة إرباك للقوى المعارضة للنظام. فبعد سنوات من التنسيق بين القوى المعارضة للنظام، تداعت بعض أطراف القوى المعارضة التقليدية، قبيل أيام من تقديم لجنة التحقيق الدولية بمقتل الحريري تقريرها إلى مجلس الأمن الدولي، إلى تشكيل تخالف سمي “إعلان دمشق”. هذا “الإعلان” الذي قام وأعلن على أساس أن أبواق التحريض والدعاية والتشويش التي أطلقها المحقق الدولي ديتليف ميليس، بتنسيق وتناغم مع حملات الإدارة الأمريكية وبعض وسائل الإعلام العربية، سوف تفعل فعلها في إسقاط النظام السوري تمامًا كما سقطت أسوار أريحا بفعل أبواق قادة بني إسرائيل. وبالتالي، فإن “المجتمع الدولي” سيجد بأصحاب الإعلان بديلاً للنظام المنهار.

لقد جاء دمشق بتوقيته ومضمونه لينسجم مع اللحظة الراهنة المفترض أن تتم بها عملية التغيير والقوى الخارجية الفاعلة في هذا التغيير. تحدث الإعلان عن أن سورية “تتعرض اليوم لأخطار لم تشهدها من قبل، نتيجة السياسات التي سلكها النظام”. وأن “الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب”، وأن الإعلان يريد “التوجه إلى جميع مكونات الشعب السوري” للمشاركة في عملية التغيير، دون نسيان “التأكيد على انتماء سورية إلى المنظومة العربية، وإقامة أوسع علاقات التعاون معها”. ولم ينس الموقعون على هذا الإعلان، دعوة “إخوتنا من أبناء مختلف الفئات السياسية والثقافية والدينية والمذهبية إلى المشاركة معنا وعدم التردد والحذر”.

لا شيء عن المشروع الأمريكي، لا وجود لاحتلال في فلسطين والعراق، لا وجود لمقاومة ضد الاحتلال، لا شيء عن حياة الناس واحتياجاتهم والفقر. لقد علق أحدهم في معرض نقده للإعلان “بأن ليبر الييـ”نا” الجدد قد أتقنوا النص البريمري قبل وصول بريمر”. ومع صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية الثاني، كان معارضو ومنتقدو الإعلان أكثر من مؤيديه، لا بل إن الكثير ممن وقعوا عليه عادوا فأشبعوه نقدًا.

وهكذا جاء انشقاق عبد الحليم خدام ليزيد أصحاب الإعلان اضطرابًا وإرباكًا. إذ أعلن بعضهم ترحيبه “بالمنشق” مبررًا فساده (الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي)، والتقى آخر معه (المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين) واتفقا على العمل المشترك للتخلص من بشار الأسد، بينما عارض ثالث (أحد قادة حزب الشعب الديمقراطي) التعاون مع خدام مفضلاً بقاء بشار الأسد على مجيء خدام.

عزلة النظام وإمكانية بناء تيار يساري ديمقراطي:

إذا كان الملمح الأساسي للنظام اليوم هو فساده وتعفنه وبدء تفككه، فإن الملمح الأساسي لقوى المعارضة هو عزلتها عن الشارع واحتياجاته وهمومه ومراهنتها على القوى الخارجية في عملية التغيير من جهة وغياب موقع قوى لليسار ضمنها من جهة أخرى. فمعظم قوى المعارضة كانت حتى وقت قريب قوى يسارية (سواء منها ذات الجذور الشيوعية أو القومية)، لكنها تحولت إلى الليبرالية مع انتشار موجة التحول الليبرالي. لكن صدور وثيقة في مطلع العام الحالي باسم “تيار وطني ديمقراطي اجتماعي” أشار إلى إمكانية بلورة تيار يساري ديمقراطي. ولكن المعضلة في هذا التيار أن بعض أطرافه تخشى القطع مع المعارضة الليبرالية بحجة الحفاظ على وحدة المعارضة. وهو ما يعيق استقلال قوى اليسار عن القوى الليبرالية وبلورة تيار يساري ديمقراطي مستقل.

هجوم إمبريالي بقيادة الولايات المتحدة لترتيب سورية ضمن مخطط ترتيب المنطقة العربية وجوارها شرقًا (الشرق الأوسط الكبير)، نظام فاسد مستبد ومتعفن عاجز عن حماية سورية من المخاطر التي تتهددها، معارضة ضعيفة ومربكة، مواطن يسحقه الفقر والقمع، هذا هو حال سورية اليوم.