المظاهرات تندلع ضد الغلاء:
ثورة الجياع في إيران

لقد وصل الناشط الاشتراكي والطالب الإيراني أمير محسن محمدي مؤخرًا إلى أستراليا بعد هروبه من النظام الوحشي الذي اضطهده والعديد من الطلاب الآخرين بسبب نشاطهم السياسي، ويحدد في هذا المقال أهمية اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في ظل الحكم الإسلامي.
في الثالث من أكتوبر شارك العديد من سكان العاصمة الإيرانية في التظاهرات والإضرابات، احتج المتظاهرون على الزيادة الحادة في الأسعار وزيادة قيمة الدولار، وكانوا ينوون فرض إضراب وفرض إغلاق السوق الكبير “البازار”. كانوا يهتفون بشعارات منددة بالأسعار المرتفعة والدولة الديكتاتورية وحكومة أحمدي نجاد، ولجأوا في النهاية إلى إشعال النيران وتم قمعهم بطريقة عنيفة للغاية على يد قوات شرطة مكافحة الشغب، وقد نشرت بعض المصادر الإخبارية تقارير عن مقتل شخص وإصابة شخصين آخرين، وهو ما لم يتم تأكيده بعد.
وبحلول الرابع من أكتوبر كان الإضراب قد وصل إلى أسواق البازار في مدن أخرى مثل أصفهان وتبريز ومشهد وكرمانشاه وأحواز، وكان هناك جانبين للحركة الاحتجاجية؛ حيث شارك الرأسماليون التقليديون مثل مسئولي حزب التحالف الإسلامي في تنظيم تلك التظاهرات. يمتلك اليمين التقليدي أجزاء من البازار بطهران ولذا فقد اضطروا إلى تأييد الاحتجاجات الحالية بسبب التهديد الواقع على مصالحهم الاقتصادي، ولكن في النهاية كان الشعب هو من خرج إلى الشوارع وتظاهر ضد الظروف السائدة، فيما أصدرت نقابة المهن التجارية وأصحاب البازارات بطهران على ضوء التطرف والوحشية بيانًا ضد المشاركين تدين فيه سلوكهم.
تُنشر العديد من الأخبار حول إضرابات العمال الإيرانيين ومطالبهم الاقتصادية يوميًا، ولكن يمكننا تصنيف الأحداث الأخيرة في طهران بثورة الجياع، كما وقعت انتفاضات أخرى أيضًا في الأعوام الماضية، حيث اندلعت الاحتجاجات العنيفة في معظم المدن ردًا على الارتفاع الحاد في أسعار البنزين وكان هناك العديد من التظاهرات ردًا على ارتفاع أسعار الدجاج منذ بضعة أشهر، وقام العديد من الإيرانيين الأفضل حالًا من الناحية الاقتصادية والذين يقيمون خارج إيران بالتقليل من هؤلاء المشاركين في الاحتجاجات على ارتفاع أسعار الدجاج. ولا يعد دعم أو تهكم المعارضة اليمينية ذو أهمية بالنسبة لظروف الجوع والفقر بين هؤلاء الأشخاص، حيث أنها غالبًا ما يتم التعبير عنها من خلال الانترنت في حين لا يستطيع سوى عشرة بالمائة من الإيرانيين تصفح الانترنت.
يتميز هذا النوع من الانتفاضات الشعبية بسمة محددة، حيث لا تشارك فيها قوى المعارضة المعروفة على عكس احتجاجات الحركة الإصلاحية الخضراء المنظمة التي وقعت في أعقاب الانتخابات، فلا يتلقى المتظاهرون أية شعارات معدة مسبقاً كما أنهم لا يبرزون أية ألوان أو رموز محددة. هناك شرطين مسبقين لوقوع انتفاضة الجياع؛ الشرط الأول هو عدم قدرة الحكومة على تخفيف الضغوط الاقتصادية التي تؤثر على الشعب والطبقات الاجتماعية الفقيرة، والشرط الثاني هو عدم قدرة المعارضة على تنظيم تلك التظاهرات الشعبية. مما يترك المجال مفتوحًا أمام المجموعات النفعية المهتمة بمصالحها مثل تجار البازار الذين لا يهتمون بشكل جدي بتنظيم المظاهرات، ولذا تظل تلك الأنواع من الاحتجاجات عفوية بشكل كبير.
ردود الأفعال على الاحتجاجات
لقد رفض العديد من أعضاء الحركة الإصلاحية الخضراء دعم تلك الانتفاضة على أساس أن الأصوليين اليمينيين يسيطرون عادةً على البازار في طهران، وقد تعرضتُ لمواجهاتٍ شخصية مع أفراد ينتمون إلى اليسار والقوى الشيوعية؛ والذين استغلوا حجة أن تلك المظاهرات ليست احتجاجات عمالية لتبرير صمتهم، وقد زعمت بعض القوى اليمينية التقليدية أن مؤيدي أحمدي نجاد قد شاركوا في تنظيم تلك المظاهرات، وأعلنت بعض القوى اليمينية من خلال بعض المنافذ الإعلامية التابعة لوزارة الاستخبارات أن اسرائيل والقوى المعارضة قد نظموا تلك المظاهرات، ولكن النقطة الهامة في هذا الأمر أن من شاركوا في تلك الاحتجاجات الشعبية الراديكالية كانوا أشخاصًا جائعين فحسب.
هناك أسباب أخرى للانهيار الحاد في قيمة العملة الإيرانية وزيادة سعر الدولار غير العقوبات الاقتصادية؛ فقد حاولت حكومة محمد خاتمي جاهدةً للتخلص من إعانات المواد الغذائية، ثم قامت حكومة أحمدي نجاد باستكمال هذا المشروع في سعيها لتحقيق اقتصاديات السوق الحر، ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا ضربت إيران موجة حادة من التضخم المالي. لقد نشر صندوق النقد الدولي عدة وثائق مختلفة منذ عام 2008 يمتدح فيها إيران لقضاءها على الدعم الحكومية، كما نشر صندوق النقد الدولي في شهري يوليو وأغسطس الماضيين وثيقتين لم تكتفيا فقط بمدح إيران بل تطالب الدول الأخرى بتكرار تجربة إيران.
تتعرض الطبقة العاملة في إيران الآن للشلل بسبب تلك الضغوط الاقتصادية، فقد أرسل العمال عرائض في الصيف الماضي بأكثر من عشرين ألف توقيعًا إلى وزير العمل والشئون الاجتماعية السيد شيخ الإسلام، واعترض الموقعون على الأجور المنخفضة والأجور غير المدفوعة والظروف الاقتصادية الصعبة السائدة. لقد وصلنا إلى نقطة حيث حذّر وزير الاستخبارات السيد حيدر مصيلحي في خطابٍ إلى رؤسائه من احتمالية وقوع اضطرابات اجتماعية واحتجاجات ردًا على الوضع الاقتصادي.
إن إيران في وضعها الحالي تشبه برميلًا من البارود يحتاج فقط إلى شرارةٍ لينفجر، وللأسف تضر العقوبات الإيرانيين العاديين بدلًا من أن تؤثر تأثيرًا عمليًا على الأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية أو تصدير الإرهاب، حيث لا تسمح العقوبات باستيراد العديد من البضائع الطبية ويلاقي الكثير من الأشخاص صعوبةً في الحصول على أدوية حيوية. وبعيدًا عن الصناعات الصغيرة، فإن حتى الصناعات الكبيرة مثل النسيج والبتروكيماويات والسيارات قد انهارت جميعها، بالإضافة إلى إغلاق الكثير من الصناعات والمصانع مما تسبب في بطالة العديد من العمال.
من المؤكد أن العقوبات الاقتصادية هي مجرد شكل أخف من الحرب، فنحن في هذا الوضع نقترب كل يوم من حرب أخرى في المنطقة. يقع أكثر من نصف سكان إيران تحت خط الفقر ولا يمتلك العديد من الناس الوسائل الضرورية للاستمرار في الحياة، وإن أزمات التسول والبطالة والأجور غير المدفوعة وعمالة الأطفال هي أزمات خطيرة للغاية. إن هيئات الجمهورية الإسلامية الآن بصدد التخطيط لمشروعٍ لقسائم الطعام والمواد الغذائية. لقد أفسدت الرأسمالية العالمية المجتمع الإيراني من خلال فرض صندوق النقد الدولي لليبرالية الاقتصادية والعقوبات الاقتصادية، وفي هذا الوضع قد تنجح ثورة الجياع فقط حين تظهر قيادة راديكالية وثورية ترشدهم باتجاه الإضراب العام والمظاهرات شعبية واسعة النطاق.
* المقال منشور باللغة الإنجليزية بقلم أمير محسن محمدي بموقع منظمة البديل الاشتراكي الأسترالية