البحرين واليمن:
ثورات لا تلين
• تم نشر المقال باللغة الإنجليزية لأول مرة بمجلة "الاشتراكي" الشهرية البريطانية، عدد مايو 2012، يصدرها حزب العمال الاشتراكي بالمملكة المتحدة
"الربيع العربي لم ينته بعد"، على أثر الجدل القائم بسبب سباق الفورميلا وان للسيارات في البحرين يلقي الكاتب "دومينيك كافاكيب" نظرة على الثوره البحرينية، كما تنقل لنا الكاتبة ميرفت سليمان الأحداث الجارية والمتصاعده في اليمن.
عندما يجهر شعب بغضبه ضد القمع ويعلن تخليه عن صمته ومثابرته وتعايشه مع القهر، فإنه بذلك يمارس فعل الثورة، وعندما يصر على استكمال ثورته وتأكيد مطالبه فهو بذلك يمارس فعل الصمود، الصمود هو الفعل الاكثر شيوعاً في شوارع البحرين، والذي اتخذه الشعب البحريني مبدأ يؤمنون به وليس فقط مجرد فعل يتلخص في مظاهرة أو اعتصام، مبدأ دفع شعب بأكمله أن يلجأ للشوارع ويقيم بها أياما وليالي سخطا على القمع ونداءا للحرية.
وكان رد فعل النظام البحريني مشابهاً لردود أفعال كل الأنظمة المستبدة على مر التاريخ، حيث قام بحشد كل قوته القمعية. وتجنيد عدد لا نهائي من الحكومات لمؤازرته ومساندته لخوض مسيرته القمعية. ولكن تأتي الأسئلة التي طالما أرهقت أذهاننا مع جميع الشعوب العربية الثائرة، لماذا لم يهربوا خوفا من الموت، لماذا لم يسأموا، لماذا آثروا الصمود؟! إلا أننا لن نجد إجابة لتلك الأسئلة إلا في ميدان اللؤلؤة في المنامة، كما وجدناها من قبل في ميدان التحرير في القاهرة.
عاش الشيعة في حالة من التهميش والتمييز الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، إلا أنهم اعتمدوا "التغيير الديمقراطي" مطلبا للثورة البحرينية وقاموا بحشد الآلاف ليوم 14 فبراير 2011 ليعلن الشيعة مطلبهم إسدال الستار على الديكتاتورية السنية بقيادة اّل خليفة، ولكن الثورة احتضنت مختلف الأطياف والمذاهب من سنة وشيعة، إسلاميين ويساريين، ليبراليين ومحافظين، وغيرهم ممن لا ينتمون لأي فكر أو مذهب سياسي، خرجوا جميعا لإعلان مطلبهم بإنهاء حكم الديكتاتورية.
تعد البحرين أكثر دول الخليج تحررا، إلا أنها لا تزال تحت سيطرة حكومة غير منتخبة ممثلة في العائلة الملكية التي تهيمن على النصيب الأكبر من السلطة والثروة، وخير مثال على ذلك أن الأمير خليفة بن سليمان وهو عم الملك حمد بن عيسي اّل خليفة، تولى منصب رئاسة الوزراء لمدة تزيد عن 40 عاما، لذلك فالديمقراطية المزعومة لا تزيد عن كونها قناع لجذب الاستثمارات الأجنبية والتعتيم على النظام السلطوي الراسخ الجاحد لأحقية شعبه في اكتساب مقومات الحياة الاّدمية، أو لتحقيق الحد الأدني من متطلبات الحياة الكريمة.
في الأيام الأولى للثورة، استشهد اثنان من النشطاء، إلا أن ازدياد عدد الشهداء كان يزيد من توهج وتكدس ميدان اللؤلؤة، وهذا ما استفز النظام البحريني ودفعه للاستمرار في القيام بأعماله الدموية دون أي رادع، وما زال الصمود هو شعار الشعب البحريني.
الإحساس بالحرية
"تذوقت طعم الحرية لأول مرة في حياتي وتمكنت من التعبير عن رأيي بهتافي ورفع لافتتي. دون الخوف من الاعتقال" هذا ما قاله أحد النشطاء واصفا تأثره بما يسمى "أيام اللؤلؤة"؛
فلقد لعب ميدان اللؤلؤة في المنامة نفس الدور الذي لعبه ميدان التحرير في القاهرة، حيث أصبح الكل واحد، ذابت كل الخلافات والاختلافات، وامتص الميدان كل الفروق، ودمج المتظاهرون جميعاً تحت راية واحدة من أجل هدف واحد وهو رسم مستقبل المجتمع الذي طالما حلموا به. فأجمعت كل الآراء أن ثمة شيء قد أظهر روح الوطنية والتعاون والحب، تلك الروح التي طالما حاولت الانظمة القمعية المختلفة إزهاقها.
في الثالث عشر من مارس سنة 2011 عبرت دبابات الجيش السعودي فوق الجسر الذي يربط السعودية بالبحرين، وشنت حملة وحشية على المعتصمين بالطريق الدائري، أسفرت عن استشهاد ستة أفراد من المعتصمين. وبعد يومين من تلك الليلة الدموية، قامت الحكومة البحرينية بهدم النصب التذكاري المقام في منتصف الطريق الدائري، واهمين بذلك أنهم أزهقوا آخر أنفاس تلك الحركة المنغصة لدكتاتوريتهم التي أفنوا عمرهم في بنائها. إلا أن ميدان اللؤلؤة له أنفاس لن تزهق وأحلام تأبي أن تؤد، وشهداء مازالت دماؤهم تروي أرض البحرين، وشعب آثر الصمود .
رد دموي
كانت الغازات السامة والمسيلة للدموع هي الأداة القمعية لدي النظام البحريني، التي استخدمها لقتل عشرات البحرينيين، حيث وصل عدد الشهداء حتي هذه اللحظة إلى 85 شهيد على أقل تقدير، من بينهم شيخ بلغ من العمر 85 عام وطفل لم يبلغ سوي خمسة أيام، فاستخدم النشطاء موقع اليوتيوب لفضح تلك الانتهاكات التي قام بها النظام البحريني لترويع الشعب والقضاء على الثوار منهم بغرض السيطرة على الأمن في الشوارع. ولكن يبقي الصمود هو سيد الموقف لمدة 14 شهر. تزداد نسبة المشاركة في المظاهرات، تزداد حدة الشعارات واللافتات، ويعلنها الشعب في شوارع البحرين "لن أعود إلا منتصرا"، فقد حققت الثورة البحرينية نسبة المشاركة الأكبر من بين ثورات الربيع العربي، حيث شارك فيها مائة ألف مواطن, في حين أن التعداد السكاني للبحرين ستمائة ألف مواطن، وهي التظاهرات الأقوي والأضخم على مدار تاريخ البحرين. ولايزال الشارع البحريني في حراك ثوري حيث تحشد الأحزاب المعارضة مظاهرات ومسيرات كانت آخرها في اليوم الأول لمهرجان جائزة البحرين الكبري حين مكث الشباب البحريني في شوارع البحرين ليلاً ونهاراً، يتصدي لعنف قوات الشرطة البحرينية.
بإفراطه في استخدام العنف ضد شعبه، يزداد الحرج السياسي للنظام البحريني. إلا أنه في مواجهة شعب يأبى أن يهدأ حتي يلحق الضربة القاضية بنظام قمعي يتسم بالغباء السياسي المفرط، حيث آّثر الفوضى والعنف على اتخاذ أي إجراءات إصلاحية لتهدئة لشعبه، مستجيباً بذلك لتشجيع حلفائه من الحكومات الغربية.
بينما أقسم الشعب البحريني الحر على استكمال ثورته وتبني الصمود موقفا لا بديل له , يعيش الناشط السياسي عبدالله الخواجة رافعا شعار "إما الحرية أو الموت" منذ شهرين ونصف في معتقلات النظام البحريني, بين أشكال القهر المختلفة من جوع وتعذيب.
اليمن
كان سقوط نظام بن علي في تونس ونظام مبارك في مصر بمثابة شعلة أججت رغبة الشباب العربي في التغيير. وزادت تعطشه للحرية. وأنتجت ما يسمي بالربيع العربي. الذي ازدهر وتشعب حتي وصل لليمن، بالتزامن مع ليبيا وسوريا.
بدأت الثورة اليمنية منذ أكثر من عام, حيث نظم طلاب جامعة صنعاء مظاهرات وقرروا الاعتصام تلبية لنداء الحرية والتغيير. وكان رد النظام اليمني مطابقا لردود الأنظمة القمعية التي لا تملك الا العنف والدموية، فعلى الرغم من غناها بالموارد الطبيعية إلا أن اليمن تعد أكثر الدول العربية فقرا. فهي غارقة في بحور من الديون والبطالة والفساد المزمن، بفعل سيطرة فئة قليلة من رجال الأعمال على السلطة والمال.
منذ عام 1970 حتي عام 1980، كان شمال اليمن متحالفاً مع أمريكا، بينما كان الجنوب متحالفاً مع روسيا، وخاض البلدان "الشمال والجنوب" العديد من الحروب والمعارك، أسفرت عن عقد اتفاقية وحدة في 1990، وبعد 4 سنوات قام جنوب اليمن بخرق الاتفاقية وإعلان استقلاله، مما أدى إلى اندلاع معارك وحروب أخرى مع الشمال. انتهت بهزيمة الجنوب واندماجه مرة أخرى مع الشمال في دولة واحدة. ومنذ ذلك التاريخ استولى علي عبد الله صالح على ثروات الجنوب الطبيعية والبشرية. وكانت الحركة السلمية التي نظمها ضباط جيش الجنوب في عام 2007 بمثابة البذرة التي أنتجت ثمرة الثورة اليمنية عام 2011.
الإلهام العربي
ظهرت الحركات الاحتجاجية في صنعاء وتعز وغيرها من مدن الشمال بقياده حزب "الإصلاح" الإسلامي مطالبة بالتغيير والإصلاح مع الإبقاء على وحدة الشمال والجنوب، على عكس ما طالب به الجنوب، الذي نادي بالاستقلال عن الشمال.
تأسس حزب الاصلاح 13 سبتمبر 1990، بعد الوحدة بين شطري اليمن، على يد الراحل "عبد الله بن حسين الأحمر"، وهو الذراع السياسي لقبيلة "حاشد" اليمنية، ويعتبر المنافس الأقوى لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه "علي عبد الله صالح"، ولكن حزب الاصلاح ليس بالمعارض الحقيقي لحزب المؤتمر الشعبي، وإنما ارتضى في بعض الأوقات أن يقتسم معه السلطة والمال على حساب الشعب اليمني.
وهناك كيانات أخرى يمنية معارضة لنظام على عبد الله صالح. مثل مجموعة الشيعة الحوثية بالشمال، والتي اتهمت بأنها مدعومة من إيران. ومجموعة أخري تدعي أنصار الشيعة، التي استولت مؤخراً على بعض المدن في الجنوب، وأعلنتها منطقة إسلامية، مما أدى إلى هجرة الآلاف من السكان، ليعيشوا لاجئين في مدن مجاورة.
يعتقد أهل الجنوب أن الانفصال عن الشمال هو الحل الاستراتيجي الأمثل لأزمة جزيرة سقطري، مع علمهم بأن هذا الانفصال يزيد من التدخل الأمريكي العسكري والسياسي.
واستجابة للضغط الشعبي، تنحى على عبد الله صالح، مقابل إعفائه من المحاسبة والمحاكمة على جرائمه السياسية والجنائية، وبرعاية دول الخليج والولايات المتحدة تم إجراء انتخابات شكلية، تلك الانتخابات التي لم تضم سوي مرشح واحد، وهو نائب الرئيس السابق، والتي قاطعتها مدن الجنوب وقطاع كبير من مدن الشمال. إلا أن البعض فضل المشاركة تخلصاً من على عبد الله صالح. واعتبار تلك الانتخابات خطوة لا بأس بها نحو تحقيق مطالبهم، وبذلك انتهى حكم على عبد الله صالح بشكل رسمي فقط، لكن نظامه مازال قائما يحكم ويستبد كعادته عن طريق أبنائه وأقرابه. والأنكى من ذلك، أنه مازال يعيش في اليمن ومازال يترأس الحزب الحاكم. ويتدخل في كل القرارات السياسية. وكأن لم يثر عليه شعب بأكمله، أو تهدر الدماء بأيدي عصابته.. وكأن شيئا لم يكن.
هجمات رتيبة
تحت شعار محاربة الإرهاب، دعمت أمريكا نظام صالح بكل السبل الممكنة، دعم سياسي وعسكري ومادي حيث شنت هجمات جويه على اليمن أسفرت عن الكثير من الخسائر، لا لشيء إلا لدعم خطتها في استغلال البترول والطاقة النووية في اليمن. ولكن المؤسف أن نرى دولا عربية تقف حليفة لأمريكا ولنظام على عبد الله صالح، وتدعم قتل وقمع أشقائها في اليمن. ونجد ذلك في البحرين والسعودية. ومن المتوقع أن يتفق أصحاب المصالح المشتركة على القمع والاستبداد، فكل من النظام البحريني والنظام السعودي يضره إقامة دولة ديمقراطية مجاورة في اليمن. حيث أن الديمقراطية عندهم بمثابة رصاصة في قلب أنظمتهم القائمة على الديكتاتورية والاستبداد.
الثورة مستمرة
علي الرغم من كثرة المعوقات، إلا أن الثورة اليمنية لها شعب حر مناضل، آثر الصمود من أجل بناء مجتمع ديموقراطي، طالما حلموا به. وتكمن قوة هذا الشعب في شبابه المناضل، الذي ينظم الاحتجاجات والمظاهرات في الجامعات اليمنية، مطالبا بالقضاء على بقايا نظام على عبد الله صالح في الجامعات. كما تكمن أيضا في مجموعة من ضباط الجيش الذين يخوضون مناوشات ومعارك داخل الجيش آملين في التخلص من سيطرة عائلة على عبد الله صالح. ولم يكن الطلاب وبعض ضباط الجيش هم فقط حماة الثورة اليمنية. بل يشاركهم في النضال رجال الأمن والطيران والعمال وكل فئات الشعب اليمني. فقد ظهرت مؤخراً دعوة من العمال للإضراب عن العمل، حتي تتحقق مطالبهم من تحسين ظروف العمل، رفع الأجور والأهم هو التخلص نهائياً من بقايا نظام على عبد الله صالح.
إن ما نستطيع تأكيده هو أن زهور الربيع العربي لن تذبل؛ فثورة اليمن وغيرها من الثورات العربية مستمرة ولا مفر من انتصارها وتحقيق مطالبها، طالما هناك شعب حر آثر التضحية الصمود.