بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

اتفاقية التهدئة.. انتصار لحماس

في وقت كتابة هذه السطور، تكون اتفاقية التهدئة التي ملأت أسماعنا في الاونة الأخيرة على المحك. فقد تم اختراق الاتفاقية من قبل أحد الفصائل الفلسطينية. بالرغم من أن مصير التباس مصير الاتفاقية إلا أنه من المهم تقييم هذا الحدث، الذي ظن غالبيتنا أنه لن يحدث في الأمد المنظور.

وقف إطلاق النار الذي أعلن في 19 يونيو الماضي ما بين الكيان الصهيوني وحركة المقاومة الاسلامية حماس سيجلب درجة من الراحة لحوالي مليون ونصف فلسطيني مقيم بقطاع غزة. فقد واجه الغزاويون بالأخص ترسانة إسرائيلية مستنفرة وحصار اقتصادي محكم منذ تقلد حماس – الحركة التي رفضت التنازل بالاعتراف بوجود الكيان الصهيوني – لزمام السلطة في يناير 2006، وباتفاق التهدئة محل النظر يكون قد وافق الطرفان على وقف كافة العمليات العسكرية لمدة 6 أشهر وإعادة جزء من نمط الحياة العادي لأهالي قطاع غزة.

الاتفاق الذي تم برعاية مصرية بالأساس هو في الحقيقة تنازلا من قبل الكيان الصهيوني، الذي أعلن مرارا وتكرارا وبمناسبة وبدون مناسبة رفضه للتفاوض مع حماس. يتضح ذلك جليا بوضع هذه الاتفاقية في إطار الممارسات الصهيونية مؤخرا والممتدة من حصار قطاع غزة حصارا خانقا، إلى محاولتين لاقتحام القطاع، إلى مواصلة الاغتيالات، وأخيرا وليس آخرا التهديد باحتلال القطاع وتصفية حركتي حماس والجهاد والفصائل التي تمارس المقاومة حتى اللحظة السابقة لتوقيع الاتفاقية. بحسب الاتفاقية الجديدة يوافق الكيان

وفي سياق متصل، تعتبر ذات الاتفاقية مؤشرا لحدوث تراجع ما في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية وحربها على الإرهاب، فألم تكن حماس على رأس قائمة المنظمات الإرهابية التي يتحتم القضاء عليها للوصول إلى شرق أوسط جديد؟

بإعلان أنباء إبرام الاتفاق خرج آلاف الفلسطينيين إلى الشوارع للاحتفال، بينما أعلن مسئولون في فتح أن الاتفاق في مصلحة حماس وليس في مصلحتهم. فالاتفاق حتى الآن لا يشمل الضفة الغربية، ومن المفترض أن تعمل مصر على إبرام اتفاقية أخرى تتضمن الضفة الغربية في وقت لاحق.

مما لا شك فيه أن الاتفاق أبرز حماس بصفتها المنتصر نظرا لكونها لم تقدم تنازلات تذكر، ربما باستثناء عدم إدراج الضفة الغربية في الاتفاقية. فبحسب الاتفاق الكيان الصهيوني ملتزم بالسماح بدخول الوقود والغذاء إلى قطاع غزة المحروم من أبسط حقوق الإنسان أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي، ومن المفترض أن يتم فتح معبر رفح بعد إرساء عملية إعادة الأسير الاسرائيلي جلعاد شاليط.

هذه التجربة، وإن كانت على مستوى محدود (قطاع غزة)، إلا أنها أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بطلان مزاعم حركة فتح وكل من يناصر سياسات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن الكيان الصهيوني لا يملك أن يتراجع وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن يفرض عليها اتفاقية خارج مخططاتها المعلنة سلفا. لم يكن من الممكن إبرام مثل هذا النوع من الاتفاق بدون أن يكون لدى منظري الكيان الصهيوني والساسة بالبيت الأبيض قناعة بأن حركة حماس تحظى بتأييد واسع في أوساط الشعب الفلسطيني. فقد نجحت الحركة في فك الحصار عن غزة في يومي 22 و23 يناير باقتحام نساء وطلبة غزة للجدار الفاصل ما بين القطاع ومصر في خطوة قاسمة وغير مسبوقة. مع إسقاط الجدار، انهارت كافة أهداف الحصار الاقتصادي المفروض على قطاع غزة، فقد قضى أشقاؤنا في القطاع الشتاء الأصعب من حيث ضيق الحال هذا العام – البطالة في القطاع هي الأعلى على مستوى العالم. النظام المصري اضطر إلى التفاوض مع حماس. أما إيهود أولمرت فبدأ بالحديث عن اقتحام القطاع بالدبابات لدحر المقاومة في قطاع غزة للأبد باحتلاله، لكنه تراجع بالنظر إلى هزيمته النكراء في مواجهة حزب الله والجنوب اللبناني الباسل، أو بلغة أخرى بسبب الخوف من مواجهة «لبنان آخر».

أخيرا، قد تنهار اتفاقية التهدئة قبل قراءة هذه السطور، أو قد تصمد لوهلة وجيزة بعدها، لكن ما يهمنا هنا هو أن الصمود والثبات الفلسطينيين يجلبان ثمار غير متوقعة. فقد أصبح جزء من الرأي العام الاسرائيلي يتحدث عن «العقلانية» و «معقولية» فتح قنوات مع المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي يتضمن اعترافا ضمنيا وعالميا بمشروعية مشروعها.