بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ثورة تونس المستمرة

نُشِر المقال لأول مرة في 26 مارس 2012 بالموقع الإلكتروني لمنظمة البديل الاشتراكي بأستراليا، بقلم جون باسانت..

بعد شهر من الاحتجاجات والإضراب العام الذي أُجبرت النقابات المسالمة عادة على الدعوة له، هرب الديكتاتور التونسى بن على بعد حكم دام 23 عاماً. وبعد ما يزيد قليلاً عن أسبوع، انطلقت الثورة المصرية ومن هنا انتشر الربيع العربى عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تطالب خلاله الجماهير بالعدل والوظائف والحرية والطعام.

وفى أكتوبر من العام الماضى فاز الحزب الإسلامى فى تونس، حزب النهضة، بأربعين فى المائة من الأصوات فى انتخابات حرة وشكل الحزب حكومة ائتلافية بمشاركة حزب تقدمى وديموقراطيين اجتماعيين، ولم يكن هذا الانتصار مفاجئاً.

على العكس من بعض فصائل اليسار المعتدل الذى كان يضفى شكلاً ديموقراطياً على سلطة بن علي، كان حزب النهضة محظوراً تحت حكم الديكتاتور. كان الحزب يساعد الفقراء حيث تركز خطابه أثناء الانتخابات عن توفير الوظائف وتحسين المستوى المعيشي، على عكس اليسار الذى قام بحملات ضد الخطر الإسلامى منادياً بالعلمانية دون الربط على الإطلاق بالاحتياجات الاقتصادية الأساسية للعمال والفلاحين.

وعلى الرغم من ذلك، استمرت حكومة النهضة فى السلطة فى ممارسة السياسات الليبرالية الجديدة وفى صداقتها مع الشركات الكبرى، ولم تتمكن من التعامل مع المشاكل الاقتصادية للبلاد حيث تدهور وضع العمال والفقراء وارتفعت البطالة من 14% إلى 20% لتصل إلى 40% من الشباب وبلغ عدد العاطلين من الخريجين أكتر من 180 ألف عاطل. وفى يناير الماضي انخفضت قيمة الدينار التونسى أمام الدولار الأمريكى، كما انخفض معدل النمو الاقتصادى إلى صفر أو ما هو أقل، ووفقا لتقرير جديد فإن ربع السكان يعيشون تحت خط الفقر.

بعد هروب بن علي انطلقت موجة من الإضرابات فى تونس من أجل تحسين الأجور. هذه الإضرابات، بالإضافة إلى المظاهرات اشتدت قوتها بشكل كبير بعد الانتخابات فى أكتوبر 2011. فعلى سبيل المثال، قام موظفو التأمين الاجتماعى بالإضراب فى ديسمبر وفى نفس الشهر فضت الشرطة اعتصاماً للعمال فى جفصة وهى منطقة تعدين تبلغ فيها نسبة بطالة الخريجين 60%.

وفي المقابل، تذمر متحدث رسمى بإسم الحكومة في يناير الماضي من الإضرابات المنتشرة والتي بلغت 513 إضراباً منذ بدء الثورة، كما حذر من التحريض على الإضراب. وترددت الأقاويل فى أوساط الحكومة ورجال الأعمال عن تجريم الإضرابات، ودعا نائب برلمانى من حزب النهضة بصلب المضربين.

هذه التحذيرات غير مجدية حيث هددت النقابة العامة للعمال بتونس بالقيام بإضراب كبير فى عدد من الصناعات بسبب عدم تثبيت العمالة ولكن تم إلغائه بعد بدء المفاوضات. وعلى الرغم من ذلك اشتدت الإضرابات والمظاهرات فى جفصة. هذا وقد أضرب الصحفيون وغيرهم من العاملين بالإعلام فى فبراير دفاعاً عن حرية الرأى وهددوا بإضراب عام للصحفيين بعد أن اعتدت قوات الشرطة بالضرب على مراسلين يقومون بتغطية مظاهرة للنقابة العامة للعمال بالعاصمة تونس. كل ذلك بالإضافة إلى عمال النظافة، عمال الصرف الصحى، عمال الخطوط الجوية وعمال البترول.. القائمة ممتدة لهؤلاء الذين أضربوا من أجل تحسين الرواتب.

ولكي أعطي لمحة عن حجم هذه الإضرابات، يكفي أن أشير إلى أنها ازدادت فى 2011 بأكثر من 120% عن 2010، وقد بدأ العام بنفس الشكل النضالى فبخروج النقابة العامة للعمال بتونس من النظام القديم وبالروح القتالية الجديدة لديها فإنها تضم الآن 400,00 عضو من أصل 4 مليون عامل فى تونس.

وحتى كتابة هذا المقال، تنطلق احتجاجات واسعة فى سيدى بوزيد بسبب نقص المياه، بالإضافة إلى العديد من دعوات الإضراب العام فى المنطقة. سيدى بوزيد هى الوطن الرمزى للثورة حيث قام محمد بوعزيزى العاطل حديث التخرج والذى كان يعمل بائعاً جائلاً بإضرام النار فى نفسه فى ديسمبر 2010 بادئاً الانتفاضة التى أسقطت بن علي.

لقد كان إسقاط الديكتاتور إنجازاً عظيماً، ولكن مطالب الثورة لم تقتصر على وضع نهاية لبن علي وإقامة انتخابات حرة، بل أن المطالب الأساسية كانت متعلقة بحياة أفضل للفقراء. واليوم، لم يتحسن وضع التونسيين اقتصادياً، بل وتحاول الحكومة تقييد بعض الحريات وتظل الثورة غير مكتملة. ومع ذلك، تزداد الإضرابات والاحتجاجات رافعةً مطالب الثورة، وإذا تنظمت صفوف العمال وأضربوا لتحسين الأجور وللدفاع عن الديموقراطية ستتوفر بذلك إمكانية حقيقية لاستكمال وتعميق هذه الثورة.