بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

سوريا تصل لنقطة الغليان

المقال مترجم من موقع «العامل الاشتراكي» الأمريكي، بتاريخ 28 مارس 2011..

اليوم، يزلزل النضال الشعبي واسع النطاق نظام الديكتاتور السوري بشار الأسد، كما يسلط الضوء على نفاق السياسة الأميركية في المنطقة. ففي أعقاب انتشار الاحتجاجات في الأسابيع الأخيرة، وبعد صلاة الجمعة 25 مارس، رد النظام السوري على المتظاهرين قمع شرس خلّف ما لا يقل عن 61 شهيد، وبوعود متأخرة للإصلاح.

قال متحدث بإسم الأسد أن النظام ينوي رفع قانون الطوارئ قريباً، ذلك القانون الذي يحظر الاحتجاجات، والذي يستمر إلى اليوم منذ حوالي 50 عاما. و في ذات الوقت دخلت قوات الأمن مدينة اللاذقية الساحلية، وهاجمت المتظاهرين الذين أضرموا النار في مقر حزب البعث الحاكم في يوم 26 مارس.

وفي العاصمة دمشق، قام النظام بتنظيم مسيرات مؤيدة للحكومة لإظهار صورة زائفة من الدعم الشعبي لها، إلا أن الاحتجاجات الشعبية المناؤة للنظام قد انطلقت في الكثير من المدن والبلدات حتى تلك التي كانت تعتبر معاقل لدعم الأسد.

وكما أوضح الصحفي البريطاني باتريك كوكبرن فإن ديناميات الوضع تبدو كما يلي: “في حين أن السيد الأسد قد تقدم تنازلات مثل إنهاء قانون الطوارئ، والإفراج عن السجناء، وإعطاء حرية أكبر للصحافة وإضفاء الشرعية على الأحزاب السياسية الأخرى بجانب حزب البعث الحاكم، إلا أن مثل هذه التغييرات من غير المرجح أن يُنظر إليها على أنها ذات مصداقية طالما أن نفس الأشخاص ما زالوا يديرون الجيش وقوات الأمن. كما أن تصاعد عدد القتلى يُزيد أكثر من أي وقت مضى من قوة الدعوي إلى اسقاط للنظام”.

اندلعت الازمة التي تهدد بقلب الحكومة السورية خلال الأسبوع الماضي، حيث انطلقت الشرارة في البداية بعد قيام قوات الأمن في مدينة درعا بإلقاء القبض على بعض الشباب بتهمة رسم شعارات على الجدران. وأدي أحتجازهم الي اندلاع المظاهرات التي ردت عليها قوات الأمن بإطلاق الذخيرة الحية، ثم تحولت جنازات القتلى إلى مظاهرات سياسية عارمة”.

ولكن من الخطأ أن نتوقع من الولايات المتحدة أن ترد على القمع في سوريا بتدخل، على غرار ليبيا والدفع لإقامة منطقة حظر الطيران وتسديد ضربات عسكرية، إلخ. فكما ادعت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية أن سوريا مختلفة عن ليبيا وقالت على محطة سي بي إس: “كل من هذه الحالات هي فريدة من نوعها. بالتأكيد نحن نشجب العنف في سوريا.. ما يحدث هناك في الأسابيع القليلة الماضية يدعو لقلق عميق، ولكن هناك فرق بين طائرات تقوم بتمشيط وقصف المدن عشوائيا واجراءات شرطة تجاوزت وبصراحة في استخدام القوة”.

وهذا يعني بوضوح أن الولايات المتحدة تخشى من أن سقوط النظام السوري سيؤدي الى زعزعة الاستقرار في المنطقة، مما يجعل من المستحيل التفاوض على “السلام” في الشرق الأوسط والوصول لاتفاق من شأنه أن يضفي الشرعية علي السيطرة الاسرائيلية على الفلسطينيين.

الولايات المتحدة تفضل ديكتاتورية الأسد
وعلى الرغم من أن النظام السوري، على الأقل من الناحية النظرية، في حالة حرب مع اسرائيل منذ عقود، فإنه ليس سرا أن هذا النظام على استعداد، ومنذ سنين طوال، للتوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل اذا ما وافقت الأخيرة على الانسحاب من مرتفعات الجولان والأراضي السورية التي استولت عليها اسرائيل في حرب 1967.

وكان حافظ الاسد (الأب) قد حظي علي رضي الولايات المتحدة أثناء حرب الخليج عام 1991 من خلال اشتراك سوريا في التحالف العسكري الذي قادته الولايات المتحدة لإخرج العراق من الكويت. وكان ثوابه من الولايات المتحدة هو اعترافها ضمنيا بالدور المهيمن لسوريا في لبنان. وهوالتفاهم بين الطرفين الذي لم ينته الا في عام 2005 بعد أن أجبرت احتجاجات حاشدة في لبنان القوات السورية على الانسحاب.

ومنذ ذلك الحين، حاول بشار الأسد أن يطرح نفسه على أنه حاكم إصلاحي. واستجابت الولايات المتحدة لمحاولة استدراج الحاكم السوري بعيدا عن تحالف بلاده مع إيران. وحسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في يونيو الماضي فلقد “نظمت وزارة الخارجية وفدا من شركة مايكروسوفت وديل وسيسكو سيستمز لزيارة الرئيس الأسد حاملين رسالة كان مفادها أنه من الممكن أن يجذب الأسد المزيد من الاستثمارات إذا ما أنهي الرقابة علي موقعي فيس بوك وتويتر. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمربكية جددت العقوبات الاقتصادية ضد سوريا، إلا أنها وافقت أيضا علي إصدار تراخيص التصدير لبعض قطع غيار الطائرات المدنية”.

ومن المرجح أن تفتح سياسة أوباما الباب أمام انقسام في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية بين أولئك الذين يريدون دعم الأسد باعتباره “شريك للسلام”، وأولئك الذين يرون وجود فرصة لإسقاط الحليف الرئيسي لإيران في المنطقة و منهم على سبيل المثال السناتور جو ليبرمان، والذي دعا صراحة لفرض منطقة حظر جوي فوق سوريا.

و في محاولة للدفاع عن موقفها من دعمها الضمني للأسد، فإن الولايات المتحدة – كما فعلت في حالة مصر– سوف ترفع فزاعة امكانية وصول حكومة راديكالية إسلامية سنية إلى السلطة في سوريا، بالإضافة إلى شبح حدوث نتقامات طائفية ضد الأقلية العلوية التي يتكون منها أغلب أقطاب النظام.

ولكن تظل الحقيقة أن ما تعارضه الولايات المتحدة، بالطبع، هو الديمقراطية في سوريا، والتي من شأنها أن تعطي صوتا لأولئك الذين يريدون التغيير الراديكالي والمعارضين لأي اتفاق غير شامل وعادل مع اسرائيل. ولذلك فأنه في حين أن القنابل والصواريخ الأمريكية تمطر على مؤيدي حاكم ليبيا معمر القذافي، تكتفي إدارة أوباما بمجرد استنكار حملة القمع الدامية التي يقوم بها بشار الأسد.

نهاية قريبة
لقد ورث بشار الأسد الرئاسة في 2000، بعد وفاة والده صاحب السمعة السيئة حافظ الأسد. وتماماً مثل والده، استخدم بشار ذريعة الإمبريالية الغربية والصهيونية لتبرير الحفاظ على دولة بوليسية. ولكننا نري الآن، وبعد نصف قرن من حكم حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا، امكانية بداية النهاية لهذا النظام القمعي.

وقد بدأ الزخم المتصاعد، والذي أسفر أخيرا عن اندلاع المظاهرات الضخمة التي نشاهدها اليوم، منذ أواخر يناير عندما قام المواطن السوري حسن علي أكله بمحاولة حرق نفسه احتجاجا على ظلم محافظ، اقتداء بالشهيد بوعزيزي محمد في تونس.

و منذ فبراير أصبحت صفحة علي موقع الفيس بوك نقطة تجمع للمحتجين السوريين الذين ضاقوا ذرعا بشئون البلاد الداخلية ومنبرا للدعوة ليوم الغضب السوري. وعلى الرغم من أن المحاولات الأولية لعقد يوم غضب قد باءت بالفشل الى حد كبير بسبب ما أسماه بعض السوريين “حاجز الخوف”، فأن العواطف المكبوتة بين الشباب السوري وجدت تعبيرا لها أخيرا يوم 26 فبراير عندما وجد أكثر من 1000 شخصا في سوق حريقة بدمشق، وجدوا أنفسهم تلقائيا وهم يرددون، “الشعب السوري ما بينذل”.

واندلعت هذه المظاهرة بشكل عفوي عندما شتم شرطي مرور واعتدي بالضرب على نجل صاحب متجر في السوق. وقد أذهلت هذه المظاهرة التي لم يسبق لها مثيل النظام وهرول وزير الداخلية مع حراسه الشخصيين والأجهزة الأمنية إلى مكان الحادث. واعتقل الشرطي رسميا، وتعهد الوزير أنه سيتم التحقيق في الحادث.

ثم بلغت مظاهر التمرد الشعبي آفاق جديدة عندما توالت الاحتجاجات عبر دمشق لمدة ستة أيام متتالية ابتداء من 15 مارس. على الرغم من أن عدد المتظاهرين في البداية لم يتجاوز المئات، إلا أنه بحلول نهاية هذا الأسبوع، أصبح المتظاهرون يقدرون بالآلاف، مع ورود تقارير عن أنتشار المظاهرات في جميع مناطق البلاد.

وقد برزت مدينة درعا جنوب البلاد، على وجه الخصوص، كمركز لتحدي الأسد. وكانت درعا مسرح عدة مظاهرات سلمية كبيرة بدءا من 18 مارس. وفي ذلك اليوم هاجمت قوات الأمن المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة متظاهرين. واستمر القمع في اليوم التالي حيث أطلقت قوات الامن الغاز المسيل للدموع على موكب جنازة المتظاهرين الذين سقطوا شهداء في اليوم السابق.

وزاد عنف النظام من غضب وعزيمة المتظاهرين، الذين بدأوا في إحراق رموز حزب البعث الحاكم. واضطر الأسد لاستدعاء الجيش لإخماد الاحتجاجات في درعا. ووفقا لتقارير وسائل الإعلام، تأكد مقتل 44 في تلك المدينة نتيجة القمع الوحشي.

ومنذ ذلك الحين، انتشرت الاحتجاجات خارج درعا – وتشكل هذه الحركة أكبر تحد للنظام منذ عام 1982، عندما أخمد حافظ الأسد انتفاضة اسلامية عن طريق مجزرة في مدينة حماة ، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10000 شخص.

و خلال مجزرة حماة ، قصف رفعت الأسد ، شقيق حافظ الأسد ، المدينة بالمدفعية و بلا هوادة و كعقاب جماعي لانتقاد الحكومة. و لضمان استمرار ذاكرة طويلة الأمد تعمق من الخوف والسلبية بين جميع فئات السكان. قصف رفعت الأسد الناجين بالمدينة بسيانيد الهيدروجين السام.

واذا تذكرنا حجم القمع الهمجي الذي حدث في 1982، فسنجد أن انتفاضة اليوم تعبر عن شجاعة بلا حدود من المتظاهرين، وهي شجاعة قد بددت وهم “السلبية السياسية” للشعب السوري. وبالإضافة إلى المطالبة بإسقاط الأسد، فقد دعا المتظاهرون للإفراج عن السجناء السياسيين وإلغاء قوانين الطوارئ القمعية.

إن نضال المتظاهرين السوريين هو مثال آخر ملهم لروح ثورية جديدة تجتاح منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وسيسقط نظاماً قمعياً آخراً، كما سقط أمثاله من قبل في تونس ومصر، وسيسقط أمثاله من بعد في اليمن والبحرين وفي كافة أرجاء المنطقة.